يوميات عدوان نيسان 1996

الرد القاسم

أسباب الجرأة الايرانية في الرد والعجز الأميركي عن حماية
17/01/2020

أسباب الجرأة الايرانية في الرد والعجز الأميركي عن حماية "عين الأسد"

شارل ابي نادر

ربما كان الفشل الاميركي في حماية قاعدة عين الأسد مفاجئا للكثيرين، ليس لأن الايرانيين أثبتوا امتلاكهم لقدرات صاروخية باليستية متطورة، فهذا الموضوع أساسًا كان وما زال يمثل الشغل الشاغل للاميركيين وللاسرائيليين معًا، ويمكن اعتباره بمثابة نقطة التصويب الأكثر تركيزًا على ايران من قبل هؤلاء في الاعلام والديبلوماسية والسياسة الدولية، والتي ربطوا فيها انسحابهم من الاتفاق النووي، بتقييد الصناعات الصاروخية الايرانية، بل لعجز منظومات الدفاع الجوي الاميركية عن حماية القاعدة المذكورة، خاصة وأن تلك المنظومات تحتل حيزًا واسعًا في مجال تصنيع وتجارة الأسلحة العالمية، وتُعتبر (منظومات الدفاع الجوي الاميركية) بالاضافة لكونها المنافس الأول عالميًا لمنظومات الدفاع الجوي الروسية المعروفة (اس اس 300 واس اس 400 وبانتسر وغيرها) فهي ايضا المصدر الأكبر لواشنطن ولشركات تصنيع الاسلحة الاميركية من أموال الدول الخليجية، والتي لطالما كانت تنشد الحماية الاميركية وتهرول وراءها.

هذا في الموضوع التقني المتعلق بمميزات الصواريخ الايرانية من جهة وبقدرات منظومات الدفاع الجوي الاميركية، وهو الموضوع الذي أخذ حيّزا واسعا من الدراسة والتحليل مؤخرا بعد الرد الايراني على قاعدة عين الاسد. ولكن لا بد من الاضاءة على الجانب الاخر المرتبط بالرد الايراني، والذي برهنت فيه الجمهورية الاسلامية الايرانية، قيادةً وحرساً ثورياً، عن جرأة لافتة وربما صادمة، في تنفيذ الرد بوجه دولة كبرى قادرة عسكريا وتقنيا، وبشكل سريع تجاوز التوقعات، وكان مقدرا لها ان تاخذ وقتا اطول للدراسة ولتقدير الموقف جيدا، قبل اتخاذ قرار عنيف وقوي وخطر، يحمل امكانية كبرى لانتاج تداعيات واسعة وغير محسوبة.

لناحية الجرأة في تنفيذ الرد

لقد تجرأت ايران وقامت بتنفيذ عملية الرد على الوحدات الاميركية، بعد أن اعتبرت أنه حتمي ولا مفر لها منه، أولا بسبب استهداف سيادتها ومكانتها كدولة اقليمية فاعلة، حيث اغتيل قائد أساسي لديها غدرا وبعيدا عن اي اشتباك او مواجهة مباشرة، وعبر اختراق صريح وواضح للقانون الدولي ولقواعد الاشتباك المفروضة بينها وبين واشنطن، وثانيا لما يمتلكه الشهيد الفريق قاسم سليماني على الصعيد الشخصي من قدرات وخبرات، في قيادة فيلق القدس كنقطة ارتكاز لقوتها الضاربة، في العمليات الخاصة البحرية او البرية او في القدرات النوعية: الصواريخ الباليستية او في الطيران المسير، أو لما يملكه من نقاط قوة في تنسيق وادارة مناورة محور المقاومة في المنطقة بشكل عام .

من ناحية أخرى، وبعد تقدير موقف سريع وشامل، اعتبرت ايران أن الرد على الوحدات الاميركية مهما كانت خطورته، سوف تكون تداعيات عدم القيام به أخطر على سيادتها وعلى مكانتها، لأنه في عدم الرد والرضوخ للاميركيين، سوف تسقط مصداقيتها محليا واقليميا ودوليا، ومع ضخامة الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تتعرض لها حاليا، ستزداد هذه الضغوط أكثر بعد أن تظهر بموقف الدولة الضعيفة، وستخسر حينها الكثير من حقوقها ومن مصالحها القومية والسيادية، الأمر الذي رجَّح في قرارها كفة الرد من عدمه بالرغم من خطورته.

لناحية السرعة في الرد

لقد رد الايرانيون وبسرعة على الاعتداء الاميركي في قاعدة عين الاسد، في ذروة الاستنفار الاميركي وفي ظل أجواء أكيدة بحصول الرد، ولم يدعوا الوقت يمر كثيرا، وذلك للاسباب التالية:

اولا: لأسباب لها رمزية وجدانية وربما دينية، فقد اختاروا أن يحصل الرد بنفس توقيت عملية الاغتيال، مباشرة بعد انتهاء مراسم الدفن وقبل أن يوارى جثمان الشهيد سليماني في الثرى.

ثانيا: تبين أن ايران تملك خططًا جاهزة ومحضرة لكافة السيناريوهات الممكن حدوثها اذا تطور الرد وتدحرج نحو اية مواجهة واسعة، وقد ظهر ذلك من خلال تهديداتها الجازمة والصارمة باستهداف جميع القواعد الاميريكة في المنطقة، والتي تنتشر في اغلب  الدول والبحار والمحيطات القريبة من ايران، ولذلك ربما اعتبرت ان الرد سريعا هو لمصلحتها، حتى من الناحية العسكرية ومن ناحية جهوزية وحداتها، مقارنة مع جهوزية الوحدات الاميركية التي تحتاج لفترة غير بسيطة لتحضير مناورتها في اية مواجهة واسعة.

ثالثا: تبين من ردها السريع، أن ايران تملك ثقة كبيرة بنفسها وبقدراتها العسكرية، والذي أكد لاحقا الموضوع هو الفشل العسكري والتقني الاميركي في حماية قاعدة عين الاسد، حيث أظهرت الوحدات الجو - فضائية حزمًا كبيرًا في مستوى الاستهداف وحجمه، وايضًا في دقته ورسائله الحساسة في اختيار أهداف ذات معنى استراتيجي، بعيدًا عن اختيار اهداف ينتج عنها اسقاط أكبر عدد من الجنود الاميركيين، مع اثبات قدرتها على ذلك لو أرادت.

واخيرًا، بعيدًا عن الفشل التقني الأميركي في حماية عين الأسد، وبعيدًا عن الصدمة الدولية التي أحدثتها ايران بجرأتها وبسرعة ردها على الاميركيين، سوف تبقى عملية استهداف القاعدة الاميركية في عين الأسد نقطة لافتة في تاريخ المواجهات الاستراتيجية، بين الولايات المتحدة الاميركية كدولة كبرى تملك الامكانيات والقدرات الضخمة، وبين ايران كدولة اقليمية صاعدة متوسطة القدرات، استطاعت فرض معادلة ردع لن تستطع واشنطن تجاوزها في المدى المنظور.

إقرأ المزيد في: الرد القاسم