آراء وتحليلات

واشنطن وبغداد.. حراك الكواليس وتحركات الميادين
17/01/2020

واشنطن وبغداد.. حراك الكواليس وتحركات الميادين

بغداد: عادل الجبوري

   يستعد العراقيون للخروج بتظاهرة مليونية ضد الاحتلال الأميركي لبلادهم، في الرابع والعشرين من شهر كانون الثاني - يناير الجاري، دعا اليها زعيم التيار  الصدري السيد مقتدى الصدر وحظيت بتفاعل وترحيب واسعين من قبل قوى وشخصيات سياسية كبيرة وفصائل المقاومة، وأوساط جماهيرية كثيرة.

   ربما ستكون هذه التظاهرة، التي يبدو أن هناك تحضيرات وتحشيدات كبيرة جدًا لها، أقوى وأبلغ رسالة للأميركيين مفادها "اذا لم تخرجوا وفق السياقات السياسية والدبلوماسية الرسمية، فسوف يتم اخراجكم بوسائل اخرى".

   ولم يعد خافيًا أن التوجه العراقي، على الصعيدين السياسي الرسمي، والشعبي غير الرسمي، نحو انهاء الوجود الاجنبي، بات أمرًا ملحًا وأولوية مهمة لا مناص منها، ومجمل مواقف الحكومة والبرلمان خلال الآونة الآخيرة اشارت الى ذلك، معززة بمواقف طيف واسع من القوى والكيانات السياسية والنخب والاوساط المجتمعية.

   والأكثر والأهم من ذلك كله، أن المرجعية الدينية، شددت في بيانها الأخير الذي تلاه إمام جمعة كربلاء المقدسة من الصحن الحسيني الشريف من على منبر صلاة الجمعة الاخيرة، على خطورة وحساسية معركة السيادة التي اعتبرتها لا تقل أهمية عن معركة الاصلاح.

تدرك واشنطن أن مواقفها السياسية لم تعد تفلح في مواجهة المواقف العراقية الحازمة لاستعادة السيادة الحقيقية الكاملة

   وقد جاءت اشارة المرجعية الى معركة السيادة، بعد الاعتداءات الاميركية على قوات الحشد الشعبي، وتورط واشنطن باغتيال كل من نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس قاسم سليماني مطلع الشهر الجاري قرب مطار بغداد الدولي، وبعد تصريحات ومواقف استفزازية وغير لائقة من قبل ساسة اميركيين في مقدمتهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول التعاطي مع المطالب العراقية.

   الى جانب ذلك، فإنه بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على انطلاق حركة الاحتجاجات الجماهيرية السلمية في الشارع العراقي، تكشفت جوانب مهمة وخطيرة من الدور السلبي للولايات المتحدة الاميركية ودول اخرى في دعم وتمويل وتشجيع جماعات مخربة ومنفلتة لأجل اثارة الفوضى والاضطراب والاخلال بالامن والنظام، عبر تخريب وتدمير الممتلكات العامة والخاصة، وعرقلة دوام وعمل المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية وحتى غير الحكومية، وشن حملات التسقيط والتشهير الاعلامية من خلال الفضاء الالكتروني والقنوات الفضائية ضد الرموز الدينية والزعامات السياسية الوطنية.   

   ولا شك ان كل تلك التحركات والمواقف والتوجهات تثير حفيظة واشنطن وتزيد من قلقها وتوجسها وارتباكها، لا سيما بعد الضربات الصاروخية الايرانية التي وجهت لبعض مواقع وجود قواتها في العراق.  

  جانب من ذلك القلق والتوجس والارتباك، بدا واضحا من خلال المواقف والتصريحات المتناقضة الصادرة عن مراكز القرار السياسي الاميركي، مع ايحاءات واشارات، بدأت ضمنية وتحولت فيما بعد الى صريحة، قد يكون نائب مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط، جوي هود، قد عبر عنها بصراحة، حينما نفى أي حديث الآن حول انسحاب القوات الأميركية من العراق، في ذات الوقت الذي اعتبر فيه ان الوقت الحالي هو الأنسب للولايات المتحدة والعراق من أجل الجلوس معاً للحديث عن الالتزام بالشراكة الاستراتيجية على المستوى الدبلوماسي والمالي والاقتصادي والأمني.

   وقبل ذلك كان وزير الخارجية مايك بومبيو، قد ادعى "أن جميع القادة العراقيين أبلغوه في مجالس خاصة أنهم يؤيدون الوجود العسكري الأميركي في بلدهم، على الرغم من المطالبات العلنية بخروج الجنود الأميركيين من العراق"، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه مصادر سياسية واعلامية أميركية عن استئناف العمليات العسكرية المشتركة مع القوات العراقية بعد توقف دام ما يقارب اسبوعين اثر اغتيال كل من المهندس وسليماني في العراق.

    وقبل ذلك ايضا، لوح ترامب بفرض عقوبات اقتصادية على العراق أقسى بأضعاف المرات من العقوبات المفروضة على ايران، في حال أصر على اخراج القوات الاميركية من أراضيه، ناهيك عن كونه طالب بدفع تعويضات لبلاده مقابل ما أنفقته لحماية العراق والدفاع عنه بوجه الارهاب!

   وتدرك واشنطن أن مواقفها السياسية لم تعد تفلح في مواجهة المواقف العراقية الحازمة لاستعادة السيادة الحقيقية الكاملة، لذلك فإنها راحت تتحرك بمساحات اخرى وتوظف أدوات ووسائل غير الادوات والوسائل الدبلوماسية الرسمية العلنية، من أجل خلط الاوراق.   

   فهناك تسريبات من داخل اوساط استخباراتية، تؤكد ان واشنطن وعبر سفارتها في بغداد وبعض امتداداتها، دفعت المجاميع الممولة منها الى رفع الشعارات المطالبة بالابقاء على القوات الاميركية والتخويف من تبعات خروجها في الوقت الراهن، وترافق ذلك مع حملات منظمة واسعة بذات الاتجاه تبنتها قنوات فضائية عراقية وعربية، مثل الشرقية ودجلة والعربية والعربية حدث وسكاي نيوز العربية، وعشرات الحسابات على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر.

   من جهة أخرى، راحت تدفع بأطراف وقوى وشخصيات سياسية مرتبطة بها لاعادة طرح مشروع ما يسمى بالاقليم السني، حيث عقدت عدة اجتماعات بهذا الشأن برعاية اميركية في كل من دبي واسطنبول وعمّان واربيل. والملفت أن الأطراف السياسية التي رفضت التصويت على  مشروع قرار اخراج القوات الاميركية هي ذاتها التي بادرت الى طرح مشروع الاقليم السني في هذا الوقت بالذات.       

  وثمة شيء آخر من المهم جدا التنبه له، ألا وهو أن هناك مساعي اميركية مبكرة للبحث عن بدائل في حال ارغموا فعلا على الخروج من العراق، تتمثل في العودة اليه تحت غطاء قوات تابعة لحلف شمال الاطلسي (الناتو)، يمكن ان تأتي الى العراق بالتنسيق والاتفاق مع الحكومة العراقية، تحت ذريعة مساعدته في تعزيزه امنه والتصدي للارهاب.

   وكذلك فإن واشنطن قد تتحرك بوتيرة اكبر لاعادة احياء الخلايا والمجاميع الارهابية النائمة في العراق، مع استمرار الضغوطات للاسراع باختيار رئيس وزراء بديل عن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، يكون قريبا منها، ومنسجما مع توجهاتها، وليس كما عبد المهدي المتشدد في مواقفه وقراراته حيالها.

   ولعل الرؤية المتبلورة في العراق، تتمثل في انه مهما تعددت وتنوعت الوسائل والادوات الاميركية، ومهما كانت محكمة وقوية، فإنها لن تصمد طويلا امام المواقف العراقية المتماسكة والصلبة والموحدة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات