ramadan2024

آراء وتحليلات

ترامب: شخصية مضطربة تقود أميركا من هزيمة الى أخرى
15/01/2020

ترامب: شخصية مضطربة تقود أميركا من هزيمة الى أخرى

جورج حداد

في تشرين الثاني 2016 انتخب "البيزنسمان" دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الاميركية، فتظاهر عشرات آلاف الاميركيين ضده في مختلف المدن الاميركية، معتبرين أن هذا الانتخاب سيكون كارثة على الولايات المتحدة الاميركية، ورفع بعضهم شعار "الموت، ولا ترامب!".

وقال العديد من الخبراء حينذاك أن ترامب ليس أكثر من ملياردير غير متوازن، مهووس بالدولارات، مضارب متخصص في قطاع العقارات وبناء الملاهي ونوادي القمار، يفهم السياسة كلعبة قمار، وأنه سيدمر كل ما بنته الدبلوماسية الاميركية في عشرات السنين ويقود اميركا الى الحضيض! بينما رأى خبراء آخرون انه "كاوبوي" اميركي حقيقي، "غانغستر" وقاطع طريق سيتمكن من ابتزاز العالم من أجل انتشال اميركا من الازمة الاقتصادية ـ الاجتماعية الخانقة التي لا تستطيع ان تجد مخرجا منها.

ودخل ترامب مسرح السياسة الدولية الكبرى، كمضارب يدخل نادي قمار أو يدخل حلبة البورصة، وكل همه جمع مليارات الدولارات للانفاق على جهاز الدولة الاميركي الكبير والمترهل والذي لا تكفيه دولارات العالم بأسره.

وكأي مضارب "لوذعي" ولاعب قمار "ابن كار" لم ينس ترامب أن يضع الى جانبه امرأته ميلانيا، وابنته ايفانكا، وأخيرًا صهره اليهودي المؤصل جاريد كوشنر الذي جعله رجل المهمات الخاصة.

ومن خلال بهلوانياته ومسرحياته "الكراكوزية" المستمرة خاض دونالد ترامب المعارك الدولية "الدونكيخوتية" التالية:

وضع ترامب عينه على الصين، التي تمثل كابوسًا مرعبًا للادارة الأميركية، بوصفها المرشحة كي تتقدم أميركا وتصبح أكبر اقتصاد عالمي في السنوات القليلة القادمة. وفي ساعة "جنون" أو "اختلال توازن" قرر المضارب دونالد ترامب ارسال الأساطيل الحربية الأميركية ومحاصرة الصين، تمهيدًا لابتزازها فيما بعد. ولأجل ايجاد حجة لحشد الأساطيل الأميركية قرب الشواطئ الصينية، شنت الادارة الاميركية حملة شعواء، على حافة الحرب، ضد جارة الصين، كوريا الشمالية، المنطوية على نفسها، بحجة أن كوريا الشمالية تطور الأسلحة الصاروخية والنووية وتهدد السلم العالمي. وفي الوقت ذاته كانت ادارة ترامب تدعو القيادة الكورية الشمالية الى التفاوض، واجتمع دونالد ترامب نفسه مع الزعيم الكوري الشمالي أكثر من مرة. وكانت نتيجة هذه السياسة الهزلية ـ الحربية للادارة الترامبية الفشل التام:

ـ لأن الصين الشعبية عمدت الى تطوير سياستها الدفاعية والتقرب والتحالف العسكري الوثيق مع روسيا، بحيث بدت الأساطيل الأميركية عند الشواطئ الصينية كمجموعة من الجرذان قرب قوائم فيل ضخم.

ـ ولأن كوريا الشمالية ذاتها، وبدعم سري وعلني من قبل الصين وروسيا، طورت تماما أسلحتها النووية والصاروخية التي صارت تهدد بالفعل الاراضي الاميركية ذاتها.  

2 ـ عمد ترامب الى "توتير" العلاقات الى أقصى حد مع روسيا وفرض أقسى العقوبات المالية والاقتصادية والسياسية عليها، وعلى كل من يتعاون معها، بقصد اضعافها اقتصاديا وابتزازها ماليا. وأعلن الخروج من اتفاقية اتلاف وعدم انتاج الصواريخ النووية متوسطة وقصيرة المدى، وألهب الحرب الباردة من جديد مع روسيا هذه المرة بدلا من الحرب الباردة السابقة مع الاتحاد السوفياتي السابق. ولا شك ان العقوبات الاميركية اثرت نسبيا على المعاملات المالية والتجارية الخارجية الروسية، الا ان روسيا انتهجت سياستها الخاصة في كل الميادين وخرجت من هذه المواجهة مع اميركا اقوى بكثير مما كانت عليه سابقا، ماليا واقتصاديا وتجاريًا وسياسيًا وعسكريًا. وكرد فعل على السياسة الغبية لأميركا الترامبية ظهرت على المسرح الدولي نواة حلف جبار بين روسيا والصين وايران.

3 ـ شن ترامب حربًا تجارية غير مسبوقة ضد الصين. كما رفع حاجز الرسوم الجمركية ضد حلفاء أميركا بالذات. وهذا كله سيؤدي الى عواقب وخيمة على مستقبل الاقتصاد الاميركي.

4 ـ في 2018 أعلن ترامب انسحاب أميركا من الاتفاقية النووية مع ايران، وتشديد العقوبات عليها وعلى كل من يتعامل معها بزعم أنها – اي ايران – تعمل لتطوير القنبلة النووية. وقد حصلت أميركا على عشرات مليارات الدولارات بفعل العقوبات ضد ايران والمتعاملين معها. ومن اهداف العقوبات التي اعلنها ترامب: تخفيض تصدير النفط الايراني الى الصفر من أجل الخنق الاقتصادي التام للاقتصاد الايراني. وأعلنت السعودية انها ستعوض النقص في اسواق النفط العالمية. وعملت المخابرات الأميركية على تحريك المعارضة الداخلية في ايران مستفيدة من الضائقة الاقتصادية التي انتجتها العقوبات. وقد قاومت الجمهورية الاسلامية الايرانية بشدة السياسة الامبرييالية المعادية لها. ولكن ماذا كانت النتيجة؟

ان ايران اليوم هي أقوى من أي وقت مضى: سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وقد تحولت الى قوة كبرى يحسب لها الحساب على الساحة الدولية بأسرها. ومؤخرًا أجرت ايران بالاشتراك مع روسيا والصين مناورات بحرية ـ جوية ـ صاروخية في المحيط الهندي وبحر عمان. مما يعني أن مضيق هرمز ومضيق باب المندب وجميع القواعد العسكرية الاميركية في الاقليم اصبحت تحت سيطرة القوة الحربية الايرانية المتحالفة مع روسيا والصين.

بطريقته المسرحية المضحكة قام ترامب بتوجيه الاهانات الى حلفاء أميركا التقليديين من ملوك وشيوخ النفط الخليجيين وابتزهم بمئات مليارات الدولارات بحجة حماية عروشهم. وفي المقابل، وبالتفاهم التام مع "اسرائيل" والسعودية وزعانفها تم الاعلان عن الشروع في تطبيق ما يسمى "صفقة القرن" لتصفية القضية الفلسطينية، مستفيدين من فشل "حل الدولتين" حسب مشروع اوسلو، والانقسام في صفوف المنظمات الفلسطينية. وفحوى هذه "الصفقة" هو دفع بضعة مليارات الدولارات مقابل تخلي الفلسطينيين عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وعن القدس وعن الاراضي المغتصبة تحت اسم "المستوطنات اليهودية". وفي هذا السياق اعترفت اميركا بالقدس كعاصمة لـ"اسرائيل" ونقلت السفارة الاميركية الى القدس، واعترفت بشرعية "المستوطنات اليهودية" في الضفة الغربية، واعترفت بشرعية ضم الجولان الى اسرائيل، واعترفت بشرعية "يهودية الدولة الاسرائيلية" ورمي مشروع "حل الدولتين" في مزبلة "حل اوسلو". وماذا كانت النتيجة؟

لقد رفض الشعب الفلسطيني بكل فصائله مشروع "صفقة القرن"، بما في ذلك منظمات "سلطة اوسلو"، وبفضل الدعم الايراني اللامحدود واللامشروط، اصبحت المقاومة الفلسطينية، بقيادة حماس، أقوى من أي وقت مضى، وأصبحت صواريخ المقاومة تطال "تل ابيب" ذاتها، حيث إن المراجع الاسرائيلية ذاتها تعلن عن عجزها عن رد صواريخ المقاومة.

أنفقت أميركا والسعودية وزعانفها عشرات مليارات الدولارات لأجل تجنيد وتدريب وتسليح "الجيش التكفيري الارهابي العالمي" الذي اقتحم سوريا والعراق وارتكب المجازر وحارب باستماتة تحت اسم "داعش" وأخواتها، وكان هدفه تحطيم جبهة المقاومة الممتدة من لبنان الى ايران، واقامة "دولة خلافة" مزعومة لفرض السيطرة الاميركية ـ السعودية الاسرائيلية ـ التركية على منطقة المشرق العربي وشمالي افريقيا، ووضع اليد بقوة على مكامن النفط والغاز العتيدة في شرقي المتوسط، وتحويل شعوب المنطقة الى عبيد، بالمعنى الحرفي للكلمة، للاحتكارات الامبريالية العالمية. ولكن هذا المخطط الجهنمي فشل فشلا ذريعا، بفضل وحدة وصمود معسكر المقاومة بقيادة الثورة الايرانية. وأصبحت القوات الأميركية ذاتها تدعي زورًا وبهتانًا، وأمام سخرية العالم بأسره، انها موجودة في سوريا والعراق والمنطقة لمحاربة "الارهاب" الذي يعترف دونالد ترامب نفسه بأن اميركا هي التي أوجدته.

أيدت ادارة ترامب بشدة العدوان السعودي على الشعب اليمني المظلوم. ولكن الأمور بخواتيمها. والشعب اليمني البطل سيزعزع أسس النظام السعودي والوجود السياسي والاقتصادي والعسكري الاميركي في منطقة الخليج كلها.

في ليل 2 ـ 3 كانون الثاني الجاري ارتكبت ادارة ترامب حماقة استراتيجية كبرى، وهي اغتيال قائد المقاومة الايراني والاقليمي الكبير الجنرال قاسم سليماني، والذي استشهد معه القائد الشعبي العراقي الحاج ابو مهدي المهندس وعدد آخر من كوادر المقاومة الايرانيين والعراقيين.

واعتبرت جميع منظمات المقاومة أن هذه الضربة موجهة الى محور المقاومة بمجمله من ايران الى فلسطين. وأعلنت القيادة الايرانية وقيادات المقاومة الأخرى أن الرد على هذا التحدي الاستراتيجي لن يكون في ضربة ثأرية منفردة، بل سيكون ردًا استراتيجيا شاملا ايضا وهو: النضال لاجل اخراج الوجود العسكري الاميركي من المنطقة ككل. ولا بد ان نذكر ان الدولة الوحيدة في العالم التي أيدت علنا هذه العملية الارهابية والاستفزازية الاميركية هي فقط "اسرائيل". وبذلك فإن "اسرائيل" غامرت بمصيرها ذاته. لانه بعد اخراج الجيوش الاميركية من المنطقة، فإن اميركا ستتخلى عن "اسرائيل" ولن ترسل قواتها للدفاع عن عنها ضد المقاومة الفلسطينية وحلفائها.

وسيسجل التاريخ أن حماقة ترامب فتحت أبواب الجحيم أمام الوجود العسكري الاميركي والاسرائيلي في المنطقة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل

دونالد ترامب

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل