يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

نحو تفعيل المقاطعة: الموقف سلاح
24/02/2020

نحو تفعيل المقاطعة: الموقف سلاح

فاطمة ديب حمزة

 

في كل مرة تكون المواجهة ما بين الظالم والمظلوم، ما بين المُحتَلِ والمُحتَلّةِ أرضه، ما بين الحق والباطل، يكون الموقف هو الجوهر. في المعركة مع العدو الاسرائيلي كان الموقف كذلك، الموقف المقاوم الذي أسس للانتصارات، والذي حدد مسار الصراع مع هذا العدو.

القاعدة حددها شيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب منذ البدايات: الموقف سلاح.. هذا ايضاً ينطبق على مواجهة الغزو الأميركي لمنطقتنا. الغزو المادي - الجغرافي، والثقافي - الفكري، وهذا تحديداً ما يمكن أن يشكل مواجهة داخل المواجهة، حتى وإنْ تأخرت زمنياً لتثبيتها وتقويتها وشد أزرها لكي لا تتمكن من أنماط عيشنا وحياتنا، ومنها البضائع الأميركية - وهي مدار مقالنا، الذي يبحث فيما هو أبعد من مجرد مقاطعة بضائع أميركية.

العدو بيننا: قاطعوه

 لم تكن دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير لمقاطعة البضائع الأميركية جديدة، سبقتها دعوات، وندوات، وتصريحات تحث على المقاطعة. حملة المقاطعة عمرها نحو عشرين عاماً، لكنها هذه المرة تأتي في التوقيت الذي يمعن فيه الأميركي في ممارسة غزوه، وقتله، واستغلاله، واستكباره، وإجرامه بحق شعوب المنطقة.

في لبنان ايضاً، يخصص الأميركي سياسة عقوبات جائرة لم ترحم ضعف الدولة وحال اللبنانيين، فزادت من مشاكله الاقتصادية، وحفرت أكثر في أزمته المالية. من هنا، كان لدعوة السيد نصر الله وقع مشجّع على اللبنانيين لتسجيل موقف أمام الصلف والظلم الأميركي. لكن حضور البضائع الأميركية في مجتمعنا كبير وضروري في بعض الأحيان، فكيف يمكن مقاطعتها؟ وهل يمكن مقاطعتها؟ الجواب سيأتي في السياق، لكن مَن منا لم يشاهد صور تمثيلية الحاخامات في أحد شوارع الضاحية؟

الصورة اختصرت الكثير من الكلام لشرح كيفية حضور البضائع الأميركية بيننا، وطبيعة تعاطينا معها. موقع "العهد" الاخباري أجرى مقابلة مع جون قصير، المسؤول الاعلامي للحركة العالمية لمقاطعة البضائع الأميركية، الذي أكد أن "الرسالة من الاستعراض واضحة وجلية فإن الامريكي هو الداعم الاول للكيان الصهيوني عبر اقتصاده القوي، من هنا أردنا أن نذكر الشعب بأن شراءه للمنتجات الامريكية هو دعم للسياسة الامريكية والكيان الصهيوني".

 ويشرح قصير أن "اعتماد الحاخامات كان عامل جذب وتفرد لأن الفكرة كان من الصعب أن تصل بالقوة المطلوبة، لو لم نقدم ما يصدم الناس بهذه الطريقة، واختيار لباس الحاخام لما يمثل هذا اللباس من مرجعية للكيان الصهيوني الذي يدعي انه يهودي، اذاً الهدف الاساس هو رفع مستوى الوعي الشعبي حول أهمية المقاطعة واعلام الناس أن شراء المنتجات الامريكية هو بمثابة دعم لمن يشتري الاسلحة ضد شعوب العالم المستضعفة".

وعليه، يذهب قصير في حديث لموقعنا أبعد من ذلك في اعتباره أن "تطوير ملف المقاطعة ليس أمراً مستحيلاً، رغم صعوبته، لان عملنا ليس قائماً على سياسة دعم اعلانات منتجات مقابل المنتج الامريكي، بل هو قائم على سياسة تشجيع اعتماد البدائل الوطنية المحلية، وقائم بشكل أساسي أيضًا على العمل من أجل رفع مستوى الوعي الشعبي لأهمية المقاطعة لما في ذلك من أثر على تقوية الاقتصاد المحلي واضعاف الغطرسة الامريكية" يختم قصير.

أبعد من البضائع: نحو تغيير في نمط العيش

هنا، نأتي للإجابة على السؤال السابق، كيف يمكن مقاطعة البضائع الأميركية؟ وهل يمكننا ذلك وهي التي يشكل بعضها أساساً في مجتمعنا واقتصادنا ويومياتنا؟

يشرح الباحث الاجتماعي والأكاديمي الدكتور طلال عتريسي فكرة المقاطعة بشكل واقعي ومنطقي. يلفت في مقابلة مع موقع "العهد" إلى أن "الدور الأميركي المؤذي والمسمم، والمدمر لدولنا ومجتمعاتنا، هو الذي أعاد إحياء فكرة المقاطعة، وذلك بعد أن ظهرت الإدارة الأميركية في العديد من المحطات بمظهر المستكبر والمستقوي والعدائي، وبالتالي عودة التفكير فعلياً بمقاطعة بضائعها في مجتمعاتنا، حتى لو لم يكن التأثير في المرات السابقة فعالًا، لكن المقاطعة مهمة وضرورية على مستوى ترسيخ ثقافة تحميل مسؤولية مشاكلنا للولايات المتحدة الأميركية ولو بالموقف فقط".

 يعترف د. عتريسي بالواقع المرير "البضائع الاميركية تغزو مجتمعنا على كل المستويات، ولكن المطلوب هو المقاطعة بحسب الإمكان، والقدرات، وبحسب كل شخص ودوره ومكانه، وليس المطلوب أن يقاطع شخص ما، أو تاجر ما، أو شركة ما، كل البضائع الأميركية، بل ما أمكنه من بضائع يمكن استبدالها والاستغناء عنها" ويشدد د. عتريسي لموقعنا على أن هذا الأمر "يشكل خرقاً في قضية غزو البضائع الاميركية لمجتمعنا، وذلك عبر عدم تعاطينا مع بضائع من يغزونا ويتسبب لنا بالمشاكل والأزمات وكأننا غير معنيين ولا هو مسؤول عن فعلته".

 اذاً، هل يمكن المقاطعة؟ يجيب د. عتريسي "نعم يمكن. يمكن مقاطعة هذه البضائع حتى لو تحولت الى نمط حياة، هناك نمط غربي عام، ولذلك يمكن مقاطعة البضائع الاميركية واستبدالها ببضائع أخرى، كشراء السيارات اليابانية بدل الأميركية، وهكذا.. وهذا متوفر وممكن بشكل واسع ومقبول".

هنا، يعود د. عتريسي ويشدد على فكرته الأساس والجوهرية في هذه المهمة الصعبة والممكنة: "يجب تثبيت فكرة المقاطعة من خلال تراكم ثقافي عبر وسائل الاعلام، وبرامج خاصة وهادفة ومركزة ونوعية، ولا يمكن أن نتعاطى مع قضية المقاطعة بشكل عاطفي وشعارات فقط، بل علينا مخاطبة المنطق والواقع ايضاً حتى ننجز شيئاً في المهمة".

بعد كل ذلك، نعود إلى الأساس، إلى أصل الفكرة وفصلها بشكل دقيق ومحدد، يقول د. عتريسي لموقعنا: "نعم الربط ما بين مقاطعة العدو الاسرائيلي وأميركا مهم جداً، يجب أن نربط بينهما، بين رفض التطبيع ومقاطعة البضائع الأميركية، هذا صراع متكامل، لذلك هو غير مفصول عن بعضه بعضًا، بل مرتبط عضوياً ووظيفياً ومصلحياً" يختم د.عتريسي.

هذا يثبت ما بدأنا قوله، المقاطعة هي موقف، وفعل مؤثر، ومواجهة مع مَن يضمر لنا شراً، وكرهاً، وذلاً، بأن: "لا مكان لك عندنا".

حملة مقاطعة البضائع الاميركية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل