ramadan2024

آراء وتحليلات

الاقتصاد العراقي: هل ينجح بمواجهة صدمات كورونا والنفط؟
23/03/2020

الاقتصاد العراقي: هل ينجح بمواجهة صدمات كورونا والنفط؟

بغداد :عادل الجبوري

   ظلال ثقيلة ألقتها أزمة فايروس كورونا على المشهد الاقتصادي العالمي، تسببت بقدر كبير من الاضطراب والارتباك في أسواق النفط والمال والبورصات ونشاط الشركات والمؤسسات المختلفة بشتى مجالاتها وتخصصاتها؛ فحالة الشلل شبه التام التي أدى اليها ظهور وانتشار وتفشي فايروس كورونا في عدد كبير من الدول تجاوز حتى الآن مائة وعشرين دولة، أدى الى توقف حركة السفر والسياحة بمقدار كبير، وتعطل العمل في المصانع والمنشات، فضلًا عن انحسار حركة ونشاط الأسواق التجارية الكبيرة منها والمتوسطة والصغيرة، وهو ما أفضى بدوره الى انخفاض الطلب على النفط الذي يعد السلعة الأكثر رواجًا واستهلاكًا، وبالتالي تراجع أسعاره في الأسواق العالمية، وهو ما خلق المزيد من المشكلات والازمات للجميع، لا سيما الدول التي تعتمد بصورة أساسية أو شبه أساسية في دخلها الوطني على النفط، كما هو الحال بالنسبة للعراق.

   وبما أن اقتصاديات الدول بحكم تداخلها وتشابكها باتت تشكل صورة الاقتصاد العالمي، فإن الصين التي ضربها فايروس كورونا بقوة، وهي القوة الاقتصادية العالمية الثانية، من الطبيعي جدا ان لاتقتصر التأثيرات والانعكاسات السلبية في نطاقها وانما تمتد الى دول كثيرة، وهكذا بالنسبة للدول الاخرى. وتزداد التأثيرات والانعكاسات السلبية ما دام الفايروس موجودا ويتفشى وينتشر على نطاق أوسع يوما بعد اخر، وهو ما يعني المزيد من الاضرار والمخاطر غير المحسوبة.

   وحتى الان فإن هناك انعكاسات اقتصادية منظورة وملموسة، من قبيل ارتفاع معدلات البطالة وافلاس بعض الشركات، وارتفاع معدلات العجز في الموازنات المالية الوطنية، وكذلك هناك انعكاسات اقتصادية غير منظورة حتى الآن، ربما ستظهر وتُفرز في اوقات لاحقة خصوصا اذا لم تفلح الجهود العالمية في احتواء كورونا والتغلب عليه.

   وقد تكون صورة المشهد العام في العراق ضبابية ومرتبكة وقلقة، جراء ازمة فايروس كورونا، وتراجع أسعار النفط، والجمود السياسي، وهو ما أوجد اجواء من القلق والاضطراب في الشارع العراقي بمختلف مستوياته وعناوينه وتوجهاته. ولعل جانبًا كبيرًا من ذلك القلق والاضطراب مبرر ومنطقي الى حد كبير، لا سيما وان هناك بعدا اقليميا وعالميا في الازمة الاقتصادية، كما اشرنا انفا  يضاف الى البعد الداخلي، والذي بدوره يجعل من مسألة التوصل الى حلول ومعالجات عملية وواقعية امرا تكتنفه صعوبات بالغة وتحيط به تعقيدات كبيرة.

  وكما هو الحال مع الكثير من الدول، سواء تلك التي وصلها فايروس كورونا أو حتى تلك التي لم يصلها حتى الان، اخذت الاثار الاقتصادية السلبية على العراق تبرز شيئا فشيئا، ارتباطا بأغلاق المنافذ البرية والجوية امام الحركة  التجارية والسياحية مع دول الجوار، وكذلك تقلص النشاط التجاري والاقتصادي الداخلي، جراء القيود المفروضة من قبل الجهات الحكومية كجزء من الاجراءات الاحترازية لمنع انتشار وتفشي كورونا، وما يمكن ان يترتب علىى ذلك من ارتفاع اسعار المواد والسلع المختلفة، خصوصا الاساسية منها، وهو ما اخذذت بوادره وملامحه تلوح وتظهر مبكرا.

   وبما أن الصين وايران، اللتين تعرضتا للفايروس بدرجة أكبر من غيرهما من الدول الاخرى، ولأنهما تعدان النافذتان الرئيسيتان للاقتصاد العراقي بشقيه الاستهلاكي والاستثماري، بحكم عوامل مختلفة من بينها قلة الكلف والاسعار بالنسبة للصين، والقرب الجغرافي بالنسبة لايران، فإنه من الطبيعي جدا ان تنعكس الاختلالات الاقتصادية فيهما على الواقع الاقتصادي العراقي، وهو امر واقع، لا يتحمل مسؤوليته طرف معين، بيد ان ما يتحمله اصحاب الشأن والقرار يتمثل في البحث عن حلول ومعالجات، لا نقول تلغي وتبطل كل الاثار والانعكاسات السلبية، وانما تقلل منها الى أقصى قدر ممكن، ومثلما يؤكد باحثون في الشؤون الاقتصادية "ان ما حدث من انخفاض في أسعار النفط كان مشكلة إضافية، لأن موازنة 2020 لم تقر بسبب موجة الاحتجاجات والانتفاضة، فضلاً عن انعكاس أزمة فيروس كورونا على الاقتصاد العراقي، حيث تسببت بتقليل التبادل التجاري الكبير بين العراق وجيرانه".

   وقد يكون واحدا من الاثار الاقتصادية السريعة والواضحة لفايروس كورونا هو تراجع الطلب على النفط، الامر الذي تسبب بانخفاض اسعاره في الاسواق العالمية، ناهيك عن السياسات والقرارات الارتجالية المتسرعة لبعض الدول المنتجة، مثل المملكة العربية السعودية، التي اقدمت على خفض اسعار نفطها بقيمة 20% ردا على عدم توصلها الى رؤية مشتركة مع روسيا بشأن تقييد صادرات النفط للمحافظة على الاسعار بمعدلات معقولة ومقبولة تقلل الى اقصى حد من الضرر الذي يمكن ان يلحق باقتصاديات الدول الاعضاء في اوبك، لا سيما في ظل التحديات الكبيرة لفايروس كورونا. وخلال الاسابيع القليلة الماضية، شهدت أسعار النفط انخفاضا كبيرا، اذ وصلت عقود خام "برنت" إلى أدنى مستوى لها منذ شهر شباط - فبراير من عام 2016، أي أن سعر برميل النفط هوى الى اقل من ثلاثين دولار، بعد ان كان قد حقق قفزات جيدة في عام 2019 وصلت الى اكثر من سبعين دولارا.  

   وبما أن مشروع الموازنة المالية الاتحادية لعام 2020 صمم على أساس 56 دولارا لبرميل النفط، ثم عدل الى 53 دولارا للبرميل، مع نسبة عجز قدرت بحوالي خمسة وثلاثين مليار دولار، فإن التراجع الحاد لأسعار النفط في الأسواق العالمية، أربك مجمل الحسابات السابقة، وجعل نسبة العجز ترتفع الى ما يربو على السبعين مليار دولار، هذا اذا لم تطرأ صدمات واهتزازت اخرى على اسواق النفط.

   وهذه المتغيرات والمستجدات المفاجئة والمقلقة، دفعت أعضاء في اللجنة المالية النيابية للبرلمان العراقي الى التفكير الجدي بصياغة حلول ومعالجات واقعية، تساهم في ضمان تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين وشبكة الحماية الاجتماعية، فضلًا عن تأمين الاستحقاقات الاساسية للوزارات والمؤسسات التي يرتبط عملها بألاوضاع الحياتية اليومية للمواطنين من قبيل وزارات الكهرباء والتجارة والصحة والزراعة والصناعة، الى جانب التحسب لحالات الطوارئ التي تحتم توفير الموارد المالية الكافية.    

  بيد ان المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، قلل من حجم المخاوف والهواجس، بالقول "ان انخفاض أسعار النفط مسألة وقتية، ونحن وضعنا خطة قصيرة الأمد، خصوصاً أن موازنة العراق تعتمد على إيرادات النفط بأكثر من 93%".

   ويبدو ان الحديث عن انخفاض أسعار النفط، لا يمكن ان تقابله تطمينات مقنعة ومطمئنة، لكن الجانب الايجابي في تحدي فايروس كورونا وانخفاض النفط، يمكن ان يتحول الى فرص لتنمية القطاعات الزراعية والصناعية في بلد مثل العراق، يتوفر على امكانيات جيدة لذلك، وقد اخذت الملامح الاولية لذلك تلوح في الاوفق، من خلال تمكن المزارعين المحليين من تأمين قدر كبير من احتياجات السوق المحلية من المنتجات الزراعية، مع وجود توقعات بالتوجه بدرجة اكبر الى الاهتمام بالزراعة، سواء من قبل الحكومة او اصحاب الاراضي، وطبيعي ان توفر المنتجات  الزراعية يتيح بدوره تفعيل المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة لانتاج العديد من السلع الغذائية التي اغرقت الاسواق المحلية بالمستورد منها طيلة الاعوام الماضية، وهو ما يمكن ان يوفر فرص عمل ويمتص نسبة معينة من البطالة، لكن في كل الاحوال فإن هذا البعد التفاؤلي للازمة، يتطلب مقدارا من الوقت والجهد والصبر حتى يبرز واضحا وجليا على ارض الواقع، ومن ثم يقلل من اثر صدمات واهتزازات الازمات.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات