طوفان الأقصى

خاص العهد

ماذا يقول الدستور عن الميثاقية في تكليف دياب؟
20/12/2019

ماذا يقول الدستور عن الميثاقية في تكليف دياب؟

فاطمة سلامة

ما إن سُمي الوزير الأسبق حسان دياب لتشكيل الحكومة، حتى بدأت الأصوات "المعكّرة" صفو تلك التسمية من بوابة "الميثاقية". بدأ المصطادون بالماء العكر يطالبون رئيس الحكومة العتيد بالاعتذار، ويقدّمون وجهات نظرهم كاجتهادات دستورية. "تخريجة" هؤلاء لعدم ميثاقية التكليف تنطلق من حصوله على أصوات ستّة نواب سنة فقط. برأيهم، فإنّ العدد لا يمثّل الطائفة "السنية" ما يستوجب العدول عن تلك الخطوة. وهو الأمر الذي يستغربه مرجع سياسي بالاشارة الى أنّ النائب في البرلمان هو نائب عن الأمة، وصوته يمثّل الأمة جمعاء بغض النظر عن طائفته. ويعتبر المرجع أن كل الكلمات والمواقف التي صدرت من هنا وهناك لا تستطيع النيل من دستورية الاستشارات النيابية التي جرت الخميس بمشاركة الجميع. فماذا يقول الدستور اللبناني عن "ميثاقية" تكليف دياب لتشكيل الحكومة؟.

الصمد: تكليف دستوري وقانوني 

عضو كتلة "اللقاء التشاوري" النائب جهاد الصمد يعتبر في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ تكليف دياب دستوري وقانوني. من وجهة نظره، الخلاف في البلد ليس مذهبياً بل سياسي وعلينا الخروج من هذا المنطق. وللأسف فإنّ تركيبة المجتمع تحوّل الانقسام في السياسية على الدوام الى انقسام مذهبي. يفصّل الصمد أكثر فيشير الى أنّ الميثاقية ذكرت للاشارة الى المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، والمناصفة ينص عليها الدستور في الفئات الأولى فقط، حتى أنه لا يوجد نص دستوري يحسم مسألة الرئاسات، بل إنّ العرف يعطي الرئاسة الاولى للمسيحيين، والرئاسة الثانية للشيعة، والثالثة للسنة.  

ويأسف الصمد للمنطق الذي ساد والذي طالعنا به القانون الارثوذكسي لجهة أن تسمي كل طائفة نوابها، لتدخل هذه النظرية في أذهان الناس وتسري في المجتمع. هذا الأمر ـ برأي الصمد ـ خطير جداً، واذا كنا سننظر الى الجانب المذهبي كأساس لدى تكليف رئيس  للحكومة، فلم يعد هناك من حاجة الى الاستشارات أيضاً لانتخاب رئيس للجمهورية ورئيس لمجلس النواب. لينحصر الأمر بكل طائفة، بحيث يجتمع الشيعة فقط ويسمون رئيس مجلس نواب، وكذلك المسيحيون ويسمون رئيس جمهورية. ويشدّد الصمد على أنّ الحديث عن شماعة الميثاقية لا يصب سوى في خانة التحريض والارهاب المعنوي وأخذ المواطنين الى أماكن أخرى، عبر الغاء الرأي الآخر. ويسأل: هل ممنوع على الأقليات في أي طائفة أن تخالف رأي الأكثرية؟ في اشارة الى النواب الستة الذين سموا دياب. إلغاء رأي الآخر ـ بالنسبة للصمد ـ هو أمر غير صحيح. 

ويتابع الصمد "فلنبقَ في السياسة واذا أراد البعض أخذنا الى أماكن أخرى فنحن خارج هذه الاصطفافات المذهبية والطائفية"، ويُشدّد على أن "من أقصى الحريري عن رئاسة الحكومة هم حلفاؤه، فلو حظي بتصويت "القوات اللبنانية" لنال الاكثرية في استشارات الاثنين الماضي". 
 
ويضيف الصمد "من المعيب أن يجري الحديث بهذه الطريقة، فإذا كانوا يصرون على مقاربة الأمور على أساس مذهبي وطائفي، فيمكننا الاشارة الى أنّ دياب حصل على تسمية 36 نائباً مسلماً وفق قواعد الميثاقية الاسلامية ـ المسيحية". ويؤكّد الصمد أنه من غير المقبول التعاطي بالنفس المذهبي، ولو كنت أعلم بأن هذه السياسة ستسري لما ترشّحت نائباً، لأنني وبكل فخر صحيح أنني ابن الطائفة السنية ولكنني أعتبر نفسي نائباً عن كل لبنان ومن واجبي أن لا أكون ناخبا عن الطائفة السنية فقط.  

اسماعيل: الدستور يدعو لالغاء الطائفية السياسية 

الخبير الدستوري الدكتور عصام اسماعيل، يشدّد على أنّ تكليف دياب  لا يمس بالميثاقية. ذلك أن المرشح ينتمي إلى الطائفة المكرّس لها هذا الموقع وفق العادة اللبنانية، ولم يصَر إلى اختيار المرشح من طائفة أخرى، ما يحرم هذه الطائفة من التمثيل الدستوري والمشاركة في الحكم. علماً أن الميثاقية ـ وفق اسماعيل ـ أقرت في الدستور لحماية المصلحة الوطنية والعيش المشترك، وليس لتتخذ أداة في اللعبة السياسية. وما حصل عند تكليف الوزير السابق حسان ديان بتشكيل الحكومة أن النواب المنتمين إلى حزبٍ معيّن امتنعوا بملء ارادتهم عن تسمية مرشحهم لرئاسة الحكومة، أما بقية النواب فقد سموا مرشحيهم وفق الأصول الدستورية، التي لا يوجد بينها أن يختار نواب الطائفة مرشحهم. بل يتعارض هذا الطرح مع المادة 27 من الدستور التي تنص على أن النائب يمثّل الأمة جمعاء. ولهذا فإن النائب عندما يمارس وظيفته الدستورية إنما يمارسها ليس باسم الطائفة وإنما باسم الأمة جمعاء، ولهذا يتعذّر في حال وجود نصٍ صريح البحث عن تعاريف تعيق أو تعطل مادة دستورية، وفق اسماعيل الذي يشير الى أن المجلس الدستوري ابطل القانون الذي منح نواب الطائفة الدرزية انتخاب شيخ عقل الطائفة لتعارض هذا العمل مع المادة ٢٧ من الدستور.
 
برأي اسماعيل، فإنّه لو جرى منع طائفة أو حزب من المشاركة في الاستشارات، لقلنا إنّ هناك خرقاً للميثاقية. فالمشاركة كانت متاحة، وكذلك الفرصة بترؤس رئيس هذا الحزب ـ الذي قرّر عدم التصويت ـ الحكومة لكنه قرر عدم المشاركة. وبناء عليه، لا نستطيع أن نحتكم لقاعدة أنه "لا يريد ترؤس الحكومة وفي الوقت نفسه يمنع أحداً غيره من ذلك بحجة خرق الميثاقية". يعود اسماعيل ويكرر أن الميثاقية أقرت في الدستور لمصلحة الوطن. 
 
وعليه، فإنّ القضية لا تتعلق بالطائفية بل بواقع الدولة، ولا نستطيع أن نعلّق مصالح دولة ووطن على رأي حزب معين قرّر الامتناع عن هذا الأمر انطلاقاً من قناعته بأنّ الأكثرية لن تسير وفق قراره. وفي ظل الأزمة التي نعيشها فإن الأولوية لتفعيل المؤسسات الدستورية ورفع الخطر الاجتماعي والاقتصادي اللاحق بالمواطنين، ولا بد تبعاً لذلك من الاسراع بتشكيل حكومة أيا كانت هذه الحكومة. ويضيف اسماعيل "صحيح أن الفقرة "ي" من الدستور تقول لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، الا أنّ الفقرة "ه" تدعو لالغاء الطائفية السياسية كهدف وطني. وهنا لا نستطيع أن نأخذ فقرة بمعزل عن الأخرى، لأن الميثاقية تعني الحياة المجتمعية المستقرة لجميع أبناء الوطن".

إقرأ المزيد في: خاص العهد