مدارس المهدي (عج) تتألق في أساليب التعليم عن بُعد.. ماذا يقول مديرها العام لموقع "العهد"؟

ياسمين مصطفى

فرض قرار إغلاق المدارس والجامعات لأجَلٍ غير مسمًى واقعًا جديدًا وصعبًا على المؤسسات التربوية والتعليمية في لبنان، تمثل بالانتقال للعمل قسرًا بنظام التعلم عن بعد، مع كل ما يصحبه من إشكاليات على صعيد جهوزية الكوادر التعليمية ومقبوليته لدى الطلاب وأولياء الأمور، وما يتطلبه من تجهيزات لوجستية وتقنية وتكنولوجية ومتطلبات معرفية عديدة. تجربة المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم - مدارس المهدي(عج) كانت جديرة بالاهتمام.

مع بدء الأزمة قررت إدارة المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم - مدارس المهدي(عج) تحويل تهديد فيروس كورونا إلى فرصة لفتح آفاق التعلم عن بعد، وتُرجم القرار بجهود جبارة ولافتة للكوادر التعليمية والتربوية لإنجاح العمل بهذا النظام التكنولوجي الجديد، تُوجت بإنجاز نوعي ومميز، انعكس رضى وامتنانا لدى أولياء الأمور وطلاب مدارس المهدي. فما هو هذا الإنجاز النوعي؟ وكيف يخدم نظام التعلم عن بُعد؟

مشروع الإدماج المتدرج لتكنولوجيا المعلومات في نظام التعليم يُثمر في أزمة كورونا

رئيس جمعية المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم - مدارس المهدي (ع)  د. حسين يوسف يشرح لموقعنا كيف دأبت المؤسسة الاسلامية للتربية والتعليم منذ سنوات على العمل وفق مجموعة من المشاريع والمنظومات الداخلية لتجويد العملية التربوية والتعليمية. أحد عناوين هذه المنظومات هو تطوير نظام تدريب وتأهيل الكوادر التعليمية، ومشروع آخر كان مشروع الإدماج المتدرج لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في التعليم، ضمن المشروع الشامل لتجويد التعليم وتأصيله في المؤسسة.

وعليه، تبنت المؤسسة مجموعة مقاربات تستهدف إدماج التكنولوجيا في عملياتها التربوية والتعليمية ضمن مقاربة التعليم المتمازج blended learning، وإذ يؤكد يوسف لموقعنا أن الأصل والأساس هو التعليم المباشر الذي يمارسه المربي مع المتعلم، يلفت إلى أن إدماج التكنولوجيا الحديثة أسهم في  جهوزية سريعة لدى المؤسسة للتعامل مع الوضع المستجد بفعل انتشار فيروس كورونا.

العمل "الصامت" كما يصفه الدكتور يوسف، تمثل في إنشاء برنامج معلوماتي شامل يستوعب العمليات الإدارية والتربوية والمالية مع ربط الإدارة العامة والفروع ضمن شبكة داخلية تعمل وفق برنامج معلوماتي خاص ومحمي، ما يمكن  كل كادر من متابعة ما يعنيه عن بُعد وبحسب وظيفته في المؤسسة. كما تم تنفيذ من الأبحاث والدراسات التربوية في هذا المجال، وتوجهت المؤسسة إلى تحسين موقف المعلمين من استخدام النكنولوجيا وتعزيز معارفهم ومهاراتهم في استثمارها، فتم على سبيل المثال وبالتعاون مع الجامعة اللبنانية ومركز اللغات والتواصل استحصل 100 كادر تربوي على شهادة "ديبلوم مهني" في تكنولوجيا التعليم، أي استخدام تكنولوجيا المعلومات داخل الصفوف، كما تم تأهيل الكادر التربوي بمجمله على أساسيات استخدام التكنولوجيا، وعلى الاستفادة من خدمات الG-suite  وقامت المؤسسة أيضا بدورات متخصصة بإعداد مدربي التكنولوجيا وأنشأت لجان الدعم التقني في المدارس...  ومن ناحية أخرى، وعلى مستوى التجهيز، تم تزويد كل شعب الحلقة الأولى وفي كل فروع مدارس المهدي على مستوى لبنان بشاشات عرض تفاعلية ذكية Touch Panel، وهو نوع من شاشات العرض التفاعلية التي تعمل باللمس (250 شاشة) فضلا عن 450 جهاز عرض ذكي (LCD)، كما تم وضمن تسهيلات محددة تزويد المعلمين بأجهزة كمبيوتر محمولة (1500 جهاز).

 

 

المدير العام للمؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم - مدارس المهدي (عج) د. حسين يوسف

نظام "التعلم عن بُعد غير المتزامن" كان خيار مدارس المهدي.. فما هو؟

مع أولى طلائع أزمة فيروس كورونا، شكلت مدارس المهدي(عج) خلية أزمة كانت مهمتها الأساسية تحديد أطر الاحتكاك المباشر الآمن بين الطلاب والمعلمين في الصفوف قبل قرار إغلاق المدارس. خرجت اللجنة بإطلاق أول دليل إرشادي وقائي للأهل والكوادر التربوية والإدارية والطلاب لمنع انتقال عدوى كورونا في المدارس وتم توزيعه على كل مدارس لبنان.

بعد 22 شباط وهو تاريخ إعلان الحكومة إقفال المدارس والجامعات، قسمت خلية الأزمة في مدارس المهدي التعاطي على الصعيد التربوي على مرحلتين:

- المرحلة الأولى، هدفت للإشغال التربوي للطلاب بالكفايات دون تدخل مركزي كبير. تم التعامل مع الطلاب بالوسائل المتاحة ليبقوا في الأجواء التعليمية ذهنيا وعاطفيا. امتدت المرحلة إلى 12 يوما. وبالموازاة، كانت التحضيرات تجري على قدم وساق لإطلاق مرحلة التربية والتعليم عن بعد عبر منصة إلكترونية متطورة جدا هي منصة E-school.
- في المرحلة الثانية، تشكلت لجنة مركزية اختارت التعليم عن بُعد "غير المتزامن" أي غير المرتبط بزمان محدد، لأن التعليم عن بُعد المتزامن في لبنان بحسب يوسف هو خيار غير واقعي لجهة بطء الإنترنت في لبنان وتعذر تأمين الكهرباء 24/24 فضلًا عن الصعوبات التي قد تواجه الأهل والطلاب في حال اعتماده.

أنجزت المؤسسة 650 فيديو تعليميًا لمواد كل الحلقات سيتم توزيعها على مدارس لبنان

في هذا السياق يوضح يوسف: "اعتمدنا بشكل أساسي تقنية الـvideo learning، والمواكبة التربوية من الأساتذة، ووضعنا السياسات والضوابط والمعايير لإنتاج فيديوهات تنقل الكفايات في مختلف المواد للطلاب على أن تكون هذه الفيديوهات مركزية بحيث لا يضطر كل معلم إلى إصدار فيديو خاص به وإنما جرى توحيد المنهاج والمواد والكفايات المعطاة لكل فروع مدارس المهدي في لبنان، وتم إعداد 60 مدربا تكنولوجيا  أخضعوا بدورهم 750 معلما ومعلمة لتدريب على النظام الجديد في مختلف فروع مدارس المهدي في المناطق.

منصة E-School الإلكترونية

يؤكد يوسف أنه تم إطلاق منصة إلكترونية على شبكة الإنترنت ترتكز إلى تقنيات التواصل بين التلميذ والأستاذ وأولياء الأمور، ويوضح أنه في ظرف أيام أنشأت المؤسسة 34 ألف حساب على هذه المنصة تعود لكل التلاميذ وأولياء الأمور والكوادر التعليمية، يمكن تصفحها عبر الهاتف أو الحاسوب أو الTablet، وتم إصدار فيديوهات إرشادية لأولياء الأمور والتلاميذ لكيفية التعامل مع المنصة.
حتى اليوم، قطعت المؤسسة شوطا كبيرا. الرؤية باتت واضحة حول برمجة المناهج التعليمية وفق نظام التعلم عن بعد، وستكون حاضرة للمرحلة القادمة الممتدة حتى 21 أيار تاريخ انتهاء العام الدراسي 2019-2020 في مدارس المهدي، بحسب ما أعلن للمرة الأولى د. يوسف عبر موقعنا.

الإنجاز النوعي كان إنجاز المؤسسة 650 فيديو تعليمي يغطي كفايات ومواد كل الحلقات من الروضات وحتى الثانوي  من أصل 1050 فيديو تعليمي يجري العمل على إنتاجها، ستكون متاحة لكل مؤسسات لبنان التربوية وطلابها، كما وعد د. يوسف بقناة على "يوتيوب" تحوي كل إنجازات المؤسسة وتضعها بين أيدي كل المدارس والتلاميذ على امتداد الوطن.

برنامج منوّع للتربية.. كما للتعليم

ولأن التعليم في مدارس المهدي(ع) مقرونٌ دائما بالتربية، كان لا بد من مواكبة التلاميذ تربويا، الأمر الذي دفع لتشكيل فريق من مديرية العلاقات العامة والإعلام والثقافة والتربية الدينية والإرشاد التربوي واشراف الرياضة والفنون والروضات، لإنتاج مجموعة برامج تربوية وثقافية وارشادية ونفسية وترفيهية ورياضية وفنية وغيرها، وعملت على انتاج حوالي 40 منتج تربوي أسبوعي يستهدف كافة الحلقات والفئات العمرية وذلك من أصل حوالي 400 منتج تربوي يتم نشرها تباعاً.

تقييم التجربة
بعد مرور 12 يوما على انطلاق عملية التعلم عن بعد، قامت المؤسسة باستطلاع رأي التلاميذ وأولياء الأمور بالعملية عبر المنصة نفسها، فكانت المفاجأة بحسب د. يوسف أن جاءت النتائج إيجابية بنسبة 85% لدى الأهالي تجاه نجاح التجربة، و74% لدى التلاميذ، وهي أرقام بحسب يوسف دفعت إلى مزيد من العمل الدؤوب لاستكمال سد الثغرات في النظام المعتمد.

أما التقويم من وجهة نظر المؤسسة، فهو بحسب يوسف بلحاظ الضرورة واللزوم وليس بلحاظ الخيار. ويقول "فيروس كورونا أجبرنا على اتخاذ بديل عن التعليم المباشر، وكان لا بد أن يكون البديل بأعلى معايير الجودة الممكنة والمتاحة. في هذه المرحلة سنكتفي بالتقويم التكويني وليس التقريري رحمة بالناس، فالتقرير يعني تحديد مصير الطالب بالترفيع إلى الصف الأعلى من عدمه وفيه وقد يحمل مظلومية للبعض".
مطلع أيلول في حال انتهت أزمة كورونا سيكون موعدا لعام دراسي جديد، يصحبه في الشهر الأول تعويض عما فات التلاميذ خلال العام الحالي، خاصة أن مدارس المهدي لم تتأثر بالتعطيل بفعل موجة الحراك الشعبي ولذلك فقد استكملت حتى النصف الأول من هذا العام 65% من المناهج التعليمية ولم يبق سوى القليل.

على قاعدة رُبَّ ضارة نافعة، انطلقت مدارس المهدي (عج) بنظام تكنولوجيا التعلم عن بُعد محولة التهديد إلى فرصة، وقطعت في شهر ونيّف مراحل في الحرب مع "كورونا" لم تكن تكفي لقطعها سنوات في السِّلم. فهل تحدث الأزمة تحولا على صعيد نظام التعليم التقليدي، وتخرق في جداره كوة تفتح الآفاق على مستقبل تكنولوجي - تربوي واعد؟

 

الجامعة اللبنانيةفيروس كوروناالتربية والتعليمالتعليم الالكتروني

إقرأ المزيد في: خاص العهد