طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

حين تحاضر
25/11/2019

حين تحاضر "المنامة" بالعفة.. وتعيش الرياض أوهامها

ايهاب زكي

على وقع تصريحات وزير الخارجية البحريني التي قال فيها إنّ "النفوذ الإيراني في لبنان عبر حزب الله أصابه بالشلل"، انعقد في العاصمة البحرينية ما يُعرف بـ"مؤتمر المنامة للحوار".

هذان السطران يكفيان للخروج بمفارقاتٍ تضج بالسخرية، ففي المنامة مثلاً ملك لا يحاور مواطنيه إلّا بالنار منذ ثمانية أعوام، ووزير خارجيته رغم عدم لياقته البدنية، إلّا أنّه الأسرع في مضمار التطبيع مع العدو الصهيوني، وإذا كان النفوذ الإيراني أصاب لبنان بالشلل، فهل أصاب النفوذ الأمريكي "الإسرائيلي" السعودي البحرين بالحركة؟ وإصابة البحرين بالحركة هي استنتاجٌ صحيح، حيث إنّها حركة الهرولة إلى "تل أبيب" في طريق باتجاه واحد، فالشهر الفائت استضافت البحرين مؤتمراً دولياً للأمن بمشاركة "إسرائيل"، وهو مؤتمرٌ تحريضي على إيران، وقال الوزير البحريني في افتتاح المؤتمر بصيغة الجمع "علينا حماية بلداننا من الدول المارقة"، وهذا الجمع بالحماية يشمل "إسرائيل" من الدول "المارقة" التي هي إيران، وهذا المقام لا يكفي لتعداد الشواهد المتكدسة في السمعيات والمرئيات والمقروءات، عن مدى هرولة البحرين نحو"إسرائيل".

إنّ البحرين تعمل كقناعٍ تستتر خلفه العقيدة السعودية تجاه "إسرائيل"، رغم أنّ السعودية لا تحاول إخفاء ذيليتها للإرادة الأمريكية مهما جنحت، والهرولة السعودية للتطبيع عبر البحرين، تجنّب آل سعود الحرج أمام العالم الإسلامي كادعاء خدمة الحرمين من جانب، ويعفيهم من شبهة أنّ عداءهم لإيران ومحور المقاومة هو ذو خلفياتٍ ومنطلقاتٍ "إسرائيلية" حصراً. ومن جانب آخر فإنّ الوجود "الإسرائيلي" المعلن في البحرين وكل دول الخليج باستثناء الكويت، يجعل الأمر أكثر اعتياداً وبالتالي أكثر يُسراً، وقتما حان إشهار العلاقات السرية بين "إسرائيل" والمملكة السعودية. وهو توقيت له علاقة بأزمات الحكم في العائلة المالكة، والأهم أنّ له علاقة بالأشخاص والانتخابات في كلٍ من أمريكا و"إسرائيل"، والأكثر أهمية علاقته بتراجع حظوظ ما يسمى بـ"صفقة القرن" ومنجزات محور المقاومة. فالسعودية لا تريد خسران المزايدة  بالورقة الفلسطينية أمام العالمين العربي والإسلامي، باعتبار أنّها تتعامل معها كورقةٍ للمزايدة، لا تريد تركها كلياً لمحورٍ يسجل النقاط ويراكم الإنجازات، خصوصاً أنّ السعودية تحاول إيهام الرأي العام العربي والإسلامي بثباتها على الالتزام بالقضية الفلسطينية، وهو ثباتٌ في طريق الانحدار، بدأ من تدخل الملك السعودي المؤسس لقيادة الثورة الكبرى في فلسطين عام 1936 لوقف الثورة اعتماداً على حسن نوايا بريطانيا، ومروراً بمبادرة الملك فهد عام 1981 للسلام حين كان ولياً للعهد، وصولاً لما يسمى بمبادرة السلام العربية التي قدمها الملك عبد الله حين كان ولياً للعهد.

وآخر المواقف السعودية في هذا الصدد تصريحات وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير في مؤتمر المنامة للحوار، حيث كان متشدداً تجاه إيران وتوعدها بالمحاسبة، وهذا يتنافى مع المواقف السعودية الجانحة للهدوء في الفترة الأخيرة، والأرجح أنّ هذا التشدد منبعه "الحراك" في كلٍ من لبنان والعراق وإيران. فالولايات المتحدة تعتبر أنّها استطاعت تضييق الخناق على محور المقاومة عبر التحركات المطلبية، وقد جاءت الفرصة ليقدم هذا المحور تنازلاتٍ تصب في مصلحة النفوذ الأمريكي و"إسرائيل"، حتى تركيا تشددت في الشمال السوري إلى حد تعبير وزارة الدفاع الروسية عن دهشتها من السلوكيات والتصريحات التركية، رغم الانعقاد الدائم لطاولة الحوار البينية والاتفاقيات الموقعة بين الرئيسين بوتين وأردوغان بخصوص ما يسمى"المنطقة الآمنة". ودوافع التشدد التركي لا تختلف في منطلقاتها عن دوافع التشدد السعودي، حيث الاعتقاد الأميركي بأنّ محور المقاومة يعيش حالة من الضغط، تعتقد أنّ بإمكانها استغلاله للحد الأقصى وتسجيل النقاط، وقد تدخلت بشكلٍ مباشر حين أعلنت بقاء 500 جندي في الشمال السوري، وهذا يؤدي لاستنتاجٍ مؤدّاه أنّ الحراك في الساحات المشتعلة لن يتوقف قريباً، حيث سيتم العمل على تسعيره لاستكمال أهدافٍ هي أبعد ما يكون عن المطالب التي أخرجت الناس إلى الميادين.

واللافت في الأمر أنّ محور المقاومة حتى اللحظة لم يستخدم أياً من أوراق قوته باستثناء تصريحين متلاحقين للرئيس الأسد، وانحسار الحراك في إيران والإعلان عن مليونية لتأييد الدولة ورفض التخريب. ففي لقائين متتابعين أرجأ الرئيس الأسد في اللقاء الأول مواجهة الوجود الأمريكي لحين الانتهاء من المعركة مع الإرهاب حسب سلم الأولويات الميدانية الموضوع مسبقاً، ولكنه في اللقاء الثاني بدا أنّه يقرّب موعد تلك المواجهة، ويمكن الاستنتاج من هذا التلاحق أنّها رسالة سياسية أكثر منها رسالة ميدانية، كالتلويح بالعصا لا استخدامها راهناً، والحقيقة أنّ محور المقاومة اعتاد تحويل المحنة إلى منحة، فالفساد الذي أخرج الناس إلى الميادين هو نقيض المقاومة، حيث إنّه ليس فساداً مالياً وإدارياً وقانونياً فقط، بل هو فسادٌ سياسي أو بالأحرى إنّ أصله فساد سياسي، يستهدف المقاومة بالدرجة الأولى فكراً ونهجاً ووجوداً. ومن المفارقات المثيرة للسخرية أنّ الفساد يحاول حمل لواء محاربة الفساد في وجه المقاومة، ولكن حقيقة المشهد وإن بدا ظاهره على غير باطنه، فإنّ الولايات المتحدة وأدواتها يعانون الأزمة لا العكس، حيث انسداد أفق استخدام القوة الخشنة ضد المقاومة، وهو ما يجعل خيار البقاء في الشارع والرهان على الضغط الاقتصادي والمالي رهاناً آيلاً للتآكل مع الوقت.

السعودية

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف