طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

حلبجة.. رمز الاجرام والنفاق الدولي
18/03/2020

حلبجة.. رمز الاجرام والنفاق الدولي

بغداد: عادل الجبوري

   ربما يجهل الكثيرون ما جرى لمدينة حلبجة الكردية العراقية في مثل هذه الأيام قبل اثنين وثلاثين عاما. وربما يعرف البعض أنها تعرضت لهجوم كيمياوي، لكنه يجهل المآسي والكوارث التي خلفها ذلك الهجوم، التي ما زالت آثارها شاخصة حتى اليوم، وستبقى ماثلة في الأذهان وحاضرة في الميدان الى أمد بعيد.

   قبل حلول ظهيرة يوم السادس عشر من شهر اذار - مارس من عام الف وتسعمائة وثمانية وثمانين أمطرت طائرات تابعة لنظام صدام مدينة حلبجة القريبة من الحدود العراقية - الايرانية بالغازات السامة لتقتل في غضون دقائق معدودات أكثر من خمسة آلاف مواطن أغلبهم من النساء والاطفال، ولتصيب ما يزيد على العشرة آلاف آخرين بعاهات مختلفة، ناهيك عن حجم الدمار المادي الهائل، لتتحول المدينة الى أرض يباب  مقفرة، اختلطت فيها أشلاء ودماء الضحايا مع ركام وأنقاض البيوت ورماد الزروع.

   كانت مجزرة حلبجة باعتراف القاصي والداني، والعدو والصديق، وإن جاء ذلك الاعتراف متأخرًا، جريمة ابادة جماعية بكل ما في الكلمة من معنى. ولم يكن نظام صدام وحده المتورط بها، بل كل من سانده ودعمه سياسيًا واعلاميًا وعسكريًا ولوجيستيًا، ومن صمت على الكثير من جرائمه وسياساته العدوانية من القوى الغربية الكبرى والأطراف العربية والاقليمية التابعة لها والصديقة لها.

   ومن المهم الاشارة الى أن ذلك الهجوم الكيمياوي الدموي وقع خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العراقية - الايرانية، وتحديدًا قبل أربعة شهور ونصف من نهايتها، وفي الوقت الذي كان نظام صدام يتعرض فيه لهزائم وانكسارات كبيرة بمختلف الجبهات، وكان يحاول بدعم واسناد قوى خارجية دولية واقليمية استعادة زمام المبادرة والتعويض عن جزء من خسائره بأية طريقة.

   وكان الهجوم جزءا مما اطلق عليه عمليات الانفال التي نفذها نظام صدام ضد الاكراد خلال الفترة من اذار-مارس وحتى اب-اغسطس من عام 1988، والتي تسببت بتدمير أكثر من خمسة آلاف قرية كردية وسقوط أعداد كبيرة من الضحايا، تؤكد بعض المصادر أنها بلغت مائة واثنين وثمانين الف شخص.

   وقد أنكر صدام في ذلك الحين مسؤوليته عن ارتكاب مجزرة حلبجة، واتهم ايران بالضلوع فيها، مستفيدا من الصمت الدولي حيالها، ومن ترويج الغرب لذلك الادعاء عبر منابره السياسية ووسائله الاعلامية.        

    بيد انه بعد غزو نظام صدام لدولة الكويت في صيف عام 1990، وانقلاب المواقف الدولية عليه، راحت الولايات المتحدة الاميركية وقوى اخرى تتحدث عن ديكتاتورية واستبداد وطغيان ذلك النظام وجرائمه ضد الشعب العراقي، ومن بينها مجزرة حلبجة وجرائم الانفال.

   وبعد ان لاذت بالصمت منظمات حقوقية مثل منظمة "هيومان رايتس ووتش" الاميركية، حيال مجزرة حلبجة بعد وقوعها، رفعت صوتها في عام 1991، اي بعد غزو صدام لدولة الكويت والحرب التي قادتها الولايات المتحدة لطرده منها، وهذا ما أثبت أن الحسابات السياسية هي من حددت الموقف من القضايا الانسانية، وهذا المنهج ليس بالغريب على عموم المؤسسات والدوائر الغربية السياسية وغير السياسية.

   والملفت في الامر أنه بعد سبعة عشر عاما، أي في عام 2005 أصدرت محكمة هولندية حكمًا بالسجن خمسة عشر عامًا على رجل أعمال يدعى "فرانس فان" بتهمة تزويد نظام صدام بأسحلة كيمياوية استخدمها لقتل ابناء شعبه، وقد اقرت المحكمة الهولندية ان ما فعله صدام يعد من جرائم الابادة الجماعية.

   ولا شك أن الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003 اتاح فتح كل الملفات الاجرامية وقضايا انتهاكات حقوق الانسان التي ارتكبت خلال الحقبة البعثية (1968-2003)، عبر محاكمات علنية لكبار رموز النظام السابق، وفي مقدمتهم رئيس النظام صدام حسين والمقربين منه، الذين كان من بينهم ابن عمه ووزير دفاعه علي حسن المجيد المعروف بـ"علي كيمياوي"، وقد كانت التهمة الرئيسية الموجهة له هي مسؤوليته عن ارتكاب مجزرة حلبجة، اذ حكم عليه في نهاية المطاف بالاعدام شنقا حتى الموت، وتم تنفيذ الحكم بحقه في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني-يناير من عام 2010.  

  ورغم ان الحكم الصادر بحق علي كيمياوي اعتبر الاقسى وفق المعايير القانونية والجزائية، الا أن عددًا من الناجين من المجزرة، علقوا في حينه بالقول "ان المجرم علي كيمياوي يستحق اكثر من ذلك بكثير، وان هناك اخرين ينبغي ان ينالوا جزاءهم العادل، لانهم اشتركوا في تنفيذ المجزرة"، واخرين قالوا "ان التأريخ يعيد نفسه، حيث ان اوجه الشبه كبيرة جدا بين ما ارتكبه نظام صدام من جرائم، وما ارتكبته التنظيمات الارهابية مثل داعش والقاعدة، وما ارتكبته الولايات المتحدة الاميركية وبعض من حلفائها واصدقائها واتباعها في العراق والمنطقة.

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف