طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

لماذا يشكل العراق نقطة ارتكاز الاستراتيجية الاميريكة في الشرق الاوسط؟
08/12/2019

لماذا يشكل العراق نقطة ارتكاز الاستراتيجية الاميريكة في الشرق الاوسط؟

شارل ابي نادر
ما يجري حاليا في العراق من غليان وعدم توازن سياسي وامني واجتماعي واقتصادي، ليس جديدا او طارئا على الدولة الحاضنة لاكثر الازمات واشدها خطورة وحساسية في الشرق الاوسط منذ عشرات السنوات، وتاريخ العراق الحديث يشهد الكثير من النماذج المشابهة للازمة الحالية، وإن كانت بعضها باوجه مختلفة عن اليوم، ولكنها كانت دائما تدخل تحت عنوان واحد: ابقاء العراق ضعيفا مشرذما وغير مستقراً.

الملاحظ في الازمات العراقية بشكل عام او في الحروب، ان هناك لاعبا اساسيا يظهر دائما في تلك الازمات، محركا او متدخلا او محرضا او فاعلا مباشراً او غير مباشر، او جامعا لاكثر تلك الصفات او لبعضها، وهذا اللاعب هو الولايات المتحدة الاميريكة، وتدخلاتها الديبلوماسية الفاضحة والمكشوفة دائما، وحروبها المدمرة او تدخلاتها العسكرية بمئات الاف الجنود، وقواعدها الثابتة والمتحركة في العراق، خير دليل على هذه المعادلة الثابتة.

لقد ظهرت التدخلات الاميركية في العراق على شكل تدخل مباشر عبر اكثر من عمل عسكري، في حرب الخليج بعد غزو صدام حسين لدولة الكويت، ولاحقا الغزو الاميركي للعراق واحتلاله على خلفية الادعاء الكاذب بامتلاكه اسلحة نووية، اوعبر التدخل الاقتصادي او السياسي كما يحدث حاليا ويظهرعلى شكل تدخل غير مباشر، عبر ما يشبه التحريض على السلطة ومعارضتها، او التوجيه نحو ثورة او ما يشبهها ضدها، اوالدفع باية وسيلة، مالية او طائفية او قومية، نحو الاعتصام او التسبب بفوضى اجتماعية او امنية ...

فلماذا تعطي واشنطن دائما هذه الاهمية المطلقة لتدخلها المباشر في العراق ؟  وماذا يشكل العراق بالنسبة لاستراتيجيتها ؟ وماذا يمكن ان يقدم لها العراق من نقاط وامكانية تأثير في الشرق الاوسط او على المسرح الدولي؟

جغرافيا: يمتاز العراق بموقع جغرافي مميز في وسط الشرق الاوسط، حيث يملك حدودا مشتركة مع كل من ايران وتركيا وسوريا والاردن والكويت والمملكة العربية السعودية، مع واجهة بحرية على الخليج. ويكفي ذكر تلك الدول وخصوصيات وادوار كل منها في صراعات الشرق الاوسط، لكي نستنتج قدرة وإمكانية التأثير الجغرافي المباشر بين العراق وبين اي دولة من الدول المذكورة، لناحية الارتباط الحدودي عبر مئات المعابر الرسمية وغير الرسمية، او عبر الاراضي المكشوفة الواسعة، والتي يصعب ضبطها امنيا واداريا بشكل كامل حيث تسهل عمليات التسلل والهجرة غير الشرعية والاختراقات الامنية المتبادلة.

اقتصاديا: يملك العراق خامس احتياطي نفطي في العالم، ويُعتبر استخراجه من الاسهل عالميا والاقل تكلفة، كون الآبار باغلبها عائمة او شبه عائمة على سطح الارض، وما زال هناك الكثير من الآبار غير مكتشفة، بسبب توالي الحروب والازمات التي اضعفت قطاعات الاقتصاد والانتاج واستخراج النفط، بالاضافة لامتلاكه للثروة المائية والتي هي نادرة في اغلب دول الخليج، إذ يمر في العراق نهري دجلة والفرات مع عدة روافد مكملة للنهرين، بحيث يتم توزيع المياه  بشكل متوازن على اغلب المحافظات العراقية.

ديموغرافيا: تتنوع في العراق الطوائف والمذاهب والاثنيات والاعراق والثقافات بشكل واسع، ومنها من وُلِد وسكن العراق اساسا ومنها من هاجر اليه واستوطن فيه، وهذه الميزة اوجدت الارض الخصبة المناسبة لعدة انواع من الصراعات، عُمل على تغذيتها من الخارج، ودائما كشرارة حرب او ازمة كبرى وبالتالي كفرصة للتدخل الخارجي.

انطلاقا من ذلك، اكتسب التدخل الاميركي في العراق اهمية بالغة  كعنصر اساسي من عناصر إستراتيجية واشنطن في المنطقة والعالم، كونه نقطة ارتكاز اساسية داخل الشرق الاوسط،  مع اهمية وحساسية وخصوصية ما تحتويه المنطقة والخليج من مخزون هائل من النفط والغاز، وكونه يشكل النقطة المناسبة للتاثير، انطلاقا منه في عدة اتجاهات جغرافيا وطائفيا، بالاضافة لما يمكن ان يلعبه الميدان العراقي، والمرتبط  جغرافيا ومذهبيا بايران، من امكانية تأثير او استهداف مباشر داخل الاخيرة.
 
ايضا، وكما يلعب العراق دورا مهما لناحية قدرة التأثير في ايران او عليها، يلعب الميدان العراقي او الساحة العراقية دورا فاعلا ومؤثرا في الداخل السوري، وهذا الموضوع اثبتته الاحداث والمعارك الاخيرة المرتبطة بالحرب على الارهاب وعلى داعش بالتحديد، وكيف استغل التنظيم الارهابي التواصل الجغرافي العراقي السوري، لكي ينمو وينتشر ويتمدد، مستفيدا من غطاء ودور اميركي خفي، استطاعوا ان يلعبوه بداية، انطلاقا من تواجدهم العسكري المباشر في العراق، ولاحقا بعد تدخلهم العسكري واحتلالهم لاراض من الشرق السوري.

كما وان التدخل الاميركي المباشر وغير المباشر عبر توجيه ودفع العراق ايام صدام حسين، نحو احتلال الكويت او نحو الضغط على بعض الدول الخليجية، او نحو الضغط على سوريا وتهديدها، امَّن الارضية المناسبة لادخال وتثبيت الكثير من القواعد العسكرية الاميريكة في المنطقة، والتي ما زالت  تشكل عنصر التاثير الاكبر في تقوية النفوذ الاميريكي في المنطقة والعالم.

من هنا، يعتبر العراق نقطة الارتكاز الاكثر اهمية في استراتيجية واشنطن في المنطقة والعالم، وذلك بسبب هذه الميزة الجغرافية التي يتمتع بها، ومع هذه الخصوصية الديموغرافية من التنوع وتعدد المذاهب والطوائف والاثنيات، بالاضافة لما يملك من ثروات، يبدو انه سيبقى نقطة الاستهداف الاميريكي الاولى في المنطقة والعالم.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات