ramadan2024

خاص العهد

14/03/2020

"معقّمات" مزورة في الأسواق.. وهكذا يحمي المواطن نفسه

فاطمة سلامة
قبل قصّة فيروس "كورونا" المستجد، لم يكن مشهد المعقّمات مألوفاً بالكثرة التي نراها اليوم. أما الآن، فإنّ عدم وجود مواد التعقيم في أي مكان أو منزل بات أمراً غير مألوف. كيفما اتجهنا نصادف من يحمل في يديه جل معقّم لليدين، أو نشاهد من يعمل على تعقيم أغراضه الشخصية بمواد معقّمة. تلك المواد لم تعد مطلقاً من الكماليات ولا نبالغ إذا قلنا إنها باتت كالطعام والشراب، لا بل أهم لدى كثيرين. فلو خُيّر الفرد بين تحمله الجوع والعطش أو إصابته بكورونا قد يضعه في خطر فقدانه الحياة، سيختار الخيار الأول حكماً، خصوصاً أنّنا بتنا في عالم موبوء لا أمان فيه من "كورونا"، الفيروس المعروف بسرعة انتشاره الجنونية، الأمر الذي جعل المعقّمات بمثابة "حبل نجاة" لا غنى عنها مطلقاً.

إلا أنّ تلك المعقّمات ولكي تكون فعالة ونافعة وينطبق عليها صفة "حبل نجاة" لا بد أن تكون مطابقة للمواصفات، بمعنى أن تحتوي على العناصر الفعالة في مكافحة الجراثيم والبكتيريا. فماذا ينفعنا لو استعملنا مواد تحت مسمى أنها معقّمة واكتشفنا لاحقاً أنها خارجة عن إطار الفعالية المرسوم لعملها؟. بالتأكيد يصبح الاستخدام من عدمه واحداً. تماماً كبعض المواد الموجودة في السوق اللبنانية، والتي أثبتت الفحوص المخبريّة التي أجريت في معهد البحوث الصناعية عدم مطابقة ثلاث عيّنات منها المصنّعة محلياً للمواصفات، الأمر الذي يعرّض مستخدمي تلك المواد للخطر نتيجة اعتمادهم على مواد غير فعالة في محاربة البكتيريا والجراثيم. وفي هذا الصدد، لا بد من طرح الكثير من الأسئلة: ما المعايير التي ترتكز عليها الفحوص المخبرية لتحديد المطابق من عدمه؟ هل من إجراءات جديدة ستقوم بها وزارة الصناعة لحماية المواطنين من فخ المعقّمات المزورة؟ كيف يحمي المواطن نفسه بنفسه من الوقوع في شباكها؟.

"معقّمات" مزورة في الأسواق.. وهكذا يحمي المواطن نفسه

المدير العام لوزارة الصناعة الأستاذ داني جدعون يجيب في حديث لموقع "العهد" الإخباري عما سبق من أسئلة، داعياً المواطنين في البداية الى التنبه لعدم شراء أي منتج من عائلة المعقّمات مجهول المصدر والمرجعية. عليهم شراء "ماركات" باتت معروفة لجهة فعاليتها، اذ وكما ذكر بيان وزارة الصناعة فإنّ اثنين من المعقمات غير المطابقة للمواصفات ليس لديهما أي مصدر، حتى اذا أرادت الوزارة أن تقيم تتبعا للجهة الصادرة عنها هذه المعقمات لا تستطيع. برأي جدعون، فإنّ أمام المواطنين مهمة أولى تكمن في معرفة ما اذا كان هناك مرجع لهذه المعقمات أم لا، والجهة التي أنتجتها. وفي حال لم يتمكّن المواطن من تحديد هوية المنتج فعليه أن لا يشتري. ويُشدّد جدعون بصفته متحدّثاً باسم وزارة الصناعة على أنّ الأخيرة ستكمل مهمتها لإخضاع بقية المعقمات الموجودة في الأسواق للفحوص المخبرية، رغم اشارته وبكل صراحة الى أنّ مراقبة المنتجات الموجودة في الأسواق ليست من اختصاص  وزارة الصناعة التي يقع على عاتقها مراقبة المنتجات فقط في المصنع أثناء التصنيع والإنتاج، أما في الخارج فهذا الأمر ليس من اختصاصها. وهنا يكرر جدعون أنّ وزارة الصناعة ستستكمل مهمتها في أخذ العينات واجراء الفحوص المخبرية وإعلان النتائج أولاً بأول لاتخاذ الاجراءات اللازمة. هل سيكون القضاء هو الحكم للبت بهذه القضية؟ يجيب جدعون بالقول "حكماً  فالمدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم بدأت تحقيقاته في هذا الإطار، الى جانب إجراءات أخرى سيتم اتخاذها".

لهذه الأسباب لم تكن العينات مطابقة للمواصفات

على أي أسس أجريت الفحوص المخبرية؟ يقول جدعون في معرض رده على هذا السؤال ان الفحوص التي أجريت ارتكزت على ثلاثة معايير: أول يتعلّق بنسبة "السبيرتو" الموجودة في المعقّمات، والتي بيّنت الفحوص أنّها تبلغ نسبة 2 ونصف بالمئة في إحدى العينات، و5 بالمئة في عينة أخرى. بينما في الواقع يجب أن تتراوح بين الـ 60 والـ70 بالمئة لكي تكون فعالة. أما المعيار الثاني، فيتعلّق بعدم احتواء العينات على المطلوب من المواد الطبية المعقمة والمكافحة للجراثيم، ويتعلّق المعيار الثالث بضرورة احتواء المواد المعقّمة لليدين على مادة مرطبة لبشرة الجلد بحيث تدفع الضرر اللاحق بالجلد لناحية تشققه جراء استخدام مادة "السبيرتو"، فيما بيّنت الفحوص عدم مطابقة العينات للمواصفات في هذا الجانب.

لعدم استيراد أي مواد معقّمة مجهولة الهوية

وبالعودة الى المسؤوليات، ينتقل جدعون من ضرورة تنبه المواطن لعدم شراء أي مواد مجهولة المصدر، الى مسؤولية ملقاة على عاتق المحلات التجارية والسوبرماركت بعدم استيراد أي مواد معقّمة  دون معرفة هويتها والجهة التي توزعها. ويرى المتحدّث في ما حصل فرصة لتنبيه الصناعيين أيضاً لضرورة الالتزام  بالمواصفات المطلوبة وعدم اللعب بهذه المواد التي لم تعد من الكماليات بل باتت جزءاً أساسياً من الحياة، فنسبة استخدام هذه المواد زادت هذه الأيام بوتيرة 500 بالمئة ان لم نقل أكثر. ويوضح جدعون أنّ لبنان لديه صناعة عالية بموضوع المعقّمات، وهناك عدد جيد جداً من المصانع في لبنان، وصناعيين لبنانيين باتوا موضع ثقة في هذا العالم ويشكلون مرجعا ليس فقط على مستوى المواصفات اللبنانية. من يحدّد تلك المواصفات؟ يقول جدعون إنّ المواصفات التي تجرى على أساسها الفحوص تمثل الحد الادنى من المواصفات المطلوبة عالمياً. وفيما يؤكّد أنّ هناك عملاً جيداً جداً لبنانياً في هذا الإطار، يوضح أنّ البعض يعمل على استغلال الوضع ونشر مواد غير مطابقة للمواصفات في الأسواق لكسب الأرباح، وفي المقابل هناك غياب للثقافة لدى بعض المواطنين الذين قد ينجرون لشراء مواد انطلاقاً من ثمنها الزهيد جاهلين بعدم مطابقتها للمواصفات المطلوبة.

ارتفاع الاسعار بين الاستغلال و"الهجمة" العالمية

هل تتابعون مع وزارة الاقتصاد مسألة ارتفاع الأسعار الجنوني الذي شهده سوق المعقمات؟ لا يُخفي جدعون أن هناك استغلالاً من قبل البعض وهذا الأمر كان محل نقاش الخميس الفائت خلال اجتماع عقدناه مع مصنعي المعقمات والمستلزمات الطبية (الكمامات وغيرها) التي تصنع في لبنان. إلا أنّه يلفت في المقابل الى ضرورة الأخذ بالاعتبار الهجمة الحاصلة على هذا السوق والتي أدت الى رفع الأسعار تلقائياً نسبة للعرض الكبير الذي يقابله عدم وجود كميات. كما يشير الى أنّ بعض المواد المعقّمة وبعض المستلزمات الطبية مستوردة من الخارج. الأخير يشهد أيضاً هجمة جنونية في هذا المجال. برأي جدعون، صحيح هناك استغلال، ولكن في المقابل تتحكّم لعبة العرض والطلب بالأسعار ليس المحلية فقط بل العالمية.  
في الختام، يتمنى مدير عام وزارة الصناعة على كل اللبنانيين تفهم الاختبار الصعب الذي نعيشه جراء وباء "كورونا" وعدم تحميل الدولة اللبنانية شماعة التقصير. برأيه، فإنّ أكبر دول في العالم لا تزال تعاني وعاجزة أمام هذا الوباء المستجد، الأمر الذي يتطلّب تفهماً وتضامناً من قبل المواطنين والابتعاد عن سياسة اللوم، فقد تبيّن أنه وفي هذه الأيام المظلمة لا يوجد غير الدولة والقطاع العام بالتعاون مع القطاع الخاص لحماية المواطنين.

الصناعة

إقرأ المزيد في: خاص العهد