ramadan2024

نقاط على الحروف

تركيا و
17/02/2020

تركيا و"إسرائيل" ما بعد تحرير إدلب: تيه "أردوغاني" وعجز اسرائيلي

ايهاب زكي

لو أوقف الجيش السوري الآن عملياته في إدلب، سيكون قد حقق كل الأهداف المرحلية والاستراتيجية من عمليته المبهرة، وكل ساعةٍ تمر منذ الآن فصاعداً دون توقف العمليات، فهي مكاسب ما فوق الهدف المرحلي والرؤية الاستراتيجية، وبمناسبة الاستراتيجيات فلن أتطرق لتصريحات الرئيس التركي التي اشترط فيها انسحاب "قوات النظام" على حد قوله لما وراء النقاط التركية، حيث سيكون من المعيب جداً قراءة هذه التصريحات بعيداً عن وسادة أردوغان الخالية وسرير نومه، وحتى ابن سيرين سيعتبرها أضغاث أحلامٍ لا تصلح للتعبير فكيف بالتحليل السياسي.

ولكن ما يحدث عملياً من الزّج بعشرة آلاف جنديٍ تركي إلى داخل الأراضي السورية، أمرٌ قد يستحق النظر إليه بعين الرأفة التحليلية لعزيز قومٍ ذل، وسيذل، إن لم تسعفه العناية العقلية، خصوصاً أنّ الأتراك -مسؤولين وإعلاميين- يتعاملون مع هذه القوات باعتبارها حامية الكبرياء التركي، وبعضهم يراها حارسة العالم من توحش"النظام" و"تغول" الروس، وبعضهم يراها حائط الصد الأخير أمام الإرهاب أو غزوة اللجوء، وكلٌ حسب موقعه من نقطة التورط البائدة أردوغان في الأزمة السورية.

في الأسبوع الماضي تعمدت متابعة الإعلام التركي، والحصيلة النهائية كانت صفراً مكعباً، فبعيداً عن "الحنجوريات" الإعلامية شديدة التأثر بالمعلم الأكبر للصياح أردوغان، كان هناك ما يشبه التيه العبري في صحراء سيناء، ولم أستطع الخروج بخلاصةٍ واحدة عما يريده الترك، فمنهم من يريد تحرير دمشق ومنهم من يريد تصديق جيمس جيفري ومنهم من يريد الصدام معه، وبعضهم يريد الصدام مع بوتين، وبعضهم يرى إدلب معركة تركية - روسية، فيما يراها آخرون معركة سورية - تركية مع ضرورة تحييد روسيا وإيران، وبعضهم يراها معركة "الناتو" تركيا رأس حربتها، وبعضٌ يراها معركة الدفاع عن الوطن التركي، وبعضهم يريدها سلماً لقلب أمريكا فيما البعض يريدها سلماً للحلم العثماني. ولكن باستثناء بعض المعارضة فلا أحد يراها ورطة كبرى تسبب بها الوهم الأردوغاني، الذي لا زال يتمسك بتلابيب مشروع الشرق الأوسط الجديد المهترئ، الذي تخلى عنه حتى أصحابه، ولا أحد يراها مجرد تعنتٍ أردوغاني لأمرٍ يتعلق بطموحاتٍ شخصية أو حزبية في أفضل الأحوال لا علاقة لها بالمصالح التركية، ومنبع هذا التيه هو أنه فعلاً لا أحد يعرف ماذا يفعلون في إدلب ولا حتى أردوغان شخصياً.

وهذا التيه الأردوغاني الذي انسحب تيهاً على تركيا مجتمعة، يقابله العكس تماماً إن كان في دمشق أو موسكو أو طهران، ثبات الأهداف وثبوت الرؤية، سوريا وحدة جغرافية واحدة خالية من الإرهاب تحت سيادة الدولة السورية، وهذا سيتم بإحدى طريقتين لا ثالث لهما، إما استسلام الإرهاب والتسليم التركي الغربي والصهيوني بذلك، أو تقدم الجيش العربي السوري وحلفائه بالنار لتحقيق ذلك، وهذه الأطراف المعادية خصوصاً الغرب و"إسرائيل" ليست بطيئة الفهم حتى يصعب عليها استيعاب هذه المعادلة البسيطة، لكنهم يدركون أنّ انتهاء معركة إدلب بانتصارٍ سوري، يعني أن يكون شرق الفرات هو الخطوة التالية، بما يعنيه لمستقبل ما يسمى "الإدارة الذاتية" كما للوجود الأمريكي في سوريا. وأكاد أجزم أنّ قادة "البنتاغون" يرون بأمّ العين القواعد الأمريكية في شرق الفرات كحال النقاط التركية في غربه، حيث إنها محاصرة من الجهات الأربع بقوات الجيش العربي السوري، وقد يكون هذا من أهم دوافع التحريض الأمريكي لأردوغان في محاولةٍ يائسة لتأخير هذا المصير، وهي يائسة لأنّ الولايات المتحدة تدرك العجز التركي عن تغيير الموازيين في معركة إدلب، فضلاً عن معركة المنطقة برمتها، خصوصاً أنّها لا تنوي التدخل العسكري منفردة ولا مجتمعة بالناتو، هي فقط تمتطي حنجرة أردوغان وقد ترغب في أن تقودها هذه الحنجرة لامتطاء الجيش التركي ودمه في إدلب.

هذا في الشمال أما في الجنوب فهناك مركز العجز كله، حيث تحاول "إسرائيل" رفد الحنجرة الأردوغانية بضجيج طائرات "إف 16" و"إف35"، عبر استهدافاتٍ لا تسمن ولا تغني من خوف، فتوقيع ترامب على صكوك الجولان قد يمنح نتن ياهو أوراقاً في صندوق الانتخابات، لكنه أعجز وأوهى من منح كيانه الأمن والاطمئنان. كما أنّ هذه الغارات الاستعراضية لا أهداف عسكرية لها على الإطلاق، إنما هي مجرد دفع وتشجيع للمطبعين تحت وطأة اليد الطولى، وطرقٌ على وعي ضعاف النفوس لتسليم ما تبقى من رغبةٍ في الرفض في نفوسهم، أما بالنسبة لمن يرى الصورة كاملةً، فهي الصورة الأجلى للعجز الصهيوني، فهذه سوريا التي من المفترض أنّها منهكة في حربٍ قاسية على مدى تسع سنوات، لا تجرؤ الطائرات الصهيونية على اختراق أجوائها، بل تقذف صواريخها من خارج الحدود، كما أنّ الإصرار "الإسرائيلي" على تكرار القصف مرده إلى فكرة النمطية وليس إلى القدرة، صواريخ من خارج الأراضي السورية، تتصدى لها الدفاعات في استراتيجية دفاعيةٍ بحتة، ولكن بمجرد قيام سوريا بأي مفاجأة ستتبخر أوهام القدرة في رؤوس المطبعين أولاً، لأنّ هذه الأوهام ليست موجودة أصلاً في عقل المؤسسة الصهيونية العسكرية، وإلّا لما اكتفت بالاستعراض الأجوف، لذلك فإنّ الأجدى لأردوغان ونتن ياهو البدء بالتفكير لما بعد 2020، حيث عودة الجغرافيا السورية إلى أصحابها.

تركيا

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة