طوفان الأقصى

خاص العهد

أزمة المرور في الضاحية الجنوبية بين خطة السير النموذجية والتفاتة الدولة
19/02/2020

أزمة المرور في الضاحية الجنوبية بين خطة السير النموذجية والتفاتة الدولة

فاطمة سلامة

تحتل "زحمة السير" رأس المشكلات التي يعاني منها لبنان. إنها علّة العلل التي باتت سبباً لهدر الوقت والجهد عبثاً بلا فائدة. ولمجرّد أن يُفتح الحديث عن زحمة السير تعلو أصوات المتضررين. أحدهم يقول إنّ ما بين الساعة والساعتين تُهدر يومياً من وقته على الطريق خلال ذهابه ورجوعه من العمل، في الوقت الذي باستطاعته الوصول فيه الى مكان عمله بمدة لا تتجاوز الربع ساعة. ونسمع أيضاً من يحدّثنا عن مواعيد أُلغيت بسبب تلك الزحمة التي باتت معرقلاً لبرنامج عمل المواطنين. أولئك وبدل أن يستثمروا وقتهم يحرقون جزءاً مهماً منه، ويحرقون أعصابهم على الطرقات. 

الضاحية الجنوبية لبيروت واحدة من تلك المناطق، التي لم تسلم من زحمة السير. يعاني سكانها من زحمة خانقة تصبح بموجبها الكثير من الشوارع شبه مقفلة حيث يتوقّف السير بانتظار إعادة تنظيمه، في عملية صعبة ومعقّدة نظراً للكثير من المشكلات. وانطلاقاً من هذا الأمر، بدأ منذ سنوات التفكير الجدي من قبل اتحاد الضاحية الجنوبية لبيروت بضرورة إنجاز خطة تُنظّم السير في هذه المنطقة. خطة نموذجية طويلة الأمد بعيداً عن الحلول المؤقتة، بمعنى أن تذهب الخطة مباشرة الى معالجة أصل الزحمة، وهو الأمر الذي دفع بالاتحاد الى التعاقد مع شركة "خطيب وعلمي"، وهي شركة هندسة عالمية تعمل في مجال الاستشارات والتصميمات الهندسية وادارة المشروعات لإعداد خطة تُخلّص الضاحية ولو بشكل جزئي من أزمة زحمة السير. وقد بدأ العمل في نيسان/ابريل 2017 على هذه الخطة، حيث انكبّت الشركة على دراسة المعطيات عن خريطة الضاحية، لتنطلق بعدها الى ميدان البحث والدراسة، الأمر الذي مهّد لأن يبدأ اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية في تنفيذ المرحلة الأولى من خطة سير الضاحية 2020 مطلع الشهر الجاري. 

الضاحية خلقت من الضعف قوّة 

وفي هذا الصدد، يتحدّث رئيس اتحاد بلديات ​الضاحية الجنوبية​ ​محمد درغام لموقع "العهد" الإخباري عن الخطة، لافتاً الى أنها تنقسم الى جزءَين: أول متعلّق بالحكومة المركزية وتقع تكلفته على الدولة، وثان يتعلّق بالبلديات، ويقع على عاتقنا. وقد بدأ العمل على تنفيذ الشق المتوجّب علينا والذي يتضمّن مجموعة أعمال من قبيل تركيب أكثر من 13 إشارة ضوئية، تحديد اتجاهات السير وطلاء الشوارع لتحديد مساراتها (اتجاه واحد، اتجاهان)، فبعض الشوارع ستتغير فيها اتجاهات السير. وضع الاشارات التوجيهية والارشادية والتحذيرية ومرايا، وغير ذلك من الأشغال التي تعمل على تخفيف زحمة السير في الضاحية الجنوبية. إلا أنّ درغام يبدو أكثر واقعياً، فلا ينكر أنّنا ومن خلال خطة السير صنعنا من الضعف قوة لكنه يشير في الوقت نفسه الى أنّ هذه الخطة باستطاعتها تخفيف زحمة السير بنسبة 30 الى 35 بالمئة، لكنها لا يمكن أن تحل المشكلة بشكل جذري. لماذا؟ لأنّ حل أزمة السير بشكل جذري يتطلّب تنفيذ الشق المتعلّق بالدولة. خطة السير كما أعدتها الشركة  تتضمّن أكثر من مكون. فبالاضافة الى مكون النقل العام، يجب أن يُضاف عليها الكثير من التفاصيل التي لا تمتلك البلديات القدرة على تنفيذها. على سبيل المثال، الخطة النموذجية تتضمّن بناء جسور وأنفاق تتجاوز المبالغ المرصودة، وهذا الأمر يجب أن يكون من مهام الحكومة المركزية. 

ويُشدّد درغام على أنّه وفي عز الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلديات، أطلقنا هذا المشروع الذي لا شك أنّه سيؤثر على حركة السير في الضاحية الجنوبية بنسبة أقل من النصف. لكنّ هذا التأثير لا يعني أبداً أنني عالجتُ مشكلة السير بشكل نهائي، لأنّ المعالجة الجذرية تتطلّب معالجة تلحظ العديد من الأمور الأخرى. كلنا نعلم أنّ واحدة من مشاكل خطة السير في الضاحية أنّ بعض الأبنية شُيّدت بطريقة عشوائية، ناهيك عن عدم وجود مواقف كافية للسيارات، الأمر الذي يجعل الشوارع "ضيّقة" ويفاقم الأزمة. كما لا أنكر أن هناك مجموعة مشاريع -كلفتها أعلى بكثير من إمكاناتنا-  تحتاج الى إيجاد حل لها لتتكامل مع جهودنا في تخفيف زحمة السير، يتعلّق جزء منها ببعض الاستملاكات.

تجربة فريدة في لبنان

وفيما يرفض رئيس اتحاد بلديات الضاحية تعليق الآمال الوردية على الخطة التي تحتاج الى 18 شهراً لانجازها، ينوّه الى أهمية الدراسة التي أنجزت في الضاحية والتي تعد الأولى في لبنان. فحتى على مستوى مؤسسات الحكومة المركزية لم يتم إنجاز دراسة أو مخطط استراتيجي عام ومتكامل. العمل كان يتم بطريقة جزئية كأن يصار الى تلزيم  مربعات من منطقة، أما نحن فقد عملنا على المنطقة بأكملها. 

غرفة تحكم مروري في الضاحية

ويُشدّد درغام على أنّ كافة التقاطعات في الضاحية جرت دراستها بشكل دقيق، وسنعمل على إنجاز الأشغال المطلوبة منّا على أكمل وجه، اذ لدينا 29 تقاطعا في الضاحية، سننجز 23 منها. كما يشير المتحدّث الى أننا سنعمل على إنشاء غرفة تحكم مروري. غرفة ليست  مطابقة للمواصفات الهندسية مئة بالمئة، لكنها على الأقل ستفي بالغرض المطلوب بحيث تمكّن المسؤولين من معرفة أماكن الزحمة وأسبابها للإيعاز للعناصر بالتوجه مباشرة الى المكان لتيسير السير ومعالجة مكامن الخلل. ويتوقّف درغام عند نقطة يصفها بالمهمة، فأهالي الضاحية يلتزمون بالاشارات الضوئية بنسبة 99 بالمئة، وليس صحيحاً ما يُشاع عن أنّ سكان الضاحية لا يلتزمون بالإشارات ولا يحترمون القانون. 

خطة بتقنيات عالمية

المهندس في شركة "خطيب وعلمي" علي أيوب يتحدّث بداية عن مواصفات الخطة النموذجية التي أنجزتها الشركة في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتي استخدمت فيها تقنيات عالمية معتمدة في الكثير من المدن العالمية الكبرى سواء في فرنسا أو ألمانيا الى جانب أميركا. وبالتالي استخدمت  الشركة التي تضم أكثر من 7000 مهندس وموظّف منتشرين في الكثير من الدول، استخدمت أحدث التقنيات الموجودة في عالم المرور لدراسة وتحسس أي حركة مرورية في منطقة تبلغ مساحتها 22 (كم²)، بينما المشاريع المماثلة التي أنجزتها الشركة تفوق هذه الأرقام. 

وبحسب أيوب، تشمل الخطة أربع بلديات (الحارة-المريجة- الغبيري-برج البراجنة)، تتمدّد خريطة الخطة لتأخذ جزءاً من الشويفات، الحدت، الشياح، وذلك نتيجة التداخل السكاني، ما يعني أن الخطة تبدأ شرقاً من طريق صيدا القديمة-الحدت وصولاً الى البحر. جنوباً من خلدة، وشمالاً من المدينة الرياضية. تُغطي الخطة مساحة 22 (كم²)، و850 الف نسمة بين لبنانيين وأجانب، كما تتضمن استحداث ثلاثة انفاق وثلاثة جسور جديدة: نفق على المشرفية، وآخر عند ميدان شهداء المقاومة. جسر ونفق عند الكفاءات. جسران عند جادة الامام الخميني (قدس).

وفي سياق حديثه عن الخطة. يُكرّر أيوب ما قاله درغام لجهة أنّ الخطة تتضمّن جزءين: أول متعلّق بالبلديات وثان بالدولة. الشق الأول تبلغ تكلفته بين 6 و7 ملايين دولار اذا ما تم اعتماد غرفة تحكم مروري، أما الشق الثاني فأكبر بكثير من قدرة البلديات على التحمل وهو عبارة عن إنشاء جسور وانفاق وطرقات جديدة في المنطقة لتغطية احتياجاتها لعشرين سنة قادمة وتبلغ تكلفته بين 200 و300 مليون دولار، مع ترجيح ازدياد الرقم في المستقبل. 

الاشارات الضوئية وأوقات الذروة 

ويعتبر أيوب أنّ الخطة تسعى للاستفادة القصوى من الحيّز العام الموجود حاليا. جرّبنا قدر المستطاع الاستفادة من الإمكانات الموجودة كتحويل السير في بعض الشوارع الى اتجاه واحد لزيادة القدرة الاستيعابية للطرقات الموجودة، وتوفير مساحات إضافية ومسالك للسيارات. الى جانب ذلك، تم تغيير هندسة بعض التقاطعات وإضافة تقاطعات جديدة والغاء بعضها الآخر. وقد تم التحكم في كل هذه التقاطعات الرئيسية والفرعية من خلال وضع إشارات مرورية لتخفيف الجهد البشري الموجود على عاتق الشرطة. ويشير أيوب الى نقطة هامة تتعلّق بقضية الاشارات، اذ أخذت بعين الاعتبار مسألة الوقت. بمعنى أنه جرى إطالة زمن الاشارة الخضراء صباحاً للخارج من الضاحية، فهذا الوقت يسمى بوقت الذروة حيث تشتد الزحمة عند مخارج الضاحية، اذ يذهب كل الى عمله. أما في آخر النهار، فقد جرى إطالة زمن الإشارة الخضراء عند مداخل الضاحية للعائدين من أعمالهم، وتقليل زمن الإشارة الحمراء للخارجين من الضاحية في هذا الوقت. 

الخطة تُخفّف من الزحمة بنسبة 40 بالمئة 

ويلفت أيوب الى أنّه جرى استحداث العديد من الاشارات الضوئية، ما يمهّد لانسياب مروري على الطرقات في أوقات الذروة. كما جرى تنظيم الاشارات الضوئية بطريقة تعمل جميعها في الوقت نفسه. ويتفّق أيوب مع ما يقوله درغام لجهة أنّ الخطة المنوي تنفيذها من قبل اتحاد البلديات ستساهم في التخفيف من زحمة المرور بنسبة تصل الى الـ40 بالمئة . 
ولكن هذا كله مشروط -برأي أيوب- بتجاوب المواطنين. على سبيل المثال، اذا حوّلنا السير في اتجاه واحد، فمن المفروض أن يلتزم المواطنون بالإرشادت الموضوعة، لأنّ أي حركة عكس السير ستعيق المرور وتؤثر على باقي الشوارع. وبالتالي فإنّ تعاون المواطنين مع الشرطة والجهات المعنية بتنظيم السير رئيسي. 

استحداث أنفاق وإنشاء جسور 

ويوضح أيوب أنّ الخطة المعدّة نموذجية، لكنّها تحتاج الى تنفيذ المهام المطلوبة من الدولة كي تقضي نهائياً على زحمة السير. ما هي تلك المهام؟، يلفت المهندس المندوب عن شركة "خطيب وعلمي" الى أنّ الشق العام مرتبط بإنشاء وصلات تربط الشرق بالغرب، واستحداث جسور وأنفاق. كما يرى أيوب أنه من الضروري وصل اوتوستراد السيد هادي نصر الله بطريق صيدا القديمة، وتكلفة هذه الوصلة فقط تبلغ 15 مليون دولار، بالاضافة الى مشاريع داخلية.  

في عز الأزمة المالية الخانقة، بدأت الضاحية الجنوبية لبيروت بجهود اتحاد بلدياتها تنفيذ المرحلة الأولى من خطة السير النموذجية للتخفيف عن الأهالي في هذه المنطقة. آمال كثيرة تُعلّق على أن تحل هذه الخطة جزءاً مهماً من أزمة المرور "الخانقة"، على أمل أن تتمكّن الدولة في المستقبل من الايفاء بواجباتها لحل أزمة المرور بشكل نهائي سواء في هذه المنطقة أو في المناطق الأخرى.

 

الضاحية الجنوبية

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة