ramadan2024

خاص العهد

منذ عهد شمعون حتى اليوم..لبنان ساحة لتدخلات أميركا
25/11/2019

منذ عهد شمعون حتى اليوم..لبنان ساحة لتدخلات أميركا

فاطمة سلامة

لدى سؤالنا أحد المتخصّصين في الشأن الأميركي عن تاريخ التدخل الأميركي في لبنان، يأتينا الجواب كالتالي: نحن بحاجة الى ثلاثة أيام متواصلة للإجابة عن تفاصيل تدخلات الولايات المتحدة في شؤوننا. برأيه، فإنّ قصّة لبنان مع "الوقاحة" الأميركية طويلة، بدأت منذ عقود بعيدة، وتستمر حتى وقتنا الحالي. وربما يحتاج الحديث عنها الى "مجلّدات" للإلمام بكافة محطاتها وتفاصيلها، منذ عهد الرئيس الثاني للبنان كميل شمعون وتحديداً عام ١٩٥٨، حيث شهد لبنان أوّل تدخل أميركي مباشر في شؤونه، حتى "الحراك" الذي نشهده اليوم والذي اندلع في 17 تشرين الأول/اكتوبر المنصرم. أكثر من خمسة عقود، لم توفّر فيها واشنطن مناسبة أو محطّة إلا وحشرت أنفها لتنفيذ سياساتها ومخططاتها. 

أستاذ التاريخ والعلاقات الدوليّة في الجامعة اللبنانيّة الدكتور جمال واكيم يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن تاريخ التدخل الأميركي في لبنان، فيوضح أنّ نفوذ الولايات المتحدة الأميركية الذي بدأ يتصاعد عقب الحرب العالمية الثانية، تبعه الكثير من التدخلات السياسية والعسكرية والاقتصادية في لبنان والمنطقة. أول تدخل أميركي مباشر في لبنان كان في عهد الرئيس كميل شمعون. فبعد أن كان النفوذ البريطاني سائداً في بلدنا بعد عام 1952 نتيجة تراجع النفوذ الفرنسي، دخلت الولايات المتحدة الأميركية بقوة الى لبنان بعد هزيمة البريطانيين عام 1956، إثر العدوان الثلاثي على مصر، والذي ترجم بتسوية غير مباشرة بين الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر والولايات المتحدة الأميركية، ما أدى الى مجيء فؤاد شهاب حينها رئيسًا للجمهورية اللبنانية يمثّل سياسة الولايات المتحدة الأميركية، وفق ما يقول واكيم. 

ويُشدّد أستاذ التاريخ والعلاقات الدوليّة على الدور الأميركي الواسع الذي لعبته الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 1967 حتى عام 1975، والذي كان فيه للمخابرات الأميركية دور كبير في الأحداث التي شهدتها الساحة اللبنانية. يمكن في هذا الصدد استحضار كتاب "ميادين التدخّل: السياسة الخارجيّة الأميركيّة وانهيار لبنان ١٩٦٧ ــ ١٩٧٦" للكاتب جيمس ستوكر. هذا الكتاب يستند الى الأرشيف الأميركي الذي جرى تجميعه من دوائر استخبارية وسجلات وزارة الخارجية وغيرها من المصادر. وقد بيّن الكتاب في صفحاته ضلوع واشنطن في إشعال الحرب الأهليّة اللبنانية وإذكاء نارها عبر تجنيد حلفاء واشنطن في بيروت ودعمهم بكافة الإمكانيات. يوجّه واكيم سؤالاً: "لماذا استمرّت الحرب الأهلية 15 عاماً رغم أنّ الوثيقة الدستورية التي قدّمت إبان اتفاق الطائف قدّمت عام 1976؟". يسأل الخبير في العلاقات الدولية هذا السؤال ليوضح أنّ الحرب الداخلية اللبنانية استمرّت 15 عاماً لأنّ اللاعبين على أوتارها عملوا على جعلها متناغمة مع إيقاع المصالح الأميركية  في المنطقة لعدة أسباب ومنها ابتزاز سوريا والضغط عليها للقبول بـ"السلام" مع كيان العدو. 

ومن المفيد هنا استذكار شهادة الدبلوماسي الأميركي روبرت أوكلي ـ وهو الذي خدم في عدد من سفارات أميركا في الشرق الأوسط ومن بينها لبنان (1971 و1974) ـ إذ قال ان الحكومة الأميركية دعمت "الميليشيات" المارونية بالمال والسلاح حتى قبل عام ١٩٧٣، لتغذي الحرب اللبنانية التي استمرّ الدعم الأميركي لها قائماً طيلة سنوات الحرب. وتبيّن المذكّرات الأميركيّة الدبلوماسيّة كيف كان السفير الأميركي في فترة من الفترات حاكماً بأمره، وشريكاً فعلياً في الحكم. إذ بيّنت الوثائق أنّ أحد السفراء الأميركيين كان مرشداً أعلى للرئيس اللبناني في منتصف الستينيات، إذ لا يقدم اللبناني على خطوة إلا ويستشيره بها. 

وفي هذا الصدد، يوضح واكيم أنّ الولايات المتحدة الأميركية لطالما اختارت أدوات لها في الداخل اللبناني لتنفيذ سياساتها سواء في الحروب العسكرية التي حصلت أو من خلال ممارسة الضغوط السياسية ووضع سياسات اقتصادية تجعل من لبنان تابعاً للخارج. النقطة الأخيرة ترجمت من خلال العقوبات التي وضعت على القطاع المصرفي في لبنان من قبل واشنطن وهي تعلم أنّ نظامنا الاقتصادي هش، لكنها تستخدم مع وكلائها هذه النقطة للضغط علينا وتنفيذ مصالحها.  

ويتطرّق واكيم على "عجالة" الى الحروب الصهيونية التي شُنّت على لبنان، لافتاً الى أنّ كل تلك الحروب والمجازر التي شُنّت أتت بضوء أخضر أميركي، شرّعت فيه واشنطن كافة أشكال الدعم للكيان الصهيوني. حتى القرارات الدولية جميعها نصبت فيها الولايات المتحدة الأميركية نفسها محامياً للدفاع عن "إسرائيل" حسبما يُشدّد واكيم. 

ولا شك أنّ سفارة عوكر شاهدة على كافة التدخلات الأميركية في شؤوننا الداخلية، وكيفية استغلال اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري لتذكية الفتنة الداخلية، ودعم ما تسمى قوى ثورة الرابع عشر من آذار. تماماً كما التدخلات السياسية المتكرّرة في الملف النفطي والعروض الأميركية التي لم تخرج يوماً عن سياق المصالح "الاسرائيلية". وبالتأكيد إذا أردنا سرد التدخلات الأميركية في السياسة اللبنانية وسياسة اللعب على الحبال التي انتهجتها فإننا نحتاج لسلسلة مقالات، خصوصاً أنّ واشنطن لطالما عملت مع أدواتها على مبدأ "في كل عرس قرص" والشواهد كثيرة في هذا الملف، ولا زالت حتى تاريخنا هذا حيث تعمل واشنطن على عرقلة تشكيل حكومة في لبنان إلا وفق شروطها وخياراتها لتنفيذ مصلحتها العليا.
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد