يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

خطة جيش العدو
17/02/2020

خطة جيش العدو "تنوفا": هروب من التورط البري!

جهاد حيدر

 بلورة خطة جيش العدو متعددة السنوات، "تنوفا/ زخم"، ليست حدثاً روتينيًا في سياق طبيعي، بل هي حدث فرضته تطورات البيئة الاقليمية المحيطة بكيان العدو، وما انطوت عليه من تهديدات ومخاطر متعاظمة، بنظر المؤسستين العسكرية والسياسية في "تل ابيب". فهي الخطة الثالثة منذ ما بعد حرب العام 2006، أملتها ضرورات الامن القومي الاسرائيلي، وفقا لما شخصته القيادة العسكرية في مواكبة التطور النوعي لدى حزب الله ومحور المقاومة.

 تُجسِّد هذه الخطة مسارًا متواصلًا من الخطط يرسم من خلاله جيش العدو بناء القوة وتطويرها وفق ما ينبغي أن يسير عليه، والمبادئ الاساسية التي يجب أن توجه نشاطاته. وكانت خطة الجيش صريحة في كونها تعبيرًا عن ضرورة يفرضها بناء وتطوير الجهوزية بمواجهة "المخاطر" الناجمة - بشكل رئيسي - عن تعاظم قدرات ايران وحزب الله، وما يفرضه ذلك من تحديات على المؤسسة العسكرية، وعلى الكيان الاسرائيلي.

 كما في كل خطط الجيش السابقة، نقطة الانطلاق في خطة كوخافي، تتمثل بدراسة التهديدات الكامنة في البيئة الاقليمية. وهو ما ينطوي على اقرار مباشر بأن "اسرائيل" لم تنجح خلال أكثر من 13 عامًا، منذ ما بعد حرب العام 2006، في كبح مسار تعاظم وتطور قدرات محور المقاومة.

 الخطوة التالية، تنتقل فيها المؤسسة العسكرية الى دراسة المفهوم العملاني، الذي يشكل، من منظور معين ردًا على هذه التهديدات. وهو ما بذل كوخافي للتوصل اليه، منذ توليه منصبه جهودًا كبيرة وأجرى مشاورات واسعة مع ضباط الجيش من أجل الاحاطة بكافة الاراء حول ما ينبغي اتباعه في مواجهة تطور قدرات حزب الله ومحور المقاومة.

 في ضوء الخلاصات التي انتهى اليها، تم وضع خطة الجيش "تنوفا" التي يفترض أن تتضمن برنامجًا تفصيلياً لبناء القوة في مواجهة التهديدات القائمة والمقدرة على مستوى المستقبل ضمن اطار مدى زمني لا يتجاوز السنوات الخمس المقبلة.

 شملت الخطة، تعزيز سلاح البر والمدرعات والطائرات لمواجهة "التهديدات الإيرانية"، في موازاة إلغاء أولوية مدرعات قديمة. وسعت أيضًا إلى تقليص فترة أي مواجهة عسكرية مستقبلية لأيام معدودة أو أسابيع قليلة، من خلال تعزيز الاستخبارات العسكرية، وبحسب تعبير كوخافي تهدف خطة الجيش الى زيادة القدرة التدميرية للجيش. كما تشمل إقامة هيئة خاصة لمتابعة الشأن الإيراني والاستعداد لمواجهته وتحليله، (وهي سابقة في تاريخ جيش العدو كونه لم يسبق أن تم تشكيل هيئة خاصة بقضية أو جهة محددة). وتشكيل فرقة عسكرية جديدة لم يُعلن عن أهدافها، بالإضافة إلى بناء سربي طائرات جديدة حتى نهاية العقد الحالي وتطوير القدرات التكنولوجية للطائرات، والتزود بمنظومات دفاع جوي إضافية وقدرات اتصال متطورة تربط بين الضباط في ميدان القتال وبين الطائرات.

 خطة "تنوفا/ زخم"، هي الثالثة منذ ما بعد حرب العام 2006. الاولى حملت اسم خطة "تيفن"، (2008  -2012)، وهدفت بشكل رئيسي الى ترميم صورة الجيش وقدراته بعد الفشل والهزيمة التي تلقاها في مواجهة حزب الله في لبنان. وكان يفترض أن تجعل الجيش أكثر جهوزية وقدرة على مواجهة حزب الله بحيث تتمكن اسرائيل من تحقيق ما عجزت عنه في الحرب السابقة. لكن مجرى الاحداث في السنوات التي تلت كشفت عن أن الجيش لم يحقق ما كان يأمله من ذلك.

 أعقب ذلك تجميد للخطط المتعددة السنوات، على مدى ثلاث سنوات، على خلفية التظاهرات التي شهدها كيان العدو في حينه، بهدف اجراء تغيير في سلم الأولويات لمصلحة المجالات الاجتماعية والاقتصادية، الى جانب المطالبة بالمحافظة على مستوى عال من الأمن. وهو ما دفع الجيش في حينه الى اجراء بعض التعديلات التي أتت ترجمة لتوصيات باجراء تغييرات جوهرية في تنظيمه وأدائه.

 في العام 2015، تمت بلورة خطة جديدة باسم "غدعون"، امتدت خلال (2015 – 2019). لتعزيز جهوزية وقدرات جيش العدو.

 انطلقت الخطة الجديدة، من اقرار بنجاح ايران في دعم حلفائها بقدرات صاروخية وعسكرية، استطاعوا من خلالها تقليص الهوة النوعية مع جيش العدو، الى المستوى الذي دفع قيادة الجيش والاستخبارات الى التحذير من مفاعيلها على معادلات الصراع. حتى أن رئيس اركان الجيش، كوخافي، الذي حضر لقاء عقدته الاستخبارات أواخر العام الماضي لعرض التقدير الاستخباري السنوي، حدَّد 20 بنداً تُفصّل تحولات استراتيجية حصلت في الشرق الأوسط في السنة الأخيرة ولها تأثير سلبي على الوضع الأمني للكيان الاسرائيلي، بدءًا من تسلح حزب الله بصواريخ دقيقة وصولًا إلى عودة إيران للبرنامج النووي. والتقدير نفسه أوضح أنه "مع كل جهود الكبح للجيش الإسرائيلي وأجهزة الاستخبارات المختلفة، فإن التعاظم الإيراني في المنطقة سجّل قفزة بعشرات النسب المئوية".

 في ضوء هذه المعطيات، يتضح بمعايير استراتيجية وتاريخية، أن الخطة الجديدة، "تنوفا"، شكلت ضرورة ملحة وجدت "اسرائيل" نفسها مدفوعة اليها، نتيجة تبدد الرهانات والامال التي كانت تُقدِّر وتسعى اليها بعد تحييد تهديد الجيوش النظامية العربية، عبر اتفاقيات السلام، وعبر الاحتلال الاميركي (العراق) ومن خلال الجماعات الارهابية (سوريا) والتي كانت تأمل بأن تؤدي الى تكريس وهيمنة الولايات المتحدة واسرائيل على المنطقة.

 تواجه الخطة أكثر من تحدٍّ داخلي. إذ ليس واضحًا بعد إذا كانت هذه الخطة ستخرج إلى حيز التنفيذ ومتى، خاصة وأنه يتعين على الحكومة الإسرائيلية المصادقة عليها، وأنها مقرونة بإنفاق هائل، في ظل سيناريو ينطوي على قدر معتبر من الامكانية بأن تؤدي إلى انتخابات رابعة للكنيست، في حال الفشل مرة ثالثة بتشكيل حكومة بعد الانتخابات الثالثة للكنيست، التي ستجري في 2 آذار/مارس المقبل.

 أضف إلى ذلك أنه مقابل زيادة الميزانية التي يطالب بها الجيش، لا تزال وزارة المالية تطالبه بتقليص إنفاقه بمليارات الشواقل. منذ سنوات يتم الحديث عن تغير، وهو ما يعني في الجيش إغلاق وحدات وتقليص تشكيلات عسكرية. والقوى البشرية محدودة. وطوال عشرات السنين الأخيرة، كانت القوات البرية المتضررة الرئيسية، في الوقت ذاته، كان سلاح الجو والاستخبارات ينالان حصة كبرى من ميزانية الأمن.

 التساؤل الذي واكب كل خطط الجيش منذ ما بعد حرب العام 2006، أنه في كل مرة كانت الخطط المختلفة تتعهد كل مرة بإعادة سلاح البر إلى حجمه ووضع الاجتياح البري العميق في مرتبة عالية في سلم الأولويات. ولن تحدث هذه الأمور من تلقاء نفسها. وفي حال نشوب حرب يتم خلالها اطلاق أكثر من ألف صاروخ يوميًا على الجبهة الداخلية، لن يكون هناك خيار أمام الحكومة سوى المصادقة على اجتياح بري واسع. لكن في جميع العمليات العسكرية الأخيرة - حرب لبنان الثانية في العام 2006، الحروب الثلاثة الأخيرة في غزة - اختار في الحكومة الإسرائيلية الامتناع عن خطوات كبيرة، تجنبًا لسقوط خسائر كثيرة وانتقادات شعبية.

 الترجمة العملية لهذا المفهوم أنه لا يوجد اجتياح فتاك من دون قوات برية، ولا يمكن السيطرة على منطقة من دون اجتياح مكثف، ولا يمكن القيام بذلك من الجو فقط.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات