يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

ميزانية وزارة الحرب الامريكية 2020: سباق التسلح مستمر
24/12/2019

ميزانية وزارة الحرب الامريكية 2020: سباق التسلح مستمر

إيهاب شوقي
يتفق المؤرخون ان الوثائق التي تؤرخ للعالم القديم، كانت عبارة عن تأريخ للصراع والحروب ولم تكن تأريخا للتعاون او التبادل التجاري، وهو ما يعكس طبيعة العصر البدائي، وبالمقابل فإن العصور التي شهدت تعاونا وتبادلا للثقافات والمعاملات، كانت تعكس الحضارات وتشكلها.

ولكن وفي مراحل تشكل الدول وتناقض المصالح، أطلت الصراعات برؤوسها ايضا، ومن هنا نشأت العلاقات الدولية كمحصلة للتعاون والصراع.

وكما يقول المفكر السياسي البروفيسور جوزيف فرانكلين، فإن العلاقات الدولية تهمل ان لكل دولة قوميتها وثقافتها وتعتبر ان المجتمع الدولي مكون من افراد، وان كانت اوروبا لديها بعض الوعي بهذه الابعاد، فإن امريكا لا تتعامل الا من منطلق مصالحها الذاتية فقط وتهمل هذه الحقائق.

 وهناك صيغ لنظرية العلاقات الدولية ولكن مضمونها الرئيسي يقول ان النوع الانساني ينتظم في مجتمع دولي مكون من دول ذات سيادة تعتمد بالاساس على القوة ويمثلها افراد رسميون يضعون سياستها الخارجية وفقا للضغوط الداخلية والخارجية وهو ما يجعل هذا المجتمع محاطاً بنذر الحرب العامة الى جانب الاتجاه نحو التعاون على امل التوصل للانضباط الدولي المنشود.

ولأننا في عالم وصفه نستون تشرشل بأنه "يتزاحم فيه الماضي والمستقبل"، فإن الأمور لم تتخطَّ المرحلة والروح الاستعمارية وتداعياتها والتي تؤثر بالقطع على المستقبل المنظور، ولن نجازف حين نقول ان هناك صراعا وجوديا بين المعسكرات المتباينة كسنّة من سنن الكون.

وبنظرة على ميزانية وزارة الحرب الامريكية الاخيرة، فإننا نجد فيها استمرارا لنزعة الهيمنة والعدوانية، وانها احياء للعصور البدائية، والتي يتغلب بها منطق الصراع على منطق التعاون والتبادل.

وقبل النظر في ارقام الميزانية، فمن المهم القاء الضوء على بعض ما تعكسه الميزانية من فكر واستراتيجية امريكية وعلى لسان اكبر محللي الاستراتيجية في مركز من اكبر مراكز الفكر الامريكي وهو مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (csis)، حيث تبرز عدة نقاط هامة منها:

1ـ تحدد استراتيجية "الدفاع الوطني" الامريكية خمسة تهديدات: الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران والإرهاب العالمي، وهذه هي نفس التهديدات التي وصفها الوزير أشتون كارتر في نهاية ادارة باراك اوباما، والفارق هو انه بينما وضع كارتر روسيا في المرتبة الأولى، فإن إدارة ترامب تضع الصين في المرتبة الأولى. علاوة على ذلك، تركز إستراتيجية الإدارة على الصين وروسيا أكثر من التهديدات الثلاثة الأخرى.

2ـ تواصل ميزانية 2020 التركيز على منافسة القوى الكبرى، بإعطاء الأولوية للقدرة على السعة، وبلفظ اخر للتحديثات والاستعداد القتالي على حساب الخطط والبرامج المستقبلية وتوسيع هيكل القوة. ويرى الاستراتيجيون الامريكيون ان إدارة ترامب، مثل إدارة أوباما قبلها، اختارت القدرة.

وبنظرة سريعة على الارقام، فإن النسخة النهائية من قانون ترخيص "الدفاع الوطني" للعام المالي 2020 (NDAA)، المعروف أيضًا باسم "ميزانية الدفاع"، تتضمن ما مجموعه 738 مليار دولار (بزيادة 22 مليار دولار عن العام الماضي) لوزارة الحرب.

ويمنح القانون ميزانية أساسية تبلغ 658.4 مليار دولار و 71.5 مليار دولار إضافية لتمويل عمليات الطوارئ في الخارج، وتعرف أيضًا باسم ميزانية الحرب.

وهنا لا بد من ملاحظة، وهي ان الحروب الخارجية لم تكن وازعا اساسيا في زيادة الميزانية، وكانت الخلافات في الكونغرس بالاساس حول الجدار الحدودي مع المكسيك، بل ان دونالد ترامب نفسه قد اقترح تقليص الميزانية بذريعة ان القوة الامريكية وصلت لافضل حالاتها، وبالتالي فإن بعض الابواق الاعلامية وخاصة في الخليج والتي تحاول ان توهم بأن زيادة الميزانية هي لحرب مزمعة ضد محور المقاومة، هي ابواق مضللة او تمارس نوعا من التمني.

ويتفق معظم الاستراتيجيين الامريكيين مع أولويات ادارة ترامب، بحجة أن الصين هي أكثر منافسي الولايات المتحدة تحديًا على المدى الطويل، حيث زاد نصيبها من الثروة العالمية بأكثر من ثلاثة أضعاف من عام 1994 إلى عام 2015، حيث ارتفع من 3.3 في المائة إلى 11.8 في المائة، وزاد نصيبها من الإنفاق العسكري العالمي ستة أضعاف، من 2.2 في المائة في عام 1994 إلى 14 في المائة في عام 2018، كما أن الصين هي الآن ثاني أكبر منفق عسكري في العالم.

والنظرة الامريكية لروسيا، هي ان لديها بعض القوة العسكرية وأظهرت نفسها بأنها (معادية انتهازية)، وإنها تتنافس بشدة في المنطقة الرمادية، كما أن قربها من حلفاء الناتو في أوروبا الشرقية، وخاصة دول البلطيق، يسبب مخاوف بشأن ضربة سريعة.

ولكن ما ورد بالميزانية وقوانينها، هل يعني حربا عالمية او حروبا اقليمية؟

بنظرة تحليلية فإن الاجراءات المتبعة امريكيا لا تعدو كونها عقوبات ونكايات ومضايقات، فعلى سبيل المثل فيما يخص الصين وروسيا: فإن الميزانية تزيد من تمويل وزارة الحرب لتطوير القدرة على الحصول على المعادن الأرضية النادرة بدلاً من الاعتماد على الصين، اضافة الى المضايقات في تايوان وهونغ كونغ.

بينما بخصوص الروس فإن قانون ترخيص الاستخبارات يحاول ردع النفوذ الروسي وغيره من الأجانب في انتخابات الولايات المتحدة عن طريق المطالبة بتقييمات تهديدات المخابرات الأجنبية للانتخابات الفيدرالية واستراتيجية لمواجهة التهديدات السيبرانية الروسية للانتخابات الأمريكية، اضافة الى العقوبات.

وفيما يخص المنطقة فسياسة العقوبات وقانون قيصر والحصار هي الخيار المعتمد.

ما يمكن استخلاصه من الميزانية واستمرارية الاستراتيجية المتبعة وخاصة مع استحداث القوة الفضائية التي اقترحها ترامب، هو ان خيار سباق التسلح هو الخيار المعتمد وسياسة العقوبات وتعميق بؤر الصراع هو الخيار الامريكي، وهو يعكس مقاربة المقاومة الشهيرة التي فطنت اليها مبكرا وهي (لا حرب ولا مفاوضات).

الصينكوريا الشمالية

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة