يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

هل يشكل
23/03/2020

هل يشكل "كورونا" الحكومة الاسرائيلية المقبلة؟

جهاد حيدر

لم يعد بالامكان مقاربة أي وضع سياسي أو اقتصادي أو أمني يتصل بكيان العدو، بشكل أو بآخر، من دون التعامل مع انتشار فيروس كورونا في "اسرائيل" والعالم، كمُحدِّد أساسي في بلورة المشهد الداخلي والاقليمي والدولي. ولم يعد خافياً أن انتشار هذا الفيروس بات يشكل عامل ضغط مكثف على المؤسسة الاسرائيلية بكافة عناوينها السياسية والامنية، وأن مفاعيل هذا الضغط تزداد تصاعداً كلما تفاقم انتشار الفيروس، واتسع نطاق الشلل الاقتصادي وطالت مدته.

مع ذلك، تواصل القوى السياسية في كيان العدو كباشها السياسي والسلطوي ، كما لو أن "اسرائيل" والمنطقة والعالم لا يقف أمام سيناريوهات مفتوحة على أعلى درجات الخطورة في مستقبلها المباشر والقريب. ويواصل نتنياهو مساعيه للبقاء في منصب رئاسة الحكومة حتى لو كان الثمن الاستمرار في الشلل الحكومي الذي ينعكس على كافة مجالات الحياة، بما فيها مواجهة التحدي الذي يُمثّله انتشار كورونا. في المقابل، يصر خصوم نتنياهو - حتى الآن - على الاطاحة به، ويحاولون استغلال المستجدات الصحية والاقتصادية لتحقيق هدفهم المنشود، أو على الاقل تحسين شروطهم في أي صيغة حل لاحقة.  

في هذا السياق، لم تنجح كل المناورات والرسائل التي شهدتها مرحلة ما بعد الانتخابات الى حين تفويض بني غانتس بتشكيل الحكومة. ولوهلة قد يبدو تفويض غانتس من 61 عضو كنيست، الاكثر ملاءمة مع نتائج الانتخابات لكن ذلك يحتاج الى مزيد من التدقيق والتفسير.

نال معسكر نتنياهو (الليكود + تحالف "الى اليمين" + الاحزاب الحريدية) 58 عضو كنيست. في المقابل، نال معارضوه من الاحزاب اليهودية 47 مقعدا موزعا على تحالف "أزرق ابيض" (33 مقعدا)، و"تحالف "العمل + غشر + ميرتس" 7 مقاعد، و"اسرائيل بيتنا" 7 مقاعد. ونالت القائمة العربية المشتركة 15 مقعدا.

بالمعايير التي وضعها نتنياهو، وأخرجت اعضاء الكنيست العرب من المعادلة، كان ينبغي أن يتم تفويض نتنياهو انطلاقا من أن معسكره نال 58 مقعدا، فيما نال خصومه من الاحزاب اليهودية 47 مقعدا. لكن منافسيه قرروا الاستناد الى القائمة العربية - ليس انطلاقا من ايمانهم بكونهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات - وانما انطلاقا من حاجتهم الى اصواتهم كجزء من قواعد اللعبة الداخلية بين الاحزاب اليهودية. ونال بموجب ذلك تفويض 61 مقعدا. وهكذا لم يكن أمام رئيس الدولة رؤوبين ريفلين إلا تكليف غانتس بمهمة تشكيل الحكومة.

مع ذلك، لا يعني تفويض غانتس، بأغلبية 61 عضو كنيست، أنه يملك تأييدهم لأي حكومة يشكلها. فقد أعرب عدد من أعضاء الكنيست (من المعسكر المعارض لنتنياهو) رفضهم تأييد حكومة تستند الى تصويت القائمة العربية المشتركة.ونتيجة ذلك تراجعت حظوظ غانتس في تشكيل الحكومة نتيجة تراجع الغطاء النيابي عن 61 عضو كنيست. وهكذا تبلور الواقع الذي كان قائماً منذ انتخابات نيسان 2019، الذي أدى الى تعطيل متبادل وتسبب بثلاث عمليات انتخابية حتى الان.

في ضوء هذه المعادلة التي تبلورت، يجد غانتس نفسه أمام مروحة سيناريوهات، تبدأ من استنفاد المدة القانونية المسموح بها (28 +14)، من دون تشكيل الحكومة وانتقال التكليف الى نتنياهو، الى الرهان على حصول انشقاقات في معسكر نتنياهو لصالح حكومة يرأسها غانتس، الى تشكيل حكومة تستند الى تأييد الاحزاب العربية في الكنيست، وصولا الى الى صيغة اتفاق مع نتنياهو (حكومة وحدة أو حكومة طوارئ).

في ضوء العديد من المعطيات، يُستبعد الخياران الثاني (انشقاق في معسكر نتنياهو)، والثالث (تستند الى العرب). وثبت استبعادهما خلال العمليات الانتخابية الثلاثة السابقة. وهكذا يجد غانتس نفسه أمام خيارين فعليين: اما نقل التكليف الى نتنياهو لاحقا، واما التوصل الى صيغة اتفاق معه.

في حال تحقق السيناريو الاول، سيجد نتنياهو نفسه أمام خيارات مُحدَّدة: إما اجتذاب عدد من اعضاء الكنيست لتأمين الأغلبية المطوبة، (ثلاثة اعضاء على الاقل) أو تشكيل حكومة وحدة مع غانتس، أو التدحرج نحو انتخابات رابعة.

في ظل هذه السيناريوهات، أتى انتشار الفيروس كارونا المستجد ليلقي بظلاله على الواقع الصحي والاقتصادي والسياسي في الكيان. وتزامن ذلك، مع استنفاد الرهان على الانتخابات بالنسبة لكلا الطرفين. فلا نتنياهو استطاع أن ينال الاغلبية النيابية التي تُمكِّنه من تشكيل حكومة يمينية، وسن قانون يوفر له الحصانة من المحاكمة، ولا خصومه استطاعوا اقناع الجمهور بالاطاحة بنتنياهو كونه متهمًا بالفساد.

وبعيدًا عن الدخول في تفاصيل السيناريوهات حول مستقبل الوضع الاقتصادي في "اسرائيل" نتيجة انتشار الفيروس، الواضح لدى كافة المؤسسات ذات الصلة أن "اسرائيل" تتحرك في مسار انحداري متسارع... سيؤدي الى ركود عميق على المستوى الاقتصادي، ويفرض أولويات جديدة على المؤسسة الاسرائيلية.

أمام هذه الوقائع، يفرض منطق المصالح والاولويات المستجدة، أن يتحول انتشار كورونا الى سلم لبعض القيادات الاسرائيلية للتراجع عن بعض سقوفها السياسية وتحديدا رفض المشاركة في حكومة يرأسها نتنياهو، تحت شعار مواجهة التحديات المستجدة، والتي تتصاعد مفاعيلها الى مستوى تُهدِّد الامن القومي، وهو ما يُرجح سيناريو تشكيل حكومة وحدة بغض النظر عن تفاصيلها وتوقيت ذلك. لكن لن يكون مفاجئاً أن يؤدي الكباش السياسي للتدحرج نحو انتخابات رابعة، ومع ذلك فهو يبقى احتمالا ضعيفاً.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات