يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

رغما عن
04/01/2020

رغما عن "كارتيل النفط".. الدولة تبيع البنزين لمواطنيها 

ياسمين مصطفى 

توّجت اليوم وزارة الطاقة قرارها بالدخول على خط المنافسة في قطاع النفط ومشتقاته، بتسليم أول دفعة من مادة البنزين المستورَد لأصحاب شركات التوزيع في منشأة النفط في الزهراني، بعد مناقصة أجرتها إدارة منشآت النفط لصالح الدولة وفازت بها شركة "Z-Energy". 

الخطوة التي تعدّ سابقةً وتُسجل لوزيرة الطاقة ندى بستاني، ستأتي بـ150 ألف طن من البنزين على خمس أو ست شحنات، من المفترض أن تغطي عبرها الدولة في الأشهر المقبلة 15% من البنزين في السوق المحلي. وعلى الرغم من تواضع النسبة، إلا أنها كسرت احتكار "كارتيل" النفط للقطاع، المتحكّم منذ سنوات بمفاصله، وإذا ما كُتب لها الاستمرار، لن تتفرّد بعد الآن الشركات المستوردة بقرارات من قبيل إعلان الإضراب ووقف توزيع مادة البنزين، ولن نشهد إذلالًا للمواطنين على أبواب محطات الوقود، طلبًا لتنكة بنزين تؤمّن تنقلاتهم، فهل نشهد في القادم من الأيام توسيعًا لدور الدولة على صعيد استرداد عملية استيراد المشتقات النفطية بنسب أعلى، وصولًا إلى إيجاد توازن في السوق يفتح المجال لتأمين هذه السلعة الاستراتيجية بشكل دائم؟

لا انقطاع للبنزين بعد اليوم 

مدير عام منشآت النفط سركيس حليس يعبّر عن تفاؤله بما حقّقته الدولة حتى اليوم في هذا الخصوص، ويُطمئن المواطنين عبر موقع "العهد الإخباري" أن استلام شركات توزيع البنزين البضائع من منشأة الزهراني عكس ارتياحها، ويؤكد أن "ما حصل سابقًا من إضرابات وانقطاع لمادة البنزين لن يتكرّر، وأنه بعد اليوم لن تقدر الشركات الخاصة على "ابتزاز" الدولة والمحطات، واستخدام المواطنين كورقة ضغط لتحقيق مصالحها".

وبحسب حليس، تنازل وزارات الطاقة المتعاقبة عن دورها في استرداد قطاع المحروقات من القطاع الخاص، لم يمنع الوزيرة بستاني من اتخاذ قرارٍ استثنائيّ يرقى لحجم أزمة استثنائية، أغلقت خلالها المحطات-مدفوعة بقرار من "كارتيل النفط" أبوابها، ورسمت والذُلّ على وجوه المواطنين".

هل ترتفع نسبة مساهمة الدولة الى أكثر 10% من البنزين في السوق لمحلي؟

يجيب حليس على السؤال بتفاؤل كبير، مؤكدًا أنه طالما أخذت الدولة قرار الدخول في سوق المحروقات على أنواعه، أي استيراد المازوت والفيول سابقا ويضاف إليهما اليوم البنزين، فالأمر مفتوح على رفع نسبة المساهمة في استيراد البنزين من قبل الدولة ولا شيء يمنع، وهو أمر منوط باستقرار السوق المحلي وحجم حاجته للمادة".

"تنعُّم" الشركات الخاصة على مدى سنوات باحتكار قطاع المحروقات دون منافس، مقابل دخول الدولة على الخط اليوم، يستدعي السؤال عن ردة فعل هذه الشركات لجهة الانتفاض لحماية مصالحها، لكن حليس يجيب بشكل حاسم:"ليسوا التجار من ينظمون عمل الدولة بل العكس، الدولة تنظم عمل التجار وفق مصالح المواطنين، وإن كان اللبنانيون اعتادوا على واقع فرضته هذه الشركات فالكلمة اليوم لمنطق الدولة: إمّا أن تكون أو لا تكون".

أزمة مازوت 

وعن إصرار الشركات المستوردة بالتعامل مع محطات الوقود بالدولار وفق سعر السوق الموازي بنسبة 15% فيما يخص مادة المازوت وشكوى أصحاب المحطات من مواجهة الخسارة أو رفع السعر على المواطنين، يقول حليس لـ"العهد":"للمرة الألف نعيد القول بأن الدولة تسلم المازوت للشركات بالليرة ووفق السعر الرسمي، وعليه لا يجب على محطات الوقود القبول بمنطق "الكارتيل"، الذي يشتري من الدولة بالليرة وفق السعر الرسمي ويبيع بالدولار وفق السعر الموازي وبذلك يحقق أرباحا طائلة"، مُخاطبًا أصحاب المحطات:" لا تشتروا المازوت بالدولار من الشركات فيما الدولة تبيعه بالليرة وفق السعر الرسمي".

*بين الدولة و"كارتيل النفط": تحدٍ و"شدّ حبال" 

حليس يتحدّث لـ"العهد" عن سياسة الشركات الخاصة في العمل وفق مصالحها، فيشير إلى أنها انكفأت هذا العام عن استيراد المازوت بالنسبة نفسها كما كانت تعمد في كل عام بحسب الاتفاق مع الدولة، ويقول:"انخراط الدولة في سوق استيراد المازوت يتعزز، وانكفاء الشركات الخاصة طوعا عن استيراد حصتها من المادة بسبب ما تواجهه من فقدان الاعتمادات بالدولار، دفع الدولة لاستيراد ما يفوق 60% منها، حتى لا يحتاج المواطن للدفء ولا يجده، هذا العام استوردنا 8 مليون ليتر مازوت ونصف، فيما كان الاستيراد العام الماضي بحدود الـ3 مليون ليتر، وهو تدخل غير منظور من قبل الدولة، لا بد للمواطن أن يعرفه".

"كارتيل النفط" يُحارب وزارة الطاقة 

السبب في انكفاء الشركات الخاصة عن استيراد ما كانت تستورده من مادة المازوت تضعه مصادر خاصة في سياق"إحراج الدولة" و"النكد"، وتقول لموقع "العهد الإخباري":"لا شك أن دخول الدولة على خط استيراد البنزين سيشكل استفزازا كبيرا لـ"كارتيل" النفط، ولذلك هي تتحدى الدولة فيما يخص استيراد المازوت، وهذا هو سبب توقفها عن استيراده بالنسب نفسها هذا العام، كما كل عام".

وتؤكد المصادر أن العلاقة بين الدولة ممثلة بوزارة الطاقة و"كارتيل" النفط هي بمثابة "شد حبال"، فالدولة تريد كسر احتكار الشركات المستوردة وحماية حق المواطن في الحصول على المحروقات، لكن الشركات الخاصة تتمنى في المقابل فشل الوزارة لتؤكد انها وحدها المُمسكة بهذا القطاع والقادرة على إدارته".

وعن شكوى المحطات جراء شرائها المازوت من الشركات الخاصة بالدولار  وفق سعر صرفه في السوق السوداء، توضح المصادر أن الشركات الخاصة المستوردة للمحروقات تشتري 70% من حاجتها بالليرة اللبنانية من منشآت النفط التابعة للدولة، وذلك وفق اتفاق بين الطرفين، ثم تقوم ببيعه بالدولار، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار باتت هذه الشركات تبيع على أساس سعر السوق الموازي، وبذلك تزيد أرباحها بشكل خيالي"!.

محطة الأمانة للمحروقات: طلبنا من وزيرة الطاقة الاستمرار في تأمين 15% من مادة البنزين

مدير محطات الأمانة للمحروقات أسامة عليق يروي لـ"العهد" ما دار بينه وبين الوزيرة بستاني خلال تسلمه اليوم حصته من البنزين في الزهراني، ويقول:" طلبتُ من الوزيرة الاستمرار في تأمين 15% من مادة البنزين لنتمكّن نحن كأصحاب محطات من الاعتماد عليها في تأمين شركاتنا، وأكدتُ لها التزامنا مع الدولة في حال استمرت بتغطية النسب المحددة، وقد وعدتني باستكمال هذه السياسة وتطوير العمل".

ويُبيّن عليق أن الدولة قادرة على رفع نسب استيرادها للبنزين من حاجة السوق، ويضيف: "التجهيزات في منشأة الزهراني وفي طرابلس حاضرة، وفريق العمل في المنشآت حاضر، والخزانات موجودة، ونؤكد أن بإمكان الدولة ان تستردّ القطاع بشكل كبير من "كارتيل" النفط، علّنا نعود إلى مرحلة ما قبل الحرب الأهلية، حين كان القطاع بيد الدولة، وكانت الشركات الخاصة تأخذ منها حصتها من المشتقات النفطية".

وفي ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار، يوضح عليق أن "شركة الأمانة تخسر نسبة من أرباحها اليوم، لأنها وفق الاتفاق مع الشركات المستوردة، تدفع مقابل البنزين 15% بالدولار والباقي بالليرة، ما يستتبع خسارة لدى بيع المواطنين بالسعر الرسمي"، لكنه يؤكد أن "الأساس في تعامل الشركة هو الأخلاق لخدمة أهلنا، وتأمين وسائل التدفئة لهم بأيسر السبل".

إقرأ المزيد في: خاص العهد