طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

مسارات شائكة أمام استحقاقات التشكيل الحكومي في اقليم كردستان
07/12/2018

مسارات شائكة أمام استحقاقات التشكيل الحكومي في اقليم كردستان

بغداد:عادل الجبوري

   في السادس من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي - أي قبل شهر تحديداً - عقد البرلمان المحلي الجديد لاقليم كردستان العراق جلسته الاولى، بعد اسبوعين من اعلان النتائج النهائية للانتخابات التي جرت في الثلاثين من ايلول / سبتمبر الماضي، وبما أنه لم يتم انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه في تلك الجلسة، لذا أعلن رئيس السن (أكبر الأعضاء سناً) ابقائها مفتوحة لحين الاتفاق على انتخاب الهيئة الرئاسية، وحتى هذه اللحظة مازالت مفتوحة، ويبدو أنها ستبقى كذلك لوقت غير قصير.

   وما إن أعلن رئيس السن ريفنك محمد (67 عاما) ابقاء الجلسة الاولى لبرلمان الاقليم الجديد مفتوحة، حتى تبادر الى أذهان الكثير من المتابعين والمراقبين المشاهد المتكررة كل أربعة أعوام للبرلمان العراقي، حينما يبدأ دورته الجديدة، وتبقى الأمور فيه معلقة لأسابيع وربما لاشهر، بسبب الخلافات والتقاطعات الحادة بين الفرقاء السياسيين.

   ولأن مجمل التفاصيل والجزئيات في الواقع السياسي لاقليم كردستان، لا تختلف كثيرا عن الواقع السياسي العراقي العام، فأنه من الطبيعي جدا ان تتشابه الكثير من صور الصراعات والاختلافات والخلافات والمساومات في كلا الواقعين الى حد كبير، ان لم تتطابق بالكامل.

   جرت انتخابات اقليم كردستان، في ظل أجواء سياسية متشنجة جدا، بين كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وغريمه التقليدي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي غابت عنه الزعامة والرمزية بعد رحيل مؤسسه وزعيمه جلال الطالباني، في الثالث من شهر تشرين الاول-اكتوبر من العام الماضي، ناهيك عن عموم الاوضاع المتأزمة في الاقليم قبل اجراء استفتاء الانفصال في الخامس والعشرين من شهر ايلول-سبتمبر 2017، وبعده، التي عبرت عن جانب كبير منها التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية في مختلف مدن الاقليم.

   وكما هو متوقع، أفرزت الانتخابات نتائج غير حاسمة، اذ ان الحزب الديمقراطي الكردستاني، احرز المركز الاول، بحصوله على خمسة واربعين مقعدا من مجموع مقاعد برلمان الاقليم البالغة مائة واحد عشر مقعدا، وهذا يعني انه في اسوأ الاحوال عليه ان يأتلف مع قوى صغيرة لتأمين اغلبية نصف زائد واحد لتمرير رؤاه وتوجهاته الخاصة.

   بيد ان ذلك لايعني، ان الامور وفق هذه الصيغة يمكن أن تسيرا سيراً حسناً وسلساً دون مشاكل ومنغصات، اذ إن الأغلبية الضعيفة ستجد مقابلها معارضة عددية قوية حتى وإن لم تكن منسجمة فيما بينها بالكامل، الى جانب ذلك فإن توزيع المواقع، من قبيل رئاسة البرلمان ورئاسة الاقليم ورئاسة الحكومة، والحقائب الوزارية، من الصعب جداً أن تتحقق عبر الاغلبية، لأن أي إقصاء أو إبعاد إو تهميش لا بد أن يفضي الى استمرار الأوضاع القلقة والهشة والمتأزمة، إن لم يؤدي الى تفاقمها، أي بعبارة أخرى، إن خيار التوافق والتفاهم، رغم ما فيه من سلبيات، الا أنه يبقى الأفضل والأقل ضرراً من الخيارات الأخرى.       

   واليوم،  فأنه حتى ولو كان الفارق بين الديمقراطي الكردستاني(البارتي) والاتحاد الوطني (اليكتي) كبيراً من حيث الثقل البرلماني، الا ان ما يمتلكه الاخير من أدوات قوة ونفوذ وتأثير وعلاقات على الأرض يحتم عدم تجاوزه، ووجوب التفاهم معه، دون تجاهل القوى الاخرى، اذا أريد لأوضاع الاقليم أن تتجه نحو الانفراج والتهدئة وحلحلة الأمور.

   وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة أن مساحات التأزم بين البارتي واليكتي اتسعت كثيرا، بدءا من التنافس الحاد على منصب رئاسة الجمهورية، مرورا بالتشكيك بنزاهة انتخابات برلمان الاقليم وصدقية نتائجها، ومن ثم التدافع على الحقائب الوزارية المخصصة للاكراد في الحكومة الاتحادية الجديدة، علما ان قضية انسحاب قوات البيشمركة الكردية من مدينة كركوك العام الماضي، وبسط قوات الحكومة الاتحادية سيطرتها عليها بالكامل، أحدثت المزيد من الارتباك في المشهد الكردي، خصوصا انها جاءت بعد وقت قصير من اجراء استفتاء الانفصال، وما أفرزه من تداعيات سلبية خطيرة.

   ولعل الخطوة الأخرى التي أثارت حفيظة بعض القوى الكردية المناوئة للحزب الديمقراطي الكردستاني، تمثلت بإعلان الأخير ترشيح نيجرفان البارزاني لمنصب رئيس الاقليم خلفاً لعمه مسعود البارزاني، وترشيح نجل الأخير، مسرور البارزاني لمنصب رئيس حكومة الاقليم.

   لاشك ان الفرقاء الاكراد، اعتبروا أن مثل تلك الخطوة، التي لا تبدو مفاجئة، من شأنها أن تعرقل وتؤخر التوصل الى التفاهمات والتوافقات المطلوبة، في ذات الوقت، الذي ترى بعض القوى والشخصيات الكردية، أن استمرار - أو تكريس - هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني على المواقع السياسية العليا في الاقليم، يعني استمرار حالة الاحتقان السياسي والشعبي، وبالتالي عدم مغادرة ميادين ومساحات التناحر والتصادم القائم.

   بيد أنه في مقابل ذلك، فإن هناك من يرى أن حصول الحزب الديمقراطي الكردستاني على عدد يعتد به من مقاعد البرلمان الكردي، يتيح له الحصول على المواقع المتقدمة، وهذا ما لا يمكن الجدال فيه كثيرا، مضافاً الى ذلك، فإن هذا الحزب، ما زال يمتلك الرصيد الشعبي الاكبر في مدينتي اربيل ودهوك، بصرف النظر عن الادوات والوسائل والظروف التي ساهمت وتساهم بذلك، ومهما تبلغ الخلافات والاختلافات بينه وبين القوى السياسية في الساحة، فإن الأخيرة في النهاية تجد نفسها ملزمة بالتعاطي والتشارك معه في ادارة سلطة الاقليم.

   وفي هذا السياق، برز مؤشران خلال الايام القلائل الماضية، الاول تصريحات لمسؤولين من الديمقراطي، تؤكد أن حكومة الاقليم الجديدة ستتشكل من الديمقراطي والاتحاد الوطني وحركة التغيير(كوران)، مع ابقاء الباب مفتوحا للقوى الاخرى الراغبة بالمشاركة.

   والمؤشر الآخر، التسريبات التي خرجت من أوساط حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، متضمنة أسماء شخصيات مرشحة لشغل منصب رئاسة البرلمان، ونائبي رئيس الاقليم ورئيس الوزراء، مثل قوباد الطالباني لمنصب نائب رئيس الحكومة، وكل من درباز كوسرت رسول وحاكم قادر لمنصب نائب رئيس الاقليم، وترشيح السيدة بيكرد الطالباني لرئاسة برلمان الاقليم.

   فضلا عن ذلك، دعا المتحدث الرسمي باسم الاتحاد، سعدي احمد بيره، قبل عدة ايام، الى عدم العودة إلى المربع الأول خلال مفاوضات تشكيل حكومة إلاقليم، معتبراً أن السبيل الأفضل لذلك هو الاستفادة من الاتفاقية الاستراتيجية المبرمة بين الجانبين وتفعيلها بما يجعل التحالف بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي عاملاً مساهماً في تسهيل تشكيل الحكومة.

   ولاشك أن لكل مسار استحقاقاته، ومن الواضح أنه من خلال مجمل المواقف والتصريحات، أن توافقات الأمر الواقع، أو تفاهمات الحد الادنى، ستفرض نفسها في نهاية المطاف، وإن طال الوقت قليلاً، لكنها لن تذوّب وتمحو كمًّا كبيراً من المشاكل والأزمات المتراكمة والمتواصلة، وكذلك فإن تلك التوافقات والتفاهمات لن تستوعب كل مكونات البيت الكردي بتوجهاتها وحساباتها ومصالحها وأولوياتها المتباينة، مثلما هو حاصل في بغداد تماما.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات