يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

في معركة الـ
17/03/2020

في معركة الـ"كورونا"..المنازل تحوّلت الى مكاتب للعمل وموظفون يروون لـ"العهد" تجربتهم

فاطمة سلامة

في الوقت الذي أكتب فيه مقالاً عن العمل من المنزل، أعد بدوري هذا المقال من المنزل. فالمؤسسة الإعلامية التي أنتمي اليها وجدت في هذا الأمر الطريقة الأسلم للحفاظ على الموظفين والعاملين بداخلها. وظروف مواجهة فيروس "كورونا" تقتضي التخفيف من عدد الموظفين قدر الإمكان حفاظاً على سلامة الجميع. قبل فترة، ومع بداية الحديث عن انتشار فيروس "كورونا" في لبنان، تمنّت إحدى الزميلات في المجال الإعلامي لو يُصار الى إنجاز المهام من المنزل. الحضور في مكاتب العمل والمقرات الرسمية وغير الرسمية بات بمثابة تهديد، فلا نعلم بأي لحظة تنتقل الينا العدوى. بدت في حديثها خائفة جداً على أطفالها الصغار جراء سرعة انتشار المرض الجنونية. حينها فُتح نقاش واسع حول هذا الموضوع، البعض اعتبرها مهمة صعبة خصوصاً للعاملين في مجال المرئي والمسموع. البعض الآخر رأى أن تلك المهمة قابلة للإنجاز على أكمل وجه في ظل وجود التقنيات المتنوعة على الانترنت. طبعاً عندما نتحدّث عن الانترنت فإن الكلام لا ينطبق فقط على المجال الإعلامي، بل على مروحة واسعة من المهام والوظائف، خصوصاً تلك التي يُشكّل فيها "الكمبيوتر" أو الهاتف رأسمال العامل. والجدير ذكره، أنّ فكرة العمل من المنزل أو ما يُسمى عن بعد ليست جديدة على الإطلاق، اذ وبالاضافة الى خيار العمل بالـFreelance، هناك الكثير من الشركات ومنها العالمية التي وفّرت وظائف عمل عن بعد لا تختلف بمزاياها عن الوظيفة الثابتة. 

ومع تزايد المخاطر من الوباء المستجد في لبنان، تحوّلت مهمة إنجاز الوظائف والمهام من المنزل من فكرة الى أمر واقع فرضته ظروف المواجهة مع "كورونا". تلك المواجهة حتّمت تغيير بيئة العمل، لتنتقل من المكاتب الى المنازل. الأخيرة باتت الأسلم والأكثر أماناً خصوصاً أننا بتنا نعيش وسط بيئة موبوءة لا ندري كيف ينتقل الينا الفيروس مهما اتخذنا من احتياطات وتدابير، لتبقى نظرية "الحجر المنزلي" بمثابة "حبل نجاة" لنا وللآخرين. ومع فكرة العمل في المنزل يضرب الموظّف عصفورين في حجر واحد كما يقال، اذ يحافظ على سلامته وسلامة عائلته من جهة، ويحافظ على الانتاجية في العمل من جهة أخرى، طبعاً باستثناء الأعمال التي لها مكانها الخاص الذي لا يمكن استبداله ولا تُنجز مطلقاً في المنزل. ومع اعلان التعبئة العامة وكلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأخيرة للبنانيين، بات العمل من المنزل القاعدة وما عداه استثناء، اذ تحوّلت منازل الكثير من العاملين وفي اختصاصات متنوعة الى مكاتب ينجزون فيها وظائفهم ومهامهم اليومية. فكيف تبدو مهمة العمل من المنزل؟ وهل من صعوبات يواجهها هؤلاء؟.

ناصيف: الرسالة الإعلامية تصل من المنزل أيضاً

 الإعلامي في المؤسسة اللبنانية للإرسال "ال بي سي" مارون ناصيف يروي لموقع "العهد الإخباري" تجربته في العمل من المنزل، فيوضح أنّه كان من أوائل الذين طلبوا من الإدارة هذا الأمر وقد تفهّمت ذلك، فهذه أفضل طريقة لحماية أنفسنا وعائلاتنا. على الصعيد الشخصي –يقول ناصيف- اتخذت منذ بداية تفشي المرض الكثير من الاحتياطات ولم أنتظر اعلان التعبئة العامة. لم أنقل أي رسالة من داخل مستشفى رفيق الحريري أو مطار بيروت. أعتقد أن رسالتنا تصل من أي مكان آخر، ولا يجوز أن أعرّض صحتي وصحة عائلتي وزملائي في القناة للخطر. تماماً كما اتخذت قراري بعدم تغطية أية تظاهرة، فصحتي وصحة من حولي فوق كل اعتبار ولا يجوز أبداً أن أتعامل مع الوباء باستهتار وكأنه أمر عادي. من وجهة نظر الاعلامي في قناة "ال. بي. سي" فإن الفرد منا يستطيع أن يوصل الرسالة الاعلامية بأكثر من وسيلة. ويوضح المتحدّث أنّ العمل من المنزل هو أفضل الممكن في هذا الظرف الصعب الذي نعيشه، مع تأكيده أنه لا يشكل بيئة مثالية للعمل، خصوصاً لناحية طبيعة عملنا التي تحتم علينا الحضور على الأرض لتغطية المؤتمرات والأخذ بآراء الناس واجراء المقابلات مع سياسيين وأطباء وغيرهم، أو حتى الظهور مباشرة من مكان الحدث. ما البديل عن كل ذلك اليوم؟ يجيب مارون بالاشارة الى أنّ اجراء المقابلات يتم من المنزل عبر تقنية "السكايب" أو عن طريقة تسجيل المكالمة الهاتفية، وفي حال كان مع الضيف شخص آخر في المنزل نطلب منه تسجيل فيديو. كما يلفت المتحدّث الى أن الاجتماعات التي كانت تحصل سابقاً عبر الهاتف للتنسيق بين الزملاء لا تزال، ما يسهّل توزيع المهام، اضافة الى روحية التعاون الموجودة عبر التلفون مع الجهات التي تتولى مهمة الأرشيف والمونتاج وغيرها. 

في معركة الـ"كورونا"..المنازل تحوّلت الى مكاتب للعمل وموظفون يروون لـ"العهد" تجربتهم

لا ينكر ناصيف أنّ هناك صعوبات. حتماً العمل من المنزل ليس بالشيء السهل، خصوصاً اننا ننجز مادة مع صوت وصورة. فلو أنني أعمل في جريدة أو موقع الكتروني لن أشعر بالفارق كثيراً، ولكن كوني أعمل داخل تلفزيون فالفارق بين العمل في المكتب والمنزل يشكل 50 بالمئة، الأمر الذي يتطلب مجهودًا اضافيا، الا أنّ المهم يكمن في تمكننا من انتاج مادة جيدة، متحدين فيروس "كورونا" ومانعين اياه من ثنينا عن متابعة عملنا وكأن لا وجود له. 
يكرر ناصيف حكماً هناك صعوبات ولكن من يرد أن يعمل ويمتلك الارادة  للانتاج والعطاء يتأقلم مع الظرف وينتج ويوصل الرسالة التي يريدها. الأطفال اليوم يقدمون رسائل اعلامية قد تصل أكثر منا. وهنا يلفت ناصيف الى أنّ طفله البالغ من العمر سنتين ونصف توجّه برسالة عبر السوشيل ميديا للناس لملازمة منازلهم للأمان من "كورونا". للاسف هناك أقلية لا تزال غير ملتزمة بالبقاء في منازلها ولم تستشعر خطورة الوضع، رغم أنّ الأكترية الساحقة التزمت، من المعيب أن لا نلتزم ونحن نعرف مدى خطورة هذا الفيروس الذي لا يرحم لا طائفة ولا مذهباً ولا منطقة، يختم ناصيف. 

سلوم: لا صعوبة في الصحافة المكتوبة

لا تخفي كارول سلوم وهي كاتبة في صحيفة "اللواء" الخوف الذي انتابها لمجرد أن بدأت الاصابات بفيروس "كورونا" تظهر . امتلكني شعور غريب ومخيف لم أستطع معه إخفاء القلق على عائلتي رغم اتخاذي لكافة الاجراءات الوقائية اللازمة. وعليه قررت أن أكمل مهمتي الصحفية من المنزل.  اتخذت هذا القرار منذ مدة  لكنني وجدت نفسي مضطرة لتغطية جلسة مجلس الوزراء الأخيرة لأهميتها، ومن بعدها قررت عدم الخروج مطلقاً وانجاز مهامي من المنزل.  فنحن نتعامل مع فيروس لا نعرف متى وكيف نلتقطه مهما اتخذنا من اجراءات لازمة. 

ولا تجد سلوم كونها تعمل في جريدة الصعوبات ذاتها التي قد يجدها العاملون في الاعلام المرئي والمسموع والذين تتطلب منهم التغطية  الذهاب الى مكان الحدث. عملي قائم على الاتصالات وبكل بساطة تقول سلوم باستطاعتي اجراؤها من المنزل، فأنا لا  أغطي فقط جلسات مجلس الوزراء بل اكتب "المانشيت" أحياناً، وهذا يتطلب اتصالات فقط. وتوضح سلوم  أن طبيعة العمل في جريدة تقتضي انجاز المهام ليلاً، وعليه  باستطاعتي أن آخذ غرفة جانبا بعيدا عن ضجة الاولاد وأجري الاتصالات اللازمة . 
وتلفت سلوم الى أنّها اعتادت على انجاز المهام من المنزل منذ ما قبل الأزمة الأمر الذي يجعلها لا تجد صعوبة في التكيف مع آلية العمل. فقط الصعوبة الوحيدة تكمن عندما يكون هناك  نشاط يتعلّق بمجلس الوزراء، وهذا الأمر يقتضي حضوري شخصياً لمعرفة المزيد من التفاصيل والمعلومات.
وتختم سلوم حديثها بالقول "بما انه "خليك بالبيت" أفضل لي ولعائلتي  وأضمن لهم سأبقى هنا الا اذا حصل شيء ما استثنائي يتطلب خروجي من المنزل". 

رزق: التعليم عن بعد يتطلب جهوداً مضاعفة

أستاذ مادة الرياضيات حسن رزق، يوضح لموقع "العهد" الإخباري أنّ ممارسة مهنة التعليم عن بعد تتطلّب مجهوداً أكبر بكثير من قبل المعلّم. تماماً كما تتطلّب توافر امكانيات أكثر كالكمبيوتر والانترنت وإلمام الأستاذ ببعض التقنيات واستخدام تطبيقات معينة. ويضيء رزق على نقطة يصفها بالمهمة فالتعليم من المنزل يوجد صعوبة في التفاعل، فأنواع الذكاءات تختلف بين تلميذ وآخر. هناك ذكاء بصري وسمعي وحسي. في التعليم عن بعد يخسر الطالب الذي يمتلك ذكاءً حسياً الكثير، لأنه لا يستطيع استغلال ايماءات الاستاذ وحركاته، أما التلميذ الذي يعتمد على الذكاء السمعي والبصري فقد استفاد كما لو أنه في الصف. ويلفت رزق الى أنّه يتواصل مع تلامذته البالغ عددهم حوالى 130 وفقاً لثلاثة أساليب وحسب امكانيات كل منزل، فإما برنامج "زوم" للتلامذة الذين يمتلكون "واي فاي" أو "واتساب" للتلامذة الذين لا يمتلكون سوى هذا البرنامج، وإما فيديوهات لمن لا يستطيع التفاعل "أونلاين". 
 


وفيما يتعلّق ببيئة العمل، يوضح رزق أن الأستاذ قد لا يجد الصعوبات ذاتها التي تجدها المعلمة. الأخيرة قد لا تناسبها كثيراً بيئة العمل في المنزل في ظل وجود أطفال. ويصف رزق التعليم عن بعد بـ" أفضل الممكن" اذ لا يجوز انتظار مكافحة الفيروس لمعاودة التعليم. ماذا عن فعالية التعليم؟ يوضح رزق بكل صراحة أنّ الرسالة  في الصف لا تصل للتلاميذ مئة في المئة، فهناك بعض التلامذة ليس لديهم رغبة في التعلم أصلا، والآن أصبح لديهم سبب أكبر، أما  التلاميذ المهتمون فبالتأكيد ستصلهم الرسالة بنسبة 90 بالمئة سواء عن بعد أو قرب، والحمد لله تمكنا من ايصال الهدف والرسالة التعليمية بنسبة كبيرة جداً.

فن "الغرافيك ديزاين".. فقيه: الإمكانيات مؤمنة سابقاً

نور فقيه وهي مصممة "غرافيك وموشين" في شركة "تايلوس" للإنتاج الفني توضح أنّ طبيعة عملها القائمة في جزء منها على الـ free lance  سهّلت المهمة كثيراً، لأن البيئة مجهزة سابقاً. وفيما توضح أن الشركة قامت بخطة عمل استباقية قبل إعلان التعبئة العامة  لناحية توزيع المهام المطلوبة من كل فرد، تلفت الى أن الشركة تعاونت من ناحية الامكانيات والتجهيزات لتؤمن لموظفيها كافة ظروف العمل داخل المنزل. 

في معركة الـ"كورونا"..المنازل تحوّلت الى مكاتب للعمل وموظفون يروون لـ"العهد" تجربتهم
هل من صعوبات؟ تجيب فقيه بالاشارة الى أنّ الصعوبات تنحصر في انترنت ضعيف، وتلفت الى أنّ التنسيق من المنزل يصبح أصعب لأن فريق العمل لا يكون بجانبك خاصة أن طبيعة العمل تقتضي التنسيق بين نحو خمسة أشخاص.  وحول بيئة العمل، تشير فقيه الى أننا قد نجد في اليومين الأولين بعض العوائق للتأقلم ولكن سرعان ما تزول. وتشدّد فقيه على أنّ العمل من المنزل هو الحل الأسلم لتلافي خطر "كورونا"، رغم كافة الاحتياطات التي اتخذتها الشركة حفاظاً على سلامتنا. 

وتتمنى فقيه أن تمر الأزمة على خير وعافية وبأقل الأضرار الممكنة، فنحن تمكنا من مواصلة أعمالنا من المنزل لأن رأسمالنا هو الكمبيوتر، ولكن هناك أناس آخرون لديهم مصالح توقفت كلياً عن العمل وانقطعت أرزاقهم.

درويش: تجربة جديدة أعطتنا قيمة مضافة

من جهتها، زهراء درويش وهي مبرمجة تعمل في إحدى الشركات التي تعمل على تطوير منصات الكترونية هدفها التعاون بين الجراحين حول العالم ما يتيح لهم التواصل والتفاعل مع زملائهم في أي مكان حول العالم، توضح أنّ العمل من المنزل هو القرار السليم في ظل الظروف الصعبة التي نعيشها، فالشركة اتخذت هذا القرار الخميس الماضي كاجراء وقائي نظراً لسرعة انتشار الفيروس الجنونية، خصوصاً أننا نتحدث عن شركة تمتلك موظفين موزعين على 12 بناية، فأي عدوى لا سمح الله قد تنشر المرض كالنار في الهشيم. 
ولا تخفي درويش أنها وجدت صعوبة في البداية، فطبيعة العمل تحتّم عليها نقل كافة التجهيزات الخاصة من المكتب الى المنزل، تماماً كما تتطلب منها انترنت سريعاً جداً،  ولكن سرعان ما زالت هذه الصعوبات نظراً لمساعدة الأهل وتفهمهم لتأمين بيئة ملائمة للعمل. 

في معركة الـ"كورونا"..المنازل تحوّلت الى مكاتب للعمل وموظفون يروون لـ"العهد" تجربتهم
وتؤكد درويش أن المنزل لا يشكل بيئة ملائمة مئة في المئة للعمل، فالانتاجية ستهبط الى حدود الـ70 بالمئة نظراً للكثير من الاعتبارات على رأسها الانترنت وغياب التفاعل بين الزملاء، فمهما حوّل الانترنت العالم الى قرية كونية نبقى بحاجة الى التواصل المباشر لانتاجية أفضل. لكنها في المقابل تؤكّد أن العمل تحت وطأة الظروف المذكورة أعطانا تجربة جديدة  وقيمة مضافة تمكننا من العمل تحت أي ظرف كان، وجعلنا نتحكم بالوقت أكثر فنستطيع مثلا انجاز المهام ليلاً ان لم نستطع نهارا، مع متابعة دقيقة من المدير في العمل. 
وفي الختام، تتمنى درويش أن يستطيع لبنان تخطي هذه المحنة، فهناك الكثير من المواطينن الذين يتطلب عملهم التواجد في الخارج ما يجعل الأمر المعيشي صعباً بالنسبة اليهم.

سلوم: الصحة في كفة والعمل في كفة أخرى

توضح  السيدة سلوم التي تعمل في إحدى شركات التأمين كـ  senior underwriter أن الشركة ولكي لا تتكدّس أمامها المهمات اعتمدت نظام المناوبات بين المجموعات، لكنني شخصياً كنت على استعداد نفسي منذ يوم الجمعة للبدء بالعمل من المنزل.  لا تنكر سلوم أن بيئة العمل وفي ظل وجود أطفال ليست مريحة كثيراً، إلا أنه وبالقليل من التعاون مع الأسرة نتجاوز الصعوبات.
وتلفت سلوم الى أنّ القيمين على العمل طلبوا منا تغطية الساعات المطلوبة من المنزل قدر المستطاع، وضمن الظروف المتواجدة. وتشدد على أنّ نمط العمل من المنزل هو النمط الأفضل حالياً لحفظ أنفسنا وعائلاتنا، فالعمل في كفة وصحة الأطفال والأهل في كفة أخرى، وباستطاعتنا التوفيق بينهما قدر الامكان، وان كنا مجبرين على هذا الأمر.
فيما تُنجز الكثير من المهام من المنزل حفاظاً على سلامة الأنفس والأهل والأحبة، ينتظر من لا عمل لديه سوى في الخارج جلاء تلك الغيمة السوداء المسماة "كورونا" والتي أثرت على الكثير من جوانب الحياة سيما على لقمة العيش.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل