خاص العهد
مودعون "يتسوّلون" أموالهم من المصارف
فاطمة سلامة
يبدو المشهد في المصارف اللبنانية هذه الأيام أقرب الى السريالية. الطريقة التي تتعامل بها المصارف مع المودعين لا تصدق، كما يقال. أولئك يشعرون كأنهم يتسوّلون أموالهم. طبعاً بغض النظر عن الظروف التي أجبرت البنوك على اتباع سياسات "الكابيتال كونترول" وتقنين الأموال. إلا أنّه لا ذنب لأولئك المواطنين الذين وضعوا "شقاء عمرهم" في المصارف، للاستفادة منه في أوقات "الحشرة"، حتى يجدوا كل هذه القساوة المصرفية.
في أحد المصارف، تقف سيدة تتحدّث على الهاتف قائلةً: " الوضع ما بطمّن، شكلهم رح يفلسوا رح اطلب اسحب كل مصرياتي". تتحدّث السيدة بثقة قبل أن تكتشف أنّ ما سمعته عن التقنين صحيح مئة في المئة، فيعلو صراخها وتهدّد بالويل والثبور وعظائم الأمور. تطلب اجتماعاً بالمدير، فتلتقيه لتخضع بعدها للأمر الواقع بأن لا امكانية للسحب أكثر من الحد المسموح به. بجانب تلك السيدة يجلس مودِع آخر يأتي دوره للسحب، فتقول له الموظّفة: سأعطيك المبلغ عشرات. يجيبها "عشرات لا أريد، أريدها كما وضعتها مئات"، ترد عليه "هذا الموجود". وبعد أن احتدّ النقاش يأتي أحد المسؤولين حاملاً بعض المئات المهترئة، يقول له "اذا بناسبوك خذهم". يعود الموظف ليقبل بالعشرات ويهمس في سره "عشرات أفضل من لا شيء". بعدها يأتي دور مودع آخر، فيقول له الموظف: للأسف لم يبق أموال بالدولار، أتريد أخذ المبلغ بالليرة اللبنانية؟ أو عليك أن تنتظر، ريثما تصل الاموال". يسأله: "كم عليّ الانتظار، فيجيبه "لا علم لنا، ساعة، ساعتين، لا ندري".
هذه عيّنة بسيطة من المواقف التي يواجهها المواطنون داخل المصارف. الأخيرة تمضي في تخفيض الحد المسموح به للسحب أسبوعياً. بعضها وصل حد المئة دولار للودائع تحت العشرة آلاف دولار، والـ1000 دولار للودائع التي تفوق المبلغ المذكور. أكثر من ذلك، وصل التقنين حد الرواتب. لم يعد بمقدور الموظفين سحب معاشاتهم بالكامل، وهنا تكمن المصيبة. الكثير من الموظفين الذين لديهم استحقاقات عدّة أول الشهر يجدون أنفسهم عاجزين عن دفعها بسبب اجراءات التقنين القاسية التي لم يحسبوا لها حساباً. وما يثير ريبة المواطنين اليوم ما يحكى عن ايقاف السحب النقدي بالدولار في الأيام المقبلة، واجبار المواطنين على السحب بالليرة اللبنانية. رئيس جمعية المصارف سليم صفير نفى سابقاً هذا الكلام، إلا أنّ الحديث عن هذا الأمر يكاد لا يتوقّف، فهل فعلا تتجه المصارف في الأيام المقبلة الى إجراءات أكثر قساوة من تلك التي تعتمدها اليوم؟.
لدى سؤالنا أحد المصرفيين عن احتمال وقف المصارف اجراء عمليات الدفع نقداً بالعملات الأجنبية، يستبعد هذا الأمر. وفق معطياته، فإنّ تلك العمليات لن تتوقف لكنها ستنخفض بحيث يتم تخفيض سقف السحوبات أكثر. ويُبرّر المصرفي للمصارف اجراءاتها، لافتاً الى أنّ "الهجمة" التي أحدثها المواطنون باتجاه ودائعهم أحدثت شحا بالدولار، إذ وضع ما يقارب الثلاثة مليارات دولار في المنازل. حتى أنّ المصارف أوقفت السحوبات على الصرافات الآلية بعد أن شهد الشهر الماضي سحب ما يتراوح بين 50 الى 70 مليون دولار يومياً. برأي المصرفي، الأوضاع تتطلّب تشكيل حكومة كخطوة أولى ايجابية لطمأنة المودعين واعادة الثقة بالمصارف.
أحد مدراء المصارف يتحدّث لموقعنا بكل صراحة فيقول: "لا نعلم الى أين ستصل الأزمة". برأيه، فإنّ المصرف الذي يديره لا يزال حتى الساعة قادراً على اعطاء المودعين أموالاً بالدولار وان بسقف منخفض، ولكن اذا اشتدّت الظروف السياسية وبقي تشكيل الحكومة معلقاً فلا نعلم الى أين سنصل، ولا نعلم اذا ما بقي بمقدورنا التعامل بالدولار". كما يرفض المدير المذكور الافصاح عما اذا كانت إدارته ستتوجه نحو اجراءات أكثر صرامة العام المقبل.
ناصر الدين: اجابات سلامة غير مطمئنة
بموازاة هذه الاجراءات الصارمة للمصارف، يشار الى الأموال المهربة الى الخارج كأحد الأسباب الرئيسية للأزمة التي تقبع تحتها المصارف، وسط ما كشف عن تهريب أكثر من عشرة مليارات دولار من أموال البنوك الى الخارج، ما أوقع المودعين في أزمة. وفي هذا السياق، يستغرب الكاتب والباحث الاقتصادي الاستاذ زياد ناصر الدين الاجابات التي قدّمها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الاجتماع الذي عقدته لجنة المال والموازنة اليوم الخميس. برأي ناصر الدين، شكّلت هذه الاجابات صدمة سلبية لجهة تعاطي حاكم مصرف لبنان مع الأزمة. الكلام الذي صدر عنه لناحية عدم تأكده من مسألة التحويلات الخارجية، وعدم معرفته الى أين سيصل سعر صرف الدولار، هذا الكلام -وفق ناصر الدين- يشكل عاملا سلبيا لجهة تعاطي مسؤول بهذه الطريقة مع موضوع بهذه الاهمية. ولدى سؤاله عن احتمال ايقاف السحب النقدي بالدولار، يوضح المتحدّث أنه عقب اجابات سلامة غير متفائلين وعلى سلامة من موقعه طمأنة المودعين.
ويشدّد ناصر الدين على ضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن لانقاذ الوضع الاقتصادي، حكومة تمتلك برنامجاً ماليا ونقديا واقتصاديا، وذات رؤية مهمة جداً تقوم بواجبها لجهة استيضاح كافة الأمور والملابسات من المصارف، ومن هيئة الرقابة على المصارف التي لا بد من تزويد الحكومة بالأرقام الموجودة لديها عن الأموال التي خرجت من لبنان. يلفت ناصرالدين الى الخطوة المهمة التي قامت بها سويسرا لجهة اقرار قانون يسمح باستعادة الأموال اللبنانية الموجودة في الخارج للتأكد مما اذا كانت ذهبت من درب الخزينة أم لا، بينما نحن في لبنان لم نتخذ بعد اجراءات جدية في هذا الملف. علينا تشكيل حكومة انقاذ لمساءلة المصارف وعدم السماح لها الاستمرار بالعمل بطريقة عشوائية واحتكارية، يختم ناصر الدين.
إقرأ المزيد في: خاص العهد
05/12/2024
الحياة تعود إلى النبطية من تحت ركام العدوان
02/12/2024