طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الخلافات الأوروبية الأمريكية وانعكاسها على تراجع الدور التركي
24/02/2020

الخلافات الأوروبية الأمريكية وانعكاسها على تراجع الدور التركي

إيهاب شوقي

تبدو سوريا حاليًا البؤرة المركزية لملامح تشكل النظام الدولي الجديد والذي يمر بمخاض عسير اثر تحولات خشنة ومحفوفة بالخطورة وليست على نمط التحولات التاريخية الناعمة كالتي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي وشكلت تحولًا نحو نظام أحادي القطبية.

وقد كشف مؤتمر ميونخ للأمن مؤخرًا عن ملامح هذه الحدة، حيث أفصح عن عمق الخلافات بين شركاء الاطلسي الممثلين في أمريكا وأوروبا الغربية، وهو ما اعتبر امتدادًا للخلافات التي ظهرت للعلن في قمة "الناتو" الأخيرة في أواخر العام الماضي، مما أكد هذه الخلافات وبلورها في نقاط أساسية تتعلق باللغة الاستراتيجية المتباينة التي يتكلم بها الامريكي من جهة والاوروبي من الجهة الأخرى.

ولعل أكبر المتضررين من هذه التحولات هو تركيا، وهو ما يفسر التخبط التركي وما يشبه التيه بين الشرق والغرب والذي يشي بأن اردوغان إما لم يستوعب التغيرات الجديدة جيدًا، وإما استوعبها ويحاول فرض نفسه بالقوة الغاشمة ليكون جزءا منها بعد اكتشاف خطورتها على وضع تركيا.

ولمزيد من التوضيح، من الواجب عرض الخلافات الاوروبية - الامريكية باختصار، ولماذا تعد تركيا أبرز المتضررين، كمحاولة لاستكشاف التطورات القادمة في الاقليم وكيف تحولت سوريا بؤرة لهذه التحولات.

أولًا: أبرز الخلافات الاوروبية الامريكية:

هناك خلاف استراتيجي مبدئي تمخضت عنه الخلافات الثانوية الأخرى، وهذا الخلاف المبدئي يتعلق بالفكر الاستراتيجي، حيث تلتزم امريكا بالفكر الاوراسي وتعتبر اوروبا الغربية رأس جسر استراتيجي للشرق الاوراسي وترى فيها مدخلا لا منافسًا. بينما اوروبا تتنازعها عدة افكار متصارعة بين طموحات بعض دولها لاستعادة مكانة دولية وبين الايمان بأن القدرة الفعلية على نيل هذه المكانة لا تتأتى الا بالتكتل، وتتراوح النظرة للتكتل بين "الأوروربية" الصرف، وبين الالتزام بالحماية الامريكية عبر مظلة "الناتو".

من هذه التباينات تولدت الخلافات الثانوية والتي يمكن رصد ابرزها فيما يلي:

1- امريكا تفضل التكتل الاوروبي عبر مظلة "الناتو" وليس عبر مظلة الاتحاد الاوروبي، وكانت الخلافات ساكنة في العقود الماضية بسبب وضع امريكا القوي. وبعد التراجع الامريكي امام الصين وتولي ترامب للرئاسة وتركيزه على التجارة، أصبحت الحرب الامريكية على الاتحاد الاوروبي صريحة، وتمثلت في فرض العقوبات التجارية وتشجيع الخروج البريطاني، حيث تفضل امريكا التعامل مع كل دولة على حدة لضمان الهيمنة ولضمان السيطرة على التجارة.

بينما ترى أوروبا أن "الناتو" مظلة للحماية ولكن المستقبل يكمن في التكتل عبر الاتحاد الاوروبي وهو ما تتزعمه فرنسا واطروحات ماكرون التي تصل للمناداة بالتخلي عن "الناتو" باعتباره (ميتاً اكلينيكيا) والدعوة لجيش اوروبي، بينما تقف المانيا ميركل موقفا وسطيا بين ضرورة الحفاظ على الناتو مع الاحتفاظ بهامش استقلالية عن امريكا.

2- ظهرت السياسة تجاه الصين وفقا لمتابعي مؤتمر ميونخ الأخير كأكبر فجوة عبر الأطلسي، حيث كرر المشرعون الأمريكيون من مختلف الأطياف السياسية الأمريكية التحذيرات ضد السماح لشركة الاتصالات الصينية Huawei بأي دور في تكنولوجيا الجيل الخامس.

وهي دعوات لم تلق استجابة اوروبية، حتى مع بريطانيا التي تعتبر اكبر حليف لامريكا، حيث أعلنت شركة recentaly البريطانية أنها ستسمح لشركة Huawei ببناء أجزاء من شبكتها المحمولة 5G.

وبينما ترى امريكا ان الصين هي العدو الاول وأن من ليس مع امريكا في الحرب ضد الصين فهو ضدها، ترى اوروبا أن الأمر لا يجب أن يكون بهذه الحدية وأن الحوار والاتفاقات الضامنة لعدم ابتلاع التجارة صينيا يمكن أن يحقق مصالح اوروبية، خاصة مع التمدد الاوراسي الصيني عبر طريق الحرير والذي يحقق مكاسب اوربية.

ولعل المانيا هي المتصدرة لهذا التوجه، حيث تخطط ميركل لاستضافة قمة في لايبزيغ في سبتمبر / أيلول تضم الرئيس الصيني شي وجميع قادة الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 ، وهي خطة ينظر إليها بشكل حاسم في بروكسل وعدد من العواصم الأوروبية الأخرى بأنها تضغط على الصين للتوصل إلى اتفاق استثمار شامل مع الاتحاد الأوروبي وكذلك تسعى لتوثيق التعاون لمكافحة تغير المناخ وتعزيز التنمية الاقتصادية في أفريقيا.

3- العلاقة مع الروس، حيث تدفع أمريكا لتمدد "الناتو" شرقًا في المحيط الروسي وهو ما يشكل هاجسًا أوروبيًا من خطورة استفزاز الروس، كما تتعامل امريكا بشكل مهين مع اوروبا في الضغط على الاوروبيين عن طريق العقوبات، بينما ترى اوروبا ضرورة الحوار مع الروس والوصول لطمأنات متبادلة رغم وجود اتفاق امريكي - اوروبي عام على التكتل في مواجهة روسيا، حيث يعي كلاهما (امريكا واوروبا) الاستراتيجية الروسية - الاوراسية والهادفة للقيادة والسيطرة.

4- السياسة الخارجية، وهي اصبحت تشكل فجوة عميقة في الرؤى بين امريكا واوروبا، حيث ترى اوروبا ان أمريكا لا تحترم المجتمع الدولي وانها تتصرف تصرفات خرقاء تدفع لحافة الهاوية وتؤثر على الاستقرار الدولي، فيما يتعلق بالممارسات تجاه ايران وروسيا والصين والاتفاقيات الدولية، وهو خطر تراه اوروبا مشرعا في وجهها حيث تقع في مقدمة ضحاياه.

ثانيا: بخصوص تركيا ولماذا هي اول المتضررين:

عاشت تركيا في العقود الاخيرة على الانتفاع من موقعها كقوة عازلة بين الشرق والغرب، ووفرت لنفسها مظلة حمائية عبر الناتو ولم تستطع اختراق حاجز الاتحاد الاوروبي، واعتمدت أوراق ضغط على اوروبا لابتزازها كمسائل الهجرة واللاجئين كما انتفعت من الروس بمشروعات للطاقة، واعتمدت على قوة ناعمة عبر تيارات (اسلامية) وتكفيرية لانتزاع نفوذ اقليمي.

ومع التحولات الجديدة وانتهاء أحلام وآمال التكفيريين واشراف شبح الهجرة واللاجئين على الانتهاء، ومع تنامي الدعوات لجيش اوروبي وبوادر الخلافات في "الناتو" وبروز دعوات الحوار مع الروس والتمدد الاوروبي شرقا، تجد تركيا أن أهميتها كمنطقة عازلة أصبحت متراجعة ونفوذها اقليميا يشهد هو الآخر تراجعًا، كما أن مركز الثقل الاقليمي لامريكا بدا في الانحراف عن تركيا حيث البدائل اليونانية والقبرصية.

وهنا تشهد تركيا ما يشبه التيه بين الروس والامريكيين وبين "الناتو" واستمرار استجداء اوروبا أو ابتزازها وبين اتجاهها شرقا، وهو ما يفسر التخبط الاردوغاني ومحاولة التشبث بالورقة الوحيدة التي يراها مضمونة لديه بمعزل عن التحولات الدولية، وهي ورقة الارهاب، وهو ما يفسر تشبثه بعرقلة التحرير في سوريا وتدخله في الملف الليبي!

وقد أفادت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية، بأن قمة رباعية حول إدلب، ستعقد يوم 5 مارس، تجمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.

ورباعي هذه القمة يؤكد هذا التعقيد في التحولات، حيث الروس القادمون والفرنسيون المتمردون وانصار الاستقلالية عن "الناتو" والمانيا التي تشكل رمانة الميزان، حيث ترى ضرورة استمرارية "الناتو" وكذلك ضرورة استمرارية التكتل عبر الاتحاد الاوروبي وعلاقات متوازنة مع الروس، ناهيك عن توفيرها مظلة حمائية لاردوغان لأسباب خاصة متعلقة بالمشكلة الداخلية الالمانية المتفاقمة بسبب الهجرة.

هنا تبرز سوريا ومسائل الحسم بها كبؤرة لانطلاق نظام دولي جديد، حيث انتصارها هو انتصار للروس دون تقيد بتوازنات أوروبية أخرى، ولا شك أن انتصار محور المقاومة سيجعل من هذا المحور طرفا وازنا في نظام عالمي تتلاشى فيه قوى قديمة قامت على مجرد الانتفاع بموقعها، وتتلاشى فيه دول لعبت فقط على التوازنات دون امتلاك لمشروع استراتيجي وأدمنت التبعية والعمالة.

الاتحاد الاوروبي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة

خبر عاجل