يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

هل تدشن ايطاليا بداية النهاية لوجود الاتحاد الاوروبي؟
02/04/2020

هل تدشن ايطاليا بداية النهاية لوجود الاتحاد الاوروبي؟

جورج حداد

الى جانب محنة وباء كورونا، يحوم اليوم فوق ايطاليا شبح أزمة فقدان ثقة تام بالاتحاد الاوروبي الذي كانت ايطاليا احدى الدول الرئيسية المؤسسة له. والمواطن الايطالي العادي أو ما يسمى "رجل الشارع" أصبح اليوم يتهم الاتحاد الاوروبي بخيانة ايطاليا والتخلي عنها في أوج محنتها.

فالمعروف أن وباء كورونا تسبب لايطاليا بأضرار أكبر من أي دولة أوروبية أخرى. وقد وقف الايطاليون وجهًا لوجه أمام أكبر أزمة دراماتيكية تواجههم منذ الحرب العالمية الثانية. وأصيب اقليم لومبارديا في شمال ايطاليا بوضع صعب جدًا.

وبالرغم من جميع الحكايات حول "المواطنة العالمية" و"المواطنة الاوروبية" والتضامن، فإن الاتحاد الاوروبي خان عمليا الايطاليين.

ففي غضون بضعة أيام انتشر الوباء في ايطاليا أكثر من اي بلد اوروبي اخر، وتحول اقليم لومبارديا الى بؤرة للوباء. ولتجنب انتشار الوباء اعلنت الدولة عزل اقليم لومبارديا وغيره من الاقاليم الشمالية. ووضع تحت الحجر 17 مليون نسمة. وبعد بضعة ايام وبعد أن ساء الوضع تماما، أعلنت ايطاليا كلها "منطقة برتقالية" (ما دون المرحلة الاخيرة من الخطر). تم ايقاف جميع النشاطات الاقتصادية "غير الضرورية". وحددت حركة المواطنين بالذهاب لشراء حاجياتهم من مخازن المواد الغذائية والصيدليات، وكذلك بعض الاعمال التي اعتبرتها الدولة "حيوية".

وقد اتضح فورًا أن العواقب الاقتصادية لفرض هذا الحجر الشامل ستكون مرعبة تماما.
وبالطبع طلبت الحكومة الايطالية من الاتحاد الاوروبي أن يبدي مرونة كبيرة تجاه ايطاليا والتزاماتها.

ووجه الايطاليون الى الاتحاد الاورروبي طلبًا لأجل اتخاذ اجراءات سريعة لتقديم مساعدة للمواطنين وللشركات  الايطالية. وفي هذه الأثناء لم تكن الازمة قد شملت فرنسا والمانيا ـ اي البلدين اللذين يعتبران قاطرتي الاقتصاد الاوروبي. وقد جاء رد بروكسل على طلبات ايطاليا بطيئا وغير فعال. ونتيجة ذلك بدأ الايطاليون يشعرون وكأن الاتحاد الاوروبي يتخلى عنهم ويتركهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم.

وفي 12 اذار فإن رئيسة البنك المركزي الاوروبي، كريستينا لاغارد، تجاوزت الخط الى النقطة التي لا رجوع عنها، بأن ألقت خطابا حول الاجراءات التي يعتزم البنك المركزي الاوروبي القيام بها، للتعامل مع عواقب ازمة فيروس كورونا. وقد قررت لاغارد عدم تخفيض نسبة الفائدة، بما يتعارض مع سياسة "المساعدة مهما كان الثمن"، التي اقترحها الرئيس السابق للبنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي. وبالنسبة للايطاليين فإن هذا الموقف اللامبالي من قبل البنك المركزي الاوروبي كان مساويا للخيانة.

وجاءت عواقب خطاب لاغارد سريعة، وكانت كارثية بالنسبة لرسملة المشاريع الايطالية. وحتى الرئيس الايطالي سرجو ماتاريلا، المؤيد للاتحاد الاوروبي، القى خطابا صارما حول هذه المسألة، طالبا من الاتحاد الاوروبي ان "يغير طريقة عمله" من اجل "المصالح العامة" لاوروبا.

