طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

هل سيكون
19/02/2020

هل سيكون "الناتو" مظلة واشنطن في العراق؟

بغداد: عادل الجبوري

   قبل قرابة أسبوع أعلن الأمين العام لحلف شمال الاطلسي (الناتو) ينس ستولنبرج "أن الحلف سيوسع مهامه التدريبية في العراق بناء على طلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب"، وذلك بعد شهر ونصف من تعليق الحلف مهامه اثر تداعيات جريمة اغتيال كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، وقائد فيلق القدس قاسم سليماني قرب مطار بغداد الدولي في مطلع شهر كانون الثاني-يناير الماضي.

    وكان من بين ما قاله ستولنبرج هو "إن بعثة التدريب في العراق سوف تستأنف تنفيذ مهامها، لكن يجب أن نكون مستعدين لتوسيع المهمة والمساهمة أكثر في ضمان أمن العراق"، مؤكدا "أن الناتو ذهب إلى العراق بدعوة من حكومة بغداد، وسوف يبقى هناك طالما أرادت الحكومة العراقية ذلك".

   واذا نظرنا الى هذا الاعلان من عدة زوايا، سنجده غريبًا، بحكم الفاصل الزمني القصير بين قرار التعليق واعلان التوسيع، مع عدم زوال الأسباب والظروف التي أدت الى تعليق مهام الحلف. فضلًا عن ذلك فإن قرار توسيع المهام جاء بناء على طلب ترامب، وفي ظل أجواء المطالبات السياسية والشعبية العراقية بإنهاء الاحتلال الاجنبي الاميركي.

   ولعل هذا ينطوي على جملة تساؤلات، رغم أن وزارة الدفاع العراقية أكدت في بيان رسمي قبل أيام "أن مهمة الناتو في البلاد تقتصر على امور التدريب فقط بعيدا عن المهام القتالية"، هذا في الوقت الذي أثير فيه الكثير من المخاوف والهواجس حول وجود مخططات اميركية للبقاء في العراق تحت مظلة "الناتو". بعبارة أخرى إن أميركا التي تجد نفسها مرغمة على ترك العراق من الباب، تخطط وتحاول العودة اليه من خلال الشباك!

   فالحديث عن توسيع دور "الناتو" في العراق، أخذ حيزًا أكبر بالتزامن مع قرار مجلس النواب العراقي في الخامس من الشهر الماضي القاضي بإنهاء الوجود العسكري الاميركي، الذي ترافق مع حملات شعبية وجماهيرية مدعومة بمواقف سياسية مختلفة، دعت وشددت على ضرورة طرد الاحتلال الأميركي من البلاد في أسرع وقت ممكن، وهو ما أثار حفيظة وغضب ترامب، الذي هدد بفرض عقوبات على العراق أقسى من العقوبات المفروضة على ايران، في حال أصر على خروج قوات بلاده، ناهيك عما جاء في ذات السياق على لسان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وساسة آخرين في مراكز القرار.

   وتؤكد أوساط سياسية مطلعة على خفايا الأمور، أن الأميركيين ومعهم البريطانيون، يرون أن خروجهم على خلفية مواقف سياسية وشعبية رافضة لهم، ينطوي على اذلال واهانة، وهم يتفاوضون حاليًا على تأجيل خروجهم الى ما بعد اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العراق، وكذلك الى ما بعد الانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأميركية، حتى يكون ذلك متوافقًا مع التحولات والمتغيرات السياسية التدريجية في المشهدين العراقي والاميركي.

    في ذات الوقت فإنهم يسعون الى المحافظة على مواطىء اقدامهم حتى تحت عناوين ومسميات أخرى، يبدو أن حلف "الناتو" احدها، بل قل ابرزها.

   وكان المبعوث الاميركي الخاص الى سوريا والسفير السابق في العراق جيمس جيفري، قد صرح اواخر الشهر الماضي "أن الولايات المتحدة تدعم إمكانية أن يقوم حلف شمال الأطلسي (الناتو) بدور في العراق وسوريا في المستقبل"، وحينما سئل جيفري عن الإطار الزمني للمحادثات مع الحكومة العراقية، رد قائلا "لا أحد يتعجل أي شيء، نحن مهتمون للغاية بعملية حلف شمال الأطلسي التي سيرى من خلالها ما الدور الإضافي الذي يمكن أن يلعبه".

   وفي الواقع ترى أوساط ومحافل سياسية عراقية أن توسيع مهام "الناتو" في مقابل انهاء أو تقليص الاحتلال العسكري الاميركي، أو بإطار أوسع وجود قوات التحالف الدولي في العراق، لا يتعدى كونه عملية التفافية، تضمن لواشنطن استمرار وجودها وحرية تحركها وهيمنتها ولكن تحت مظلة "الناتو" وليس "التحالف الدولي" الذي تتولى قيادته منذ تأسيسه قبل اكثر من خمسة اعوام.

  في حين يزعم الاميركيون ومعهم قادة ومسؤولون كبار في "الناتو"، ان طبيعة مهام الأخير تختلف تماما عن مهام وادوار التحالف الدولي. فبينما تشكل التحالف بصبغة عسكرية لمحاربة تنظيم "داعش" الارهابي في العراق وسوريا - بحسب رؤية واشنطن وقيادة الناتو في بروكسل - تقتصر مهام قوات "الناتو" على الجوانب التدريبية والاستشارية للقوات العراقية فقط، ناهيك عن ان قوات الناتو في العراق التي تتشكل من جنسيات متعددة لا يتجاوز تعدادها أكثر من خمسمائه مستشار أمني وعسكري، وفق مصادر غير رسمية.

  واذا اخذنا بعين الاعتبار ان الولايات المتحدة الاميركية تعد العضو الأكثر تأثيرًا ونفوذًا وحضورًا في "الناتو"، وكذلك الأكثر وجودًا وهيمنة في المنطقة، فإنه من غير الصعب عليها تمرير وفرض جزء كبير مما تريده على شركائها في الحلف، لا سيما وان تداخل وتشابك المصالح فيما بينهم يفرض قدرا من القبول والاذعان بصرف النظر عن توفر القناعات الكاملة.         

  وفي خضم ذلك الجدل والسجال، فإن ما ينبغي التذكير به والتنبيه اليه، هو أنه الى جانب الحضور والوجود العسكري، الذي قد يتقلص وينحسر مع مرور الزمن، هناك الحضور والوجود والاختراق والتجسس الاستخباراتي على الداخل العراقي وبعض امتدادات الجوار والمحيط الاقليمي، بأدوات وأساليب وصور وأشكال مختلفة، قد يكون "الناتو" واحدا منها، وربما أخطرها.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات