طوفان الأقصى

خاص العهد

انهيار
24/04/2020

انهيار "دراماتيكي" لليرة..وهذا ما فعله سلامة

فاطمة سلامة

قبل وفترة وجيزة وفي ختام الحديث مع شخصية سياسية مالية نافذة، وفيما كان سعر صرف الدولار يواصل صعوده الناري، سألناها على الهامش "الى متى سيستمر هذا السعر في الارتفاع؟". سُرعان ما أجابت بالقول "ردّي سيكون خارج التسجيل، الوضع صعب جداً". طبعاً لم يخترع المتحدّث وفي معرض رده الذرة، فهذا الحال بات معروفاً للجميع، إلا أنّ ما قالته هذه الشخصية التي لها ما لها من الحل والربط، يختصر الكثير من خبايا وأسرار ما جرى ويجري في مالية الدولة. فسعر صرف الدولار الذي تخطّى أمس الخميس عتبة الأربعة آلاف ليرة لم يتخطها صُدفةً. مراقبة كل ما جرى ويجري منذ تشرين الأول المنصرم حتى اليوم، يُبيّن الأسباب الحقيقية وراء الجريمة المالية التي ارتكبت بحق الليرة اللبنانية. تلك الليرة باتت في الدرك الأسفل نتيجة عدة عوامل بدءاً من تهريب الأموال الى الخارج، مروراً بحجز أموال المودعين، وليس انتهاءً بتعاميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. 

في النقطة الأخيرة يكمن بيت القصيد، فقد "هندس" الحاكم بأمر المصرف السياسة النقدية كيفما يشاء. ولا شك ورغم تعدد أسباب انهيار الليرة، إلاّ أنّ السبب الأساس يكمن في سياسة حاكم البنك المركزي الذي بقي لسنوات يوهمنا في الشكل أن الليرة مستقرة وثابتة، فيما مقدّمات التداعي تؤسّس لما نحن عليه اليوم. نعم نحن اليوم نحصد نتائج سياسة عمرها نحو 30 عاماً. تلك السياسة النقدية لا شك أنها لم تخرج عن الإطار السياسي والإملاءات الخارجية. ولا داعيَ هنا للتوسع والشرح في هذه النقطة التي باتت معروفة ومعلومة للسواد الأعظم. 

اليوم، وفي عزّ الأزمة الصعبة التي يعيشها لبنان، وانهيار الليرة الدراماتيكي، تُطرح أسئلة أساسية: ما أسباب ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوني؟ هل باستطاعة المصرف المركزي القيام بإجراءات لضبطه في السوق اللبناني؟ وما هي هذه الإجراءات؟.

مستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية: تعاميم المصرف المركزي الأخيرة فاقمت الأزمة 

مستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية الدكتور جورج شلهوب يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ عدة أسباب تكمن وراء ارتفاع سعر صرف الدولار. منها على سبيل المثال الانكماش الاقتصادي الذي يتزايد يوماً بعد يوم، وأزمة "كورونا" التي أثرت على الاقتصاد نتيجة خلقها لمخاوف لدى المواطنين. ويؤكّد شلهوب أنّ تعاميم المصرف المركزي التي صدرت مؤخراً لا تساعد على الخروج من الأزمة، بل على العكس تفاقم الأزمة أكثر. فعندما يصبح الطلب لهذه الدرجة على الليرة اللبنانية، ولا يعود بإمكان المواطنين الحصول على "دولاراتهم" فإنّ المصرف المركزي يجد نفسه مضطراً لطبع العملة اللبنانية بشكل كبير. ويشرح شلهوب أكثر، فلو أنّ الناس لم تبدأ بعد بالتوجه نحو المصارف لسحب ودائعها بالليرة اللبنانية بشكل كبير، إلا أنه وعندما يصبح لدينا تعاميم من هذا النوع يصبح هناك استعداد لهذا الأمر ونلتقط الإشارة أن هذه التعاميم ستقوّي الدولار على حساب الليرة اللبنانية.  

 

انهيار "دراماتيكي" لليرة..وهذا ما فعله سلامة

 

ولدى سؤاله: هل من إجراءات نستطيع القيام بها للخروج من الأزمة؟ يجيب شلهوب بالاشارة الى أنّ الاجراءات التي يتم اتخاذها حالياً محدودة جداً، لأنّه لم يُسمح بإقرار قانون "الكابيتال كونترول"، ما فتح الباب أمام المصرف المركزي لإصدار هذه التعاميم. وبالتالي فإنّ الحكومة لا تستطيع أن تضبط موضوع سعر صرف الدولار ولا أن تخرج بقرارات. ورداً على سؤال حول الإجراءات التي يجب على المصرف المركزي اتخاذها، يقول شلهوب "إن المصرف المركزي يعرف ما المطلوب منه، وليس من مهام الحكومة تقديم المشورة له، فهو يعمل بشكل مستقل وبرئاسة الحاكم". ويُشدّد شلهوب على أنه لو يسمح بإقرار قانون "الكابيتال كونترول"  لما وصلنا لما نحن عليه الآن". 

ولا يخفي شلهوب أن لا شيء يُلغي الحالة التي وصلنا اليها، ولكن هناك طرقا للتخفيف من وطأة الأزمة وهذا الأمر يعود لمصرف لبنان، فالحكومة الآن ليس لديها صلاحيات للقيام بأي شيء بسبب الغاء "الكابيتال كونترول". 
 
وفي الختام، يُشدّد شلهوب على ضرورة التوحد خلف الخطة المالية التي تنجزها الحكومة فكلما استعجلنا بها واتفقنا عليها كلما خرج البلد من الأزمة المالية بشكل أسرع. بالنسبة اليه، فإنّ هذه الخطة تكاد تكون الشيء الوحيد الذي ينقذ الاقتصاد ويقوي قيمة العملة اللبنانية، اذ إن الحل الجذري هو استعادة الاقتصاد القوي والمنتج في لبنان وليس كما كان على مدى عشرين عاماً. 
 
عكوش: كل الإجراءات التي قام بها مصرف لبنان هي تخبط في تخبط
 
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يستعرض في حديث لموقعنا الأسباب الحقيقية وراء الارتفاع الخيالي لسعر صرف الدولار، فيوضح أنّه وبعدما تركت الحكومة اللبنانية للمصرف المركزي معالجة الأزمة بين المودعين والمصارف التجارية، ومعالجة قضية سعر صرف الدولار وفقاً للمادة 174 من قانون النقد والتسليف، انكبّ الحاكم على إصدار التعاميم بدءاً من التعميم رقم 148 والذي حرّر فيه جزءاً من الودائع التي تقل عن الثلاثة آلاف دولار، والذي نتج عنه بعض الارباك، مروراً بالتعميم رقم 149 الذي أعلن فيه عن إقامة منصة واحدة للعملات الأجنبية داخل مصرف لبنان لتحديد سعر السوق، والتي للأسف لم يتم إنشاؤها لغاية اليوم. وهنا يقول عكوش "كنا نتوقع بموجب هذا التعميم أن يقوم مصرف لبنان بالتدخل داخل السوق للعمل أقله على استقرار سعر الصرف، هذا لم يفعله للأسف، بل أتى بعدها التعميم رقم 151 ليتحدث عن تحرير جزئي للودائع بمقدار 5000 دولار كحد أقصى وللأسف حصل إرباك حياله من قبل المصارف التجارية لأنّه لم يحدّد لا الحد الأدنى ولا الأقصى، بل صدر لاحقاً توضيح في هذا الصدد. وبحسب عكوش، فإن كل الإجراءات التي قام بها مصرف لبنان هي تخبط في تخبط، وهي التي أدت فعليا ًالى الارتفاع الخيالي الذي نشهده اليوم في سعر صرف الدولار. 

ويؤكّد عكوش أنّ وظيفة مصرف لبنان وفقاً لجميع المواد المذكورة في قانون النقد والتسليف هي التدخل في السوق، فالمادة 76 من قانون النقد والتسليف، تتحدّث عن وظيفة مصرف لبنان للعمل على استقرار سعر الصرف، ولكن للأسف لغاية اليوم لم يقم مصرف لبنان بهذه الوظيفة ولم يتدخّل.

ماذا في جعبة مصرف لبنان من إجراءات يستطيع القيام بها؟ 

يستهل عكوش إجابته على هذا السؤال بالإشارة الى أنّه وفي ظل أزمة "كورونا"  حصل انخفاض كبير في فاتورة مصرف لبنان من العملات الصعبة المطلوبة لتمويل سلع أساسية، فمثلاً هناك وفر في ملف المحروقات أقله بحدود المليار دولار. وبالتالي، فإنّ هذا المبلغ كان بالإمكان استخدام جزء منه، فالخمسون بالمئة مثلا ً أو الـ20 بالمئة من الوفر تكفي لاستقرار سعر الصرف، لأن كمية الدولارات المتداولة اليوم بالأسواق المحلية ليست كبيرة، وبالتالي باستطاعة مصرف لبنان استعمال ولو جزء من هذا التوفير في السوق للعمل على استقرار سعر الصرف. ولكن على المصرف المركزي بدايةً أن ينفذ التعميم رقم 149 القاضي بإنشاء منصة لأنه بدون إنشاء هذه المنصة لا يستطيع فرض السعر في السوق. 

 

انهيار "دراماتيكي" لليرة..وهذا ما فعله سلامة

 

ويُشير الخبير الاقتصادي الى أنه كان بإمكان مصرف لبنان الذهاب باتجاه تعاميم واضحة ومحددة وليس إصدار تعاميم غامضة كتعميم الـ151 الذي يتحدث عن تحرير جزء من الودائع، تاركاً  للمصارف الاستنسابية ما رفع سعر صرف الدولار. وهنا يلفت المتحدّث الى أن هامش الربح للصيارفة يجب أن لا يتعدى الواحد بالمئة، ولكن للأسف فالهامش يبلغ الآن حوالى العشرة بالمئة.   

منذ مجيء سلامة كانت هناك خطة لإدخال لبنان في هذه المتاهة

وفي ختام حديثه، يرى عكوش أنه بات واضحاً لجميع اللبنانيين سياسة الحاكم المصرفي خصوصا عندما تدافع عنها بعض الجهات السياسية الداخلية والخارجية. تماماً كما أصبح واضحاً أنه ومنذ مجيء حاكم مصرف لبنان كان هناك خطة لإدخال لبنان في هذه المتاهة إن كان لناحية إغراقه في الدين العام عبر الهندسات المالية وسياسة الفوائد المرتفعة، أو تدهور سعر صرف الليرة، متمنياً من مجلسة الوزراء أن يصدر قرارات لعدم ترك القرار في ملعب الحاكم. 

 
نقابة الصيارفة: الحل بضخ دولارات من الخارج

وبموازاة الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، قرّرت نقابة الصيارفة إقفال شركات الصيرفة حتى الإثنين المقبل. البعض يعتبر أنّ هذا القرار سيزيد من الضغط على الدولار، فكيف ترد النقابة على هذا الكلام؟. 

عضو نقابة الصرافين محمود حلاوي، يرد في حديث لموقع "العهد" بالإشارة الى أنّ هذا الكلام لا يدخل سوى في سياق التحليل، بينما الواقع مخالف. من وجهة نظره، سواء فتحت مكاتب الصيرفة أبوابها أم أقفلتها، فالطلب الزائد على الدولار يفرض نفسه، يُضاف اليه الخوف لدى المواطنين. فعندما تسمح الدولة لشركة "omt" بوضع سعر صرف رسمي لصرف الدولار، أو عندما تقدّم المصارف للمواطن دولاراته بالليرة اللبنانية ووفقاً لسعر صرف السوق، كل هذا سيدفع بالمواطن الى تدارك الأمور وتحويل أمواله من العملة المحلية الى الدولار. ويُشدّد حلاوي على أنّ السبب الأهم والأساسي من كل ذلك هو زيادة الضغط على الدولار من قبل الشركات المستوردة للمواد الغذائية والأدوات الطبية. 

وينفي حلاوي مسؤولية الصرافين عن ارتفاع سعر صرف الدولار. بالنسبة اليه، فإن الصراف يشعر بمسؤولية لتأمين العملة الصعبة كي لا يتوقف الاستيراد. من أين يؤمّن الصراف الدولار؟ يجيب المتحدث بالقول" المواطن العادي والذي يدّخر الدولارات في منزله ولمجرد أن يرى أرقاماً جديدة لسعر الصرف، يسارع لتصريف الدولارات، ونحن بدورنا نبيعها للتجار". 
ويشدد حلاوي على أن قاعدة العرض والطلب تتحكم بلعبة السوق خصوصاً أوقات الأزمات. 

ويدافع حلاوي عن وجهة نظر الحاكم والتعاميم التي أصدرها لناحية أخذ الدولارات وإعطاء المواطنين الأموال بالليرة اللبنانية ووفقاً لسعر الصرف في السوق. ويلفت الى أنّ مصرف لبنان بدأ من خلال التعاميم بضخ ما يقارب الثلاثة أو الأربعة ملايين دولار من خلال الصرافين يومياً في السوق. إلا أنّ حلاوي يرى أن الحل يحتاج الى ضخ  دولارات من الخارج لنتمكن من تلبية الطلب، عندها حكماً سيتحجم سعر صرف العملة الأجنبية.

الدولاررياض سلامةالليرة اللبنانية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة
لافروف: موسكو وبكين توقفتا بشكل شبه كامل عن استخدام الدولار في تجارتهما المتبادلة
لافروف: موسكو وبكين توقفتا بشكل شبه كامل عن استخدام الدولار في تجارتهما المتبادلة
غرب آسيا والحيثية الدولية للولايات المتحدة الأميركية
غرب آسيا والحيثية الدولية للولايات المتحدة الأميركية
خسائر غير مسبوقة بمليارات الدولارات نتيجة استدعاء الاحتياط منذ بدء العدوان على غزة
خسائر غير مسبوقة بمليارات الدولارات نتيجة استدعاء الاحتياط منذ بدء العدوان على غزة
برلمانيون وخبراء اقتصاد: واشنطن وراء اضطراب السوق العراقي
برلمانيون وخبراء اقتصاد: واشنطن وراء اضطراب السوق العراقي
منصة بلومبرغ.. ترقيع جديد في الاقتصاد اللبناني
منصة بلومبرغ.. ترقيع جديد في الاقتصاد اللبناني
مدقّق حسابات سلامة: لا أعرف... لا أعلم... لا أتذكّر
مدقّق حسابات سلامة: لا أعرف... لا أعلم... لا أتذكّر
عبد اللهيان وهوكشتاين يصلان بيروت اليوم.. وسلامة "ينجو" من الملاحقة القانونية
عبد اللهيان وهوكشتاين يصلان بيروت اليوم.. وسلامة "ينجو" من الملاحقة القانونية
القاضي شعيتو يرفع يده عن ملف سلامة بعد دعوى مخاصمة
القاضي شعيتو يرفع يده عن ملف سلامة بعد دعوى مخاصمة
زيارة لموفد قطر الى بيروت تسبق جولة لودريان.. وسلامة يواجه قدره بالتوقيف أو الفرار
زيارة لموفد قطر الى بيروت تسبق جولة لودريان.. وسلامة يواجه قدره بالتوقيف أو الفرار
الحاكم في عزلته بين وسط بيروت والصفرا: لا هاتف يرنّ ولا باب يُطرق
الحاكم في عزلته بين وسط بيروت والصفرا: لا هاتف يرنّ ولا باب يُطرق
بـ60 صاروخ كاتيوشا.. المقاومة الإسلامية تستهدف مقر قيادة ‏فرقة الجولان في "نفح" ردًا على العدوان ‏الصهيوني على محيط بعلبك
بـ60 صاروخ كاتيوشا.. المقاومة الإسلامية تستهدف مقر قيادة ‏فرقة الجولان في "نفح" ردًا على العدوان ‏الصهيوني على محيط بعلبك
العدوّ يتجاوز قواعد المعركة ويستهدف الغازية.. وأميركا تواصل حماية "إسرائيل"
العدوّ يتجاوز قواعد المعركة ويستهدف الغازية.. وأميركا تواصل حماية "إسرائيل"
أزمة تحويل الليرات في ظل غياب الخطة الشاملة
أزمة تحويل الليرات في ظل غياب الخطة الشاملة
برّي استغرب تحذيرات السفارات.. ورواتب القطاع العام بالليرة
برّي استغرب تحذيرات السفارات.. ورواتب القطاع العام بالليرة
كتاب مفتوح إلى الدكتور وسيم منصوري
كتاب مفتوح إلى الدكتور وسيم منصوري