يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

في الذكرى التاسعة للأزمة: السوريون يذكرون ما لهم وما عليهم
16/03/2020

في الذكرى التاسعة للأزمة: السوريون يذكرون ما لهم وما عليهم

سوريا - محمد عيد

لعل أحدًا من السوريين ما خلا المتآمرين عليهم من أبناء جلدتهم لم يعتقد للحظة ولو في أشد الكوابيس قسوة أن بلادهم الآمنة المطمئنة ستنزلق عشية فتنة إلى أتون أزمة خطيرة وضعت الوطن في لحظات حرجة. وحين التقط السوريون بعضًا من أنفاسهم اللاهثة عادوا بعد سنوات تسع لمقاربة الأزمة المدبرة من باب أخذ العبر والتأمل ومكاشفة النفس بالسؤال المصيري: أين أصبنا؟ وأين أخطأنا؟ وأين كانت الخاصرة الرخوة التي تسلل إليها العدو من أخطاء السوريين أنفسهم؟

لسنا معفيين من التقصير  

حرصنا على أن تكون لقاءاتنا في الشارع السوري مع أولئك الذين كانوا في سن الرشد حين اندلعت الأزمة، فهؤلاء وخلافا للنشء الذي فتح عينيه على أخبار الحرب قد يكونون  الأقدر على مقاربة التحول النوعي وعلى كل المستويات بين ما كانوه بالأمس وما أصبحوا عليه اليوم.  

ينكر عمر، طالب الإعلام في جامعة دمشق على من يصفهم بالمعارضين وعلى اختلاف مسمياتهم، كما يقول، عدم وجود أي شكل من أشكال المراجعة أو النقد الذاتي لتصرفاتهم خلال الأزمة "حتى الآن لا يريدون أن يقتنعوا أنهم جرّونا وجرّوا البلاد معهم إلى ما يريده الأجنبي"، مضيفًا أنه كان على استعداد لأن يغفر لهم "لو أنهم تحلّوا بالحد الأدنى من المسؤولية بدل المكابرة وتحميل الحكومة السورية وحدها مسؤولية ما آلت إليه الأمور في البلاد".

وحين سألناه عن المسؤولية التي تقع على عاتقه هو وسائر المؤيدين للحكومة السورية كما يصفون أنفسهم، رد الشاب بالكثير من الوقار قائلا "أنا مع الخيارات السياسية والوطنية لحكومة بلادي ومنذ اللحظة الأولى وكلما زادت الأيام زاد يقيني في خياري هذا، ولكنني أملك الشجاعة للحديث عن العديد من الأخطاء التي ارتكبت تاريخيا".

عمر اكتفى بذكر عناوين هذه "الأخطاء" دون البحث في خلفياتها مؤكدا على فكرة "أننا كسوريين لم ندرك خطر التوغل التكفيري في بلادنا وقدرة ورغبة هؤلاء التكفيريين في أن يكونوا يد (اسرائيل) الطولى في معاقبة بلدنا المقاوم".

الإصرار على ضرورة المراجعة كان هاجس أحمد الموظف الحكومي السوري الذي رأى أن وجود آلاف مؤلفة من عناصر جبهة "النصرة" الارهابية وفيهم أعداد كبيرة من السوريين كحماة للكيان الصهيوني على حدود فلسطين المحتلة "ينكلون بأبناء وطنهم ولا يطلقون رصاصة واحدة على العدو، هو فعل خيانة من هؤلاء وتقصير منا نحن الذين نقاتلهم بالسلاح في حين وجب أن نقاتلهم في وقت سابق بتربية وطنية أشد صرامة".

الأمل ما زال مسموحا به                                                                                                                  

منسوب النقد الذاتي ارتفع عند الكثير من الذين التقيناهم دون أن يصوب أحدهم سهام انتقاده على الخيارات الوطنية للدولة السورية "فهذه كلها محل إجماع شبه مطلق" كما يقول سمير صاحب محل السمانة.

بيد أن الكثيرين أبدوا ارتياحهم لما آلت إليه الأمور اليوم حين عزوا الانفراجات الكبيرة في الأزمة وخصوصا على المستويين السياسي والعسكري إلى "حالة الوعي التي هيمنت على الكثير من السوريين منذ اللحظة الأولى للأزمة وهو ما لم يحصل في الكثير من البلدان العربية الآخرى".

يستدل قاسم على ذلك ببقاء مراكز المدن الحضارية الكبرى في سوريا بعيدة عن تاثيرات الأزمة السورية: "كيف يمكن أن تكون ثورة ودمشق بملايينها الستة لم تحرك ساكنا ضد الدولة وحلب باسمها الكبير وحضارتها الضاربة في القدم سيقت إليها (الثورة) بالغدر والإكراه عن أهلها الذين لم يلتفتوا الى دعوات الانغماس في الفتنة".

يعزو قاسم وغيره الكثيرون ذلك إلى الوعي الذي عملت عليه الحكومة السورية التي "نجت ببركة وقوفها مع كل حركات المقاومة " كما يقول خالد طالب كلية الحقوق دون أن يعفي الحكومة من التقصير في استقراء حركة الزمن وما يمكن أن "يبيته لنا الأعداء" مضيفا "كلنا يعرف أن ثمة مؤامرة على الوطن ولكن أحدا لم يتوقع أن تكون بهذا الشكل وهذه الضراوة وهذه مسؤولية الحكومة في الاعتبار الأول".

رغم قسوة الانتقادات أحيانًا كان لسان حال السوريين يتحدث بلهجة تفاؤل أخفتها الجراح أحيانا دون أن تنجح في إخفاء تأثيرها على الوجوه، فمنجزات الميدان بالنسبة لهم وضعتهم في "آخر النفق" كما تقول بثينة موظفة البريد والوعي بما حصل بات السمة العامة التي "زادت المتيقن يقينا وسمحت للمشكك بإعادة النظر نوعا ما" كما يقول الدكتور خليل.

ولهذا فإن الأمل ما زال مسموحًا به يجزم عجوز سوري طاعن في الحب والثقافة والأمل .

إقرأ المزيد في: خاص العهد