وتجدر الاشارة الى أن الاتحاد الاوروبي عمد الى تغيير موقفه حيال ازمة وباء كورونا، ولكن... بعد انتشار الوباء في فرنسا والمانيا، اي بعد ان تعدى وباء كورونا كونه مشكلة ايطالية، وتحول الى مشكلة لهذين البلدين ايضا. ولكن في هذا الوقت، فإن الاضرار التي لحقت ثقة الايطاليين بالمؤسسات الاوروبية، كانت قد اصبحت غير قابلة للاصلاح. وحينما وجدت انه لم يعد يوجد امكانيات اخرى للتغلب على الازمة، توجهت الحكومة الايطالية الى الصناديق الاوروبية العاملة ضمن برنامج "انقاذ الدول". وكجزء من هذا البرنامج طلبت ايطاليا "افتداءها" من الوضعية الناشئة بتخصيصها بـ 500 مليار يورو بموجب "آلية الاستقرار الاوروبي". وكانت تلك خطوة خطرة من قبل روما، لانها كان يمكن ان تدفع ايطاليا للوقوع في شرك قرض طويل الامد، شبيه بالقرض اليوناني تجاه الاتحاد الاوروبي. ولكن الوضعية الاستثنائية لازمة وباء كورونا حالت دون تحقيق هذه الخطوة، وكشفت عيوب ونواقص الاتحاد الاوروبي، وسلطت الضوء على الدور الهام للطابع  القومي للدول.  

ففي الحقبة الأخيرة نشأت سلسلة من الأحداث التي تشير الى نهاية نماذج الدول القومية. وفجأة ها هي الحدود يتم اغلاقها. وقد قامت بذلك اولا النمسا وسلوفينيا، دون اي تشاور مع ايطاليا. وهذا التصرف من قبل النمسا وسلوفينيا كان له معنى رمزي: فإيطاليا لم يتم عزلها فقط، بل ألقيت جانبا كي تواجه مآسيها بقواها الخاصة.

ان العولمة لها أفضلياتها الخاصة، ولكن النظام الصحي التوى أمام الضربة المفاجئة لأزمة وباء كورونا. وبدا هذا النظام معدوم الثقة بسبب العولمة بالذات ـ فإن أجهزة التنفس الحيوية والبذلات الواقية للاطباء لا تتم صناعتها في ايطاليا، ولا تتم حتى صناعة اقنعة الوجه البسيطة.

فالتطور العولمي لـ "سلاسل" الانتاج افضى الى توزيع وتصدير الانتاج بين مختلف البلدان. وصار من الضروري استيراد السلع الحيوية من المنتجين في الخارج. وهكذا اصبح كل بلد تابعا لاستيراد السلع الرخيصة من الخارج. وبوقوع ازمة وباء كورونا، فإن العديد من البلدان منعت تصدير التجهيزات الطبية. وقد منعت تركيا تسليم ايطاليا طلبية بـ 200 الف قناع للوجه سبق لايطاليا أن أوصت عليها ودفعت ثمنها. والان يجاهد الايطاليون لمكافحة وباء كورونا. وقد نجحت بعض الشركات في تطوير انتاج "منزلي" للتجهيزات الطبية. والمصنع الوحيد لاجهزة التنفس الايطالي يعجز الان عن تلبية حاجات البلاد.

وتجد الأمة الايطالية نفسها مضطرة ان تعمل كل ما بوسعها لكي تكتفي ذاتيا، بالرغم من كل الحكايات عن العولمة. ونرى بأم العين كيف ان قطاعات استراتيجية مهمة، كالصحة، النقل، الدفاع والاتصالات تناضل الان للاستمرار انطلاقا من وجهة نظر الامن القومي، وليس فقط من وجهة نظر فوائد البيزنس.

ويظهر ذلك الان كمفهوم جديد لا سابق له، وهو يوحد ايطاليا اليوم. انها العودة نحو الوطنية. وبدأ المواطنون الايطاليون يرفعون الاعلام الوطنية فوق نوافذ بيوتهم، وتعلو اصواتهم بالاناشيد الوطنية. فالطريقة الوحيدة لمواجهة التحدي الراهن هو الدولة الوطنية، التي تحمي حدودها وتدير شؤونها.

ومتى وضعت الازمة الراهنة اوزارها فإن شرعية مؤسسات الاتحاد الاوروبي ستوضع بالتأكيد تحت الاستفهام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

أوروباايطاليا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة