طوفان الأقصى

خاص العهد

رشاف الجنوبية تقاوم الأوضاع الصعبة: كسوة شتاء.. زراعة وكهرباء بديلة
20/01/2020

رشاف الجنوبية تقاوم الأوضاع الصعبة: كسوة شتاء.. زراعة وكهرباء بديلة

سامر الحاج علي

عند مدخل بلدة رشاف الجنوبية يستقبلك طيف أبو ذر "شيخ المقاومين" الذي ظل يمنّي النفس بالتحاق خضيب برفاق درب سبقوه نحو الفوز الأكبر في سنوات المواجهة، حتى كان دمه يسابق الناس العائدة نحو البلدة المدمرة ذات أيار فيطوف في أحيائها التي انفك القيد عنها فاتحاً عهد التحرير شهيداً على طريق العزة التي أرادها أبدية لا تعرف الأفول أو الانقباض، مُطلَقةً في كل شيء حتى في أحوال الناس.. أشرف الناس وأكرمهم وأكثرهم استعداداً للبذل والعطاء.

في رشاف كما في بقية قرى "الحزام الأمني" السابق، امتدت يد الشهداء ومنهم أبو ذر بعد التحرير لتعيد البناء من خبز رفاقهم المجاهدين، فكان الإنماء وليد بلديات المقاومة التي أسست لعهد النمو والازدهار وعلى رأس أولوياتها أوضاع الأهالي العائدين إلى ربوع الجنوب والذين يتأثرون في هذه الفترة بالأوضاع الاقتصادية التي يمر بها الوطن، إلا أن رشاف كالعديد من أخواتها المقاوِمة تبدو كخلية عمل لا تعرف الضعف أو الانكسار خاصة وأن ثمة من يسهر فيها على رفع الضائقة المعيشية والتخفيف من وطأتها من خلال مشروع تكافلي يتساوى فيه الميسور الذي تأثر بالأزمة مع الفقير الذي كاد أن يبدو مُعدماً.

خلال الأشهر الماضية نضجت ثمرة العمل التي بدأت بـ "العونة"، وهي مشروع أطلقته بلدية رشاف وشكلت لتحقيق أهدافه لجاناً متخصصة يتفرع عملها وفق الأذرع التي يطالها المشروع، فهو لا يقف عند حدود التقديمات الاجتماعية بل يسعى لإعادة تفعيل الإنتاج في قرية لا تغادر الزراعة بيادرها وحقولها الخصبة، ويعمل على تقديم الخدمات الصحية المطلوبة ناهيك عن كل ما جرى تقديمه في السابق من خدمات عامة ككهرباء وماء ونظافة وطرقات تزيّنها وصايا من قضوا ليبقى التراب مطهّراً من دنس الإحتلال ومشاريعه.

ليكتمل مشهد الدفء، وزع المشروع على البيوت التي لا تخلو من الصوبيات الكميات المطلوبة من المازوت والجفت

يقول رئيس بلدية رشاف محمد عسيلي: فرضت الأزمة الاقتصادية نفسها كواقع على الناس في رشاف، مؤكداً أن المسؤولية الملقاة على البلدية لم تقف يوماً عند الانماء والبناء بل كان على رأس أولويات خططها ومشاريعها دعم التكامل الاجتماعي في البلدة. وفي هذا السياق جرى إطلاق مشروع العونة الذي شق طريقه من خلال إعداد تصنيف شامل للأهالي ليتبعه لقاءات تشرح فكرته وأهدافه.

رشاف الجنوبية تقاوم الأوضاع الصعبة: كسوة شتاء.. زراعة وكهرباء بديلة

عمل البلدية تركز في المراحل الأولى على توحيد ذهنية وثقافة المواطنين التي توجهت نحو التعاون، إذ إن الهدف لم يتوقف عند تقديم حصص تموينية أو مكاسب مشابهة بل حث الفقير قبل الميسور على تقديم أي شيء لا يحتاجه لخدمة المشروع وهو ما تجلى من خلال الجانب المتعلق مثلاً بكسوة الشتاء، والشتاء هنا في منطقة جبلية وباردة لا يمكن تجاهل تأمين حاجات الوقاية منه كالملابس الشتوية ولوازم التدفئة وموادها والتي يمكن أيضاً من خلال زيارة سريعة إلى أحد الأماكن التي تحمل إسم المشروع تكريس مقولة "بذل الجميع من أجل مصلحة الجميع" إذ إن الحاجات التي نتحدث عنها توفرت من خلال التبرعات بشكل سريع حتى ومن قبل الأهالي المغتربين الذين وصلهم نداء الاستغاثة من خلال حملة إعلانية على وسائل التواصل الاجتماعي وفق ما يشير لموقع "العهد" الإخباري ابن البلدة وائل العطار والذي عمل مع مجموعة من الناشطين على ربط الأهالي المقيمين بالمنتشرين في الغربة لتصل الامور إلى ما هي عليه اليوم من تكافل وتعاون وتضامن في مواجهة التحديات التي أنتجت رفعاً لمستوى الأوضاع الاجتماعية هنا.

وإلى جانب وائل تنهمك زينب الشيخ علي، الناشطة في المشروع مع مجموعة من المتطوعات في عملية توضيب الألبسة والأغراض المنزلية والمدافئ التي وصلت إلى المكان المخصص لجمعها في ساحة البلدة. تثول زينب: هنا نستقبل التبرعات العينية فإذا كانت لائقة للتوزيع نرسلها إلى العائلات المحتاجة وفي حال كانت بحاجة لإجراء تعديلات أو ما شابه نقوم بإعادة تجهيزها لتصل لمن يحتاجها بأبهى حلة.

وليكتمل مشهد الدفء، وزع المشروع على البيوت التي لا تخلو من الصوبيات الكميات المطلوبة من المازوت والجفت الذي يحل بديلاً عن الحطب قبل أن ينهمك في ورشة زراعية بدأت بندوات تدفع الناس لشراكة منتجة. وهنا يقول عسيلي لموقع العهد الإخباري إن البلدية أطلقت مشروع "الحاكورة المنزلية" ووزعت البذار والشتول المطلوبة لتزرع كل عائلة ما تحتاجة من خضار وحشائش تحتاجها موائدها اليومية، ثم بدأت العمل على تجهيز خيم زراعية تغطي أراضيَ عدة قدمها الأهالي أنفسهم ستزرع فيها خضراوات مأكولات إفطارات شهر رمضان المبارك المقبل بعد أشهر قليلة.

ولا يغيب عن البال ما قامت به العديد من القرى بزراعة حقولها بالقمح والحبوب، فتسارعت الخطى نحو إحصاء شامل بأراضي البلدة التي يمكن زرعها ثم جرى استصلاحها وتهيئتها وتوكيل مهمة زرعها لمن يمكن له من الأهالي أن يستفيد منها كما استفاد في السابق من مشاريع التنصيع الغذائي التي تنتج اليوم العديد من صنوف المصنعات الغذائية الطبيعية والتي تسوقها البلدية في حركة تشجيعية لا تخلو من الاستعداد لإقامة دورات مجانية إضافية لرفع قدرة الإنتاج وتحسين نوعيته وجودته.

رشاف الجنوبية تقاوم الأوضاع الصعبة: كسوة شتاء.. زراعة وكهرباء بديلة

وأكمل المشروع طريقه نحو تحسين الواقع الصحي من خلال السهر على عمل المستوصف الخيري الذي تشغّله ممرضات متطوعات من رشاف ويناوب فيه اطباء متخصصون في العديد من المجالات كطب الاطفال والنساء والطب الداخلي والصحة العامة فيقدم العلاجات المطلوبة والأدوية واللقاحات وفق ما يشير عضو مجلس بلدية رشاف محمد صولي إضافة إلى الأدوية المزمنة التي يجري تأمينها وفق القدرة والمستطاع.

كل هذا العمل يُكلل بمشروع الكهرباء البديل الذي يغطي اليوم كل أنحاء البلدة ويقدم الخدمة للمنازل بأسعار رمزية لا تستطيع تلك التي تحددها الدولة منافستها على الرغم من ارتفاع اسعار المواد التشغيلية كالمازوت وفي ظل الأعطال وأعمال الصيانة للمولدات وللشبكة الخاصة بها، وفي هذا السياق يؤكد رئيس البلدية ان الأكلاف التي تزداد نتيجة لخدمة مشروع الكهرباء لا يمكن أن تكون على حساب الناس الذين وضعنا خدمتهم على رأس أولوياتنا في كل المراحل فهم أهل الخير ويستحقون أن نبقى إلى جانبهم وأن نكون على الدوام حاضرين لتلبية كل حاجاتهم بهدف الوصول إلى مرحلة من الاكتفاء في حياة تملؤها العزة والكرامة ورفعة الرأس..

"العونة" في رشاف إذاً يجعل منها بلدة مواجهة ومنتصرة على ظروف اقتصادية لا يمكن للجنوبي أن يركع أمامها، بل يمكن للبناني في كل المناطق أن يستفيد من تجربتها ليقوى الوطن على مقارعة الحاجة إلى كل أشكال المعونات والمساعدات الخارجية التي لا يمكن أن تأتي - إن أتت - بلا أثمان قد لا نستطيع فيما بعد أن نتغلب على تداعياتها.

إقرأ المزيد في: خاص العهد