طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

الـ
27/12/2019

الـ"Bank Run" الحقيقي ليس لدى صغار المودعين

يوسف الريّس

ما يشهده لبنان من تهافت على المصارف لسحب الودائع وازدياد في الطلب على الدولار يندرج تحت أزمة (بنك ران) "Bank Run" والتي تحصل عندما يطالب معظم العملاء بسحب أموالهم نظرًا لاعتقادهم بأن المصرف سيتخلف عن عمله قريبًا، أي لاهتزاز الثقة بالمصرف.

عمليًا، رغم واقعية الأزمة المالية والنقدية كحصيلة حتمية لسياسة الاستدانة وتغييب القطاعات الإنتاجية، إلا أن تعاطي المصارف مع التطورات بهذا الأسلوب جعل وقع الأزمة أسرع وأقسى.

ساهمت المصارف باحتدام الأزمة، بإعلانها الإغلاق من مساء 17 تشرين الأول/ اكتوبر حتى إشعار آخر تحت ذريعة أن أي افتتاح للمصارف سيزيد الطلب على الودائع بالدولار وبالتالي لن يستطيعوا تلبية طلب العملاء مع التحذير من خطر انزلاق الليرة وعدم ثباتها. إلا أن ما حصل من احتجاز للأموال في فترة الإغلاق خلق حالة الهلع لدى عملاء هذه المصارف لجهة عدم إمكانيتهم الحصول عليها وبالتالي خرقت هذه الفترة وقرارات جمعية المصارف حينها القانون الذهبي لحماية القطاع المصرفي: الثقة.

استحصل لبنان على أموال المغتربين على مدى ثلاثين عاما، واستطاع أن يخلق انجازات تراكمية وثباتًا في سعر صرف الليرة بناء على أسهم الثقة المرتفعة في هذا القطاع. إن التدفقات المالية استمرت بسبب الثقة حتى في ظل تنبه الجميع لحتمية انهيار هذا الكيان المصرفي منذ بداية المضي بالهندسات المالية والتي ألحقت بتعاميم عدم منح قروض الاسكان.

كان على المصارف حماية هذه الثقة. إن من يتم الضغط عليهم في فروع المصارف بمعظمهم هم أصحاب ودائع صغيرة أو مِمّن يسحبون رواتبهم الشهرية من حساباتهم الجارية والذين يشكلون ما نسبته 91.98% من اجمالي المودعين ولا يشكلون سوى 14.26% من الكتلة النقدية.

وهنا تكمن مسؤولية المصارف بخلقها حالة الـ "Bank Run" الوهمية في فروع المصارف. إن الـ (بنك ران) حصلت لدى كبار المودعين والذين يشكلون ما نسبته 0.02% من اجمالي المودعين ويملكون 7.58% من الكتلة النقدية. هؤلاء تذرعوا بالحراك والمصارف المغلقة لاتمام عمليات إخراج الأموال من لبنان لعلمهم بالتحديات النقدية والمالية الآتية، وسهلت لهم المصارف الى حدّ ما هذه العمليات، وجعلت المشكلة مع الـ 91.98% من المودعين. أما الـ(بنك ران) لدى الموظفين فتُرجِمَ بمطالباتهم سحب أجورهم من فروع المصارف نظرا للقيود على السحب من الصراف الآلي. وبالتالي إن ما نراه في فروع المصارف هو صنيعة المصارف أنفسها نظرا للقيود غير الواقعية على سحب الأموال من الصرافات الآلية. أي أن حركة التهافت في فروع المصارف هي شبه طبيعية ولكن حركة التهافت الضخمة هي في مكاتب المراكز الرئيسية للمصارف حيث تهافت أصحاب الودائع الكبيرة الذين فقدوا ثقتهم في النطام المصرفي ككل وهناك يكمن البنك ران الحقيقي.

إن مشاهد انتظار المودعين للحصول على رواتبهم باتت الصورة التي يعتمدها المصرف لإعلانه عن عدم قدرته على تحمّل الثقة. ستزداد الأزمة قسوة إذا لم يأتِ المخلص المجهول بالعملة الصعبة للبلد وتتعاطى معه الدولة والمصارف بمسؤولية. وفي ظل غياب الشرطين الأساسيين فلا بد من توقع تطور الأزمة أكثر لتطال ثاني فقاعة بناها رياض سلامة: قطاع العقارات.

مع العلم أن قطاع العقارات هو القطاع الانتاجي الوحيد الذي دعمه المصرف المركزي والمحرك الأساسي لعجلة الاقتصاد الحقيقي وفي ظل حقيقة أن الدعم لهذا القطاع كان عشوائيا ومساهما أساسيا بفقاعة أسعار الشقق والأراضي والتي بات انفجارها قريبا مع احتدام الأزمة.      

المصارف والعقارات هما أدوات المصرف المركزي لحماية النموذج المدولر المبني على الاستدانة ويهدف إلى تثبيت سعر الصرف. هذا الوصف كافٍ لتوقع القادم بعد أن انهارت جميع أدوات وأهداف النموذج إن لم يستخدم كفرصة إنقاذ وخلق نموذج اقتصادي جديد مبني على الاستثمار والانتاج الحقيقي ويهدف إلى حصر معدلات التضخم.

المصارف

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات