طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

ماذا تريد تركيا من ليبيا؟
12/12/2019

ماذا تريد تركيا من ليبيا؟

تونس ـ روعة قاسم

أثار الاتفاق الذي أبرمته ليبيا وتركيا في الـ27 من الشهر المنقضي لترسيم الحدود البحرية بين البلدين جدلا واسعا في داخل ليبيا وخارجها، فقد مثّل مصدر قلق وإزعاج لدول جوار ليبيا وخصوصا مصر واليونان اللتين عبرتا صراحة عن انزعاجهما من هذا الاتفاق. ووصل الأمر باليونان إلى طرد السفير الليبي من أثينا واعتبار الاتفاق انتهاكا سافرا للقانون الدولي في خطوة لم تكن متوقعة من الحكومة الليبية في طرابلس. وقد عبرت عدة أحزاب وشخصيات تونسية عن امتعاضها صراحة من هذا الاتفاق على غرار حركة الشعب ذات التوجهات القومية العربية التي عبرت عن إدانتها للاتفاق واعتبرته احتلالا جديدة لليبيا. ودعت الحركة الدولة التونسية لاتخاذ موقف صارم تجاه هذا الاتفاق.

ولعل السؤال الذي يطرح ذلك المتعلق بالموقف التونسي من هذا الاتفاق حيث بدت السلطات التونسية مترددة إزاءه ولم يصدر عنها موقف لافت يدين ما حصل باعتبار أن تونس مجاورة لليبيا والمياه الإقليمية الجنوبية الشرقية للخضراء متداخلة مع المياه الليبية. ويرى البعض أن هناك علاقات وطيدة لبعض الأطراف التونسية مع تركيا تحول دون صدور موقف شديد اللهجة فيما يرى آخرون أن الاتفاقية تتعلق بالمياه الليبية الشرقية ولا علاقة لها بتونس الواقعة على الحدود الغربية لليبيا.

أطماع استعمارية

ويبدو أن تركيا تستغل حاجة حكومة السراج لها لدرء خطر خليفة حفتر الذي يهاجم العاصمة طرابلس ويهدد وجودها لتجبرها على إبرام اتفاقيات تمس بالسيادة الليبية على غرار هذا الاتفاق المثير للجدل. فتركيا هي المزود الأساسي للفصائل المسلحة الداعمة للسراج بالسلاح و العتاد الحربي ولولا دعمها ودعم الإيطاليين لما استطاع السراج الصمود أمام حفتر المدعوم بدوره من أطراف خارجية أخرى.

ويبدو أن تركيا أردوغان تتعامل مع ليبيا باعتبارها إيالة طرابلس العثمانية القديمة التي حكمتها العائلة القرمنلية وبالتالي صاحبة حقوق تاريخية في هذه الأرض الغنية بالنفط والغاز والتي تسيل لعاب القوى الإقليمية و الدولية. وتتعامل إيطاليا بدورها مع ليبيا باعتبارها المستعمر السابق للشمال الذي تم طرده من قبل الحلفاء في الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة دول المحور وبالتالي ترى روما نفسها صاحبة حق تاريخي في ثروات هذا البلد التي "حرمت منها".

وتعتبر فرنسا، المستعمر السابق للجنوب الليبي، نفسها صاحبة حق في ثروات ليبيا وتتصارع على النفوذ مع إيطاليا التي ترعى أيضا مصالح الولايات المتحدة وبريطانيا. كما تدعم فرنسا خليفة حفتر إضافة إلى دول أخرى في عملية سيطرته على الأراضي الليبية والقضاء على حكومة السراج وتدفع بالرئيس التشادي إدريس ديبي إلى دعمه سواء مباشرة أو من خلال ميليشيات دارفورية موالية لنظام نجامينا الذي حاربه حفتر سابقا في زمن القذافي.

حرب أجندات

اما في الداخل الليبي فهناك انقسام واضح بشأن اتفاقية ترسيم الحدود بين انقرة وطرابلس مع ما تحمله من اخلالات بالتوازن والمعادلات بين الطرفين لصالح تركيا. في هذا السياق اعتبر الناشط الحقوقي والسياسي خالد الغويل في حديثه لـ " العهد" أن الدور التركي متداخل منذ سنة  2011 مع الحلف الأطلسي مضيفا: "الاتفاقية التي وقعت هي ترسيم للحدود البحرية وهذا ما أثار حفيظة اليونان ومصر وقد أكدنا مرار ان ما يحدث في ليبيا هو حرب اجندات وحرب بالوكالة وبالنسبة لتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات لا يجوز لأي حكومة ان تمسّ من هيبة وسيادة الوطن ومثل هذه الاتفاقيات او غيرها تعبّر عن إرادة الشعب الليبي وهو من يقرر وفق برلمان منتخب وحكومة يرتضيها الشعب الليبي". ودعا محدثنا الى مراجعة كل الاتفاقيات التي أبرمت من عام 2011 مشيرا الى انها اذا كانت  لصالح الشعب الليبي سيصادق عليها وأما غير ذلك فستكون في حكم البطلان على حد قوله.

مهما يكن من أمر فإن توقيع مذكرتي تفاهم، الأولى حول التعاون الأمني والعسكري، والثانية بشأن تحديد مناطق النفوذ البحرية، من شأنه ان يغير موازين القوى في شرق المتوسط ويساعد انقرة في استكمال أهدافها وأدوارها المثيرة للجدل في ليبيا.

وبالنسبة لأنقرة يشكل هذا الاتفاق خطوة هامة لها يمكنها من التحرك بسهولة في هذه المنطقة، وهو انعكاس لأطماع تركيا في استخراج وتشغيل موارد الطاقة البحرية في منطقة غنية بالنفط والثروات الطبيعية التي تثير أطماع الدول الكبرى، حتى ان البعض يطلق على ما يدور في ليبيا من معارك وصراعات "حرب النفط" التي تجري تحت مسميات عديدة وبأدوات مختلفة.

ويبدو المشهد العسكري في ليبيا مقبلًا على سيناريوهات عديدة بعد  تمادي الرئيس التركي في تدخله في ليبيا مستغلا مذكرة التفاهم مع حكومة الوفاق، وإبداء استعداد بلاده لإرسال قوات لدعم الوفاق في حال طلب منه السراج ذلك. ولعل أخطر السيناريوهات هو قيام المشير حفتر بالرد على هذا الاتفاق مما يؤشر الى مزيد من تصعيد الوضع في بلد يعاني شعبه من ويلات الحرب الدائرة منذ قرابة تسع سنوات دون توقف.

تركياليبيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة