ramadan2024

آراء وتحليلات

ما هي خطة واشنطن في لبنان؟
20/11/2019

ما هي خطة واشنطن في لبنان؟

 محمد أ. الحسيني

كانت بيروت منذ مطلع العام الحالي مسرحاً لجولات وزيارات ملفتة للمسؤولين الأميركيين، وكان أبرزها لوزير الخارجية الأميركية (المخابراتي) مايك بومبيو في آذار الفائت، مع ما حمله من أجندة بأهداف واضحة ومحدّدة، وأكمل فيها البرنامج الذي بدأ بتنفيذه مساعده ديفيد شينكر وقبله ديفيد سترفيلد وديفيد هيل، وقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل. وجاء الصوت الأمريكي عالياً هذه المرة في إعلان تدخّله السافر في الشؤون الداخلية للبنان. وتمثّلت هذه الأجندة القديمة - الجديدة في مجموعة من العناوين أهمها:

- التحريض على حزب الله وسلاحه، ومنعه من المشاركة في الحكومة أو تولّيه وزارات وازنة.
- إلزام الحكم بتنفيذ العقوبات الأميركية المفروضة على حزب الله، ولا سيما المالية منها.
- قطع أي إمكانية أمام لبنان للانفتاح السياسي والاقتصادي على سوريا والعراق وإيران.
- عرقلة الجهود اللبنانية أمام عودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلادهم.
- تأكيد الانحياز للكيان الصهيوني في ملف ترسيم الحدود البريّة والبحريّة.
- منع أي إمكانية للبنان في البدء باستخراج واستثمار ثروته النفطية والغازية في مياهه الإقليمية.
- قطع الطريق أمام الشركات والمؤسسات اللبنانية الرسمية وغير الرسمية لعقد اتفاقات استثمارية مع إيران والصين وروسيا، في مجالات الكهرباء والنفايات والمواصلات وغيرها من المجالات الحيوية.

    هذه البنود - الأهداف، التي لم تعد خافية على أحد، تندرج في إطار سياسة الولايات المتحدة التي تقود بمجموعها إلى تحقيق التالي:

-   خلق أزمة سياسية - اقتصادية ضاغطة تؤدي بالنتيجة إلى إسقاط النظام في لبنان، أو إضعافه وتفريغه من مضمونه وتأثيره، وصولاً إلى إنهاء الحالة السياسية السائدة حالياً، والتي فقدت فيها واشنطن نسبة كبيرة من نفوذها على مستوى القرار السيادي.

عمدت الإدارة الأمريكية إلى توفير الأرضية الملائمة سعياً لضرب الصيغة الحالية للنظام القائم، وصولاً إلى خلط الأوراق وإعادة ترتيبها من جديد

-  إشغال حزب الله بملفّات داخلية، وصولاً إلى فكّ تحالفه مع مكوّنات الدولة في لبنان ونسيجه الحزبي والسياسي، بما يقود إلى إضعاف نفوذه، وإعادة "التوازن" إلى الساحة الداخلية.

-  إجهاض دور حزب الله في سياق المواجهة مع الكيان الصهيوني، وإخراجه من خارطة التحالفات الإقليمية، وعزله عن معادلة الصراع بين محور المقاومة وبين الولايات المتحدة والحلف الغربي بشكل عام.

- الترويج لفرض مشروع توطين الفلسطينيين في لبنان، وهو يحظى بموافقة الدول العربية.

- التأكيد على التزام واشنطن بحفظ الحلف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني وضمان أمنه.

- لملمة أشلاء حلف واشنطن في لبنان المتمثل بقوى 14 آذار، وتوفير الدعم والغطاء لتحرّكه السياسي، والتركيز على الدور الدعائي المواكب لمسار تنفيذ الأهداف الآنفة الذكر، إلى جانب التحريض على حزب الله ورئيس الجمهورية.

لا يمكن لواشنطن - وعلى مدار الحكومات المتعاقبة الديمقراطية أو الجمهورية - أن ترى استقرار لبنان وقدرته على الأخذ بناصية قراره المستقل عن التدخلات الأمريكية المباشرة، فكيف هو الحال وحزب الله موجود في هذه الحكومة وبقوة مع وزارة وازنة (وزارة الصحة)، بعد أن فشلت الضغوط الغربية في منع تشكيلها وعدم تمثّل حزب الله فيها؟ فضلاً عن أن القوى الحليفة للولايات المتحدة فقدت أكثريتها في البرلمان.

وعليه عمدت الإدارة الأمريكية إلى توفير الأرضية الملائمة سعياً لضرب الصيغة الحالية للنظام القائم، وصولاً إلى خلط الأوراق وإعادة ترتيبها من جديد. وكانت الخطوة الأساسية الدفع قدماً باتجاه تعميق الأزمة الاقتصادية في لبنان، في ظل غياب أو نفي أي احتمال للتدخل العسكري سواء بشكل مباشر أو بالإنابة باليد الإسرائيلية. وفي هذا الإطار تلفت مصادر متابعة الانتباه إلى الزيارات المتتالية التي أجراها أرباب القطاع المصرفي والمالي في لبنان إلى واشنطن في الفترة التي سبقت انطلاق الحراك المطلبي، وما تلاها من خطوات وقرارات للمؤسسات المالية، بالتزامن والتقاطع مع القرارات التي أصدرتها الحكومة، والتي أدّت إلى إرهاق الشعب اللبناني بذريعة تأمين الوفر اللازم لتمويل الموازنة.

ولا يقف السعي الأمريكي عند حدود استهداف النظام وضرب الاستقرار في لبنان، ولا في بث مواطن الخلاف بين القوى السياسية وزرع بذور الفتنة والخلاف بين الطوائف الدينية، بل يحرص على نشر وإشاعة حالة التخويف من مغبّة تدهور الأوضاع باتجاه نشوب حرب في الدائرة الإقليمية، وانعكاسها على الدائرة الداخلية في لبنان، وتحميل المسؤولية إلى حزب الله ومن يتحالف معه. وقد ركّز مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر الصهيوني الهوى والتأييد، والذي زار بيروت مؤخراً، في محادثاته مع المسؤولين الذين التقاهم، على الوضع الأمني، وقدرات المقاومة والصواريخ التي تملكها، مهدّداً أن واشنطن ستفرض عقوبات على كل من يدعم حزب الله بغض النظر عن ديانته، وهو تهديد مباشر للقوى السياسية اللبنانية ولا سيما "التيار الوطني الحر" بأنه سيكون على لائحة الاستهداف الأمريكية، ودعوة صريحة لهذه القوى لفكّ ارتباطها مع الحزب تلافياً للعقوبات.

 يرى منظّرو التسويات أن العلاقات الدولية تُبنى على المصالح، وعليه فإنّ مصلحة لبنان تكمن في العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتماهي مع سياستها وليس معارضتها، تلافياً للمزيد من العقوبات والعزل السياسي والاقتصادي، وهذا ما يحتّم على لبنان العودة إلى الحظيرة الأمريكية، وعدم التفكير في التوجّه شرقاً لأنّ هذا الخيار سيستدرج خطراً مؤكّداً على لبنان، إلا أن نظرة سريعة على تاريخ التجارب مع الولايات المتحدة، التي خاضتها الدول والأحزاب والتيارات وحتى منظمات المجتمع المدني والشخصيات، تقود إلى خلاصة مفادها أن أياً من هذه الكيانات لم تجد سبل استمرارها أو استقرارها، بل كانت مجرد أداة تستنزف واشنطن قدراتها وتنفّذ بواسطتها مآربها وأهدافها، ومن ثم تستغني عنها أو تتخلّى عنها عند انتهاء صلاحيتها، أو تقضي عليها حين ترى في استمرار وجودها خطراً على تحقيق الأهداف المرسومة.

إن الجميع مدعوّ لقراءة الموقف بدقة، لا سيما في ظل الوضع الحساس الذي يمر به لبنان والمنطقة، وإعادة رسم مساره من جديد باتجاه توثيق أواصر الوحدة الداخلية وعدم السير في ركاب السعي الأمريكي لتفتيت لبنان، فالأوان لم يفتْ بعد.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات