يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

عن
16/11/2019

عن "هيكلية" القضاء المتشعّبة والسياسة التي تصادر صلاحياتها

فاطمة سلامة

لمجرّد أن يُفتح ملف الفساد، سرعان ما يتوارد الى المخيلة صورة القضاء في لبنان. صورة شوّهتها التدخلات السياسية والمحسوبيات، وصكوك "البراءة" الموزّعة يمنة ويسرة على مدى عقود، جراء المال السياسي. صورة للأسف عملت على التقليل من قيمتها الكثير من العوامل، التي جعلت القضاء بلا هيبة، وجعلت الذهاب الى المحكمة أشبه بموعد "عادي" جداً. صورة لم يعد بموجبها "العدل أساس الملك" قاعدة ثابتة. السلطة السياسية باتت "دخيلا" يأمر وينهى في الكثير من الملفات القضائية. بمعنى أدق، بات لرجالات السياسة الكلمة "الفصل" في إثارة أي ملف وصرف النظر عنه، حتى ولو كانت التهمة اختلاس المال العام ونهبه. هناك استسهال واضح في هذا السياق أوجدته "العقلية" الخاطئة التي طوّعت السلطة القضائية لخدمة السياسة. وبالتالي لم يعد القضاء بما يُمثّله من أهمية، لم يعد كياناً مستقلاً بل أضحى منظومة مصادرة الصلاحيات. ولكي لا يخرج من يقول إنّ في ما سبق مبالغة، لا بد من التذكير دوماً بأن هناك قضاة "نزيهون" لكننا نتحدّث عن الصفة الغالبة على العمل القضائي في لبنان، والدليل أنّه وفي ظل كل أنواع الفساد المستشري، فهناك قلة قليلة جداً جداً من الذين حوكموا تحت قوس العدالة. 

والجدير ذكره، أنّ باستطاعة السلطة القضائية فعل الكثير. باستطاعتها قلب الصورة 180 درجة، لو أنها بقيت بمنأى عن فضول وحشرية، لا بل "وقاحة" السياسيين واستغلال يدهم الطولى لتسيير الملفات في القضاء الذي يشكّل إحدى السلطات الثلاث في لبنان. وقد أقرّت المادة 20 من الدستور اللبناني بوجوب قيام المحاكم القضائية إذ نصّت على ما يلي: "السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة وللمتقاضين الضمانات اللازمة. أما شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون. والقضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والأحكام من قبل كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني". هذا في الدستور، أما في الواقع فالأمر بالتأكيد يختلف. فممَّ تتألف المنظومة القضائية في لبنان؟. 

أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام اسماعيل يُشدد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّنا إذا أردنا رسم هيلكية تنظيمية للدولة، نلاحظ أن القضاء هو الغلاف الخارجي الذي يحيط بكافة الأنشطة العامة والخاصة ويخضعها لرقابته. يوضح أن الجهات القضائية اللبنانية تتعدّد، وهي تنقسم إلى قسمين كبيرين لكل قسمٍ فروعٍ عديدة. يضمُّ القسم الأول جهات القضاء التي تفصل بمنازعة أو تبيِّن حكم القانون في قضية أو مسألة تكون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها وتشمل: المجلس الدستوري – مجلس شورى الدولة – ديوان المحاسبة – المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وعدد كبير من الهيئات الإدارية ذات الصفة القضائية مثل: لجان الاستملاك- لجان الاعتراض على الضرائب والرسوم- الهيئة المصرفية العليا، الهيئة العليا للتأديب... 

أما القسم الثاني فيضم بحسب ما يذكر اسماعيل جهات القضاء العدلي، وتشمل جهات القضاء التي تبيِّن حكم القانون وتفصل بمنازعات بين أفراد وهيئات القانون الخاص، ومن أمثلتها: القضاء المدني بفروعه- القضاء الجزائي بفروعه، قضاء الأحوال الشخصية، والهيئات الإدارية ذات الصفة القضائية التابعة للقضاء العدلي، كمجلس الضمان التحكيمي واللجان الجمركية(..). 

ولا شكّ أنّ الاحاطة بهيكلية القضاء تحتاج الى سلسلة من المقالات للالمام بكافة جوانبها، وللحديث عن نشأتها وصلاحياتها. ويبدو من المفيد الاشارة الى المحاكم الموجودة في لبنان والتي يمكن تقسيمها بين المحاكم العادية والاستثنائية. إذ يتولّى القضاء المدني بصورة عامة: محاكم الدرجة الأولى، محاكم الاستئناف، محكمة التمييز. أما بصورة استثنائية، فتتولّى محاكم خاصة أو متخصصة النظر في بعض المنازعات وفق القوانين والانظمة الموضوعة لها وأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية التي لا تُعارضها. وسوف نتتطرّق في هذا المقال الى المحاكم العادية* والتي تتألف من: 

أولاً: محاكم الدرجة الأولى

بتاريخ 16/10/1961 صدر قانون التنظيم القضائي الذي أنشأ نظام القاضي المنفرد إلى جانب الغرفة بالنسبة لمحاكم الدرجة الأولى، بحيث أصبحت محكمة الدرجة الاولى تتألف من غرفة يتولاها رئيس وعضوين ومن قسم يتولاّه قاضٍ منفرد. وقد استمرّ الأمر على هذا النحو بعد صدور المرسوم الاشتراعي رقم 150 تاريخ 16/9/1983 (قانون القضاء العدلي).

-تشكيل محاكم الدرجة الاولى  

تتألف محاكم الدرجة الأولى من غرف، مؤلّفة من رئيس وعضوين، ومن أقسام، يتولّى القضاء فيها قضاة منفردون. يُطلق على غرف محكمة الدرجة الأولى تسمية "الغرف الابتدائية". ولا يجوز أن يُعيّن قاضياً منفردا إلاّ قاضٍ من الدرجة الثانية فما فوق. كما لا يجوز أن يُعيّن رئيس غرفة في إحدى محاكم الدرجة الأولى إلاّ قاضٍ من الدرجة الرابعة فما فوق.

يكون القضاة المنفردون في المبدأ في مراكز كلّ من الأقضية والمحافظات.

-اختصاصها 

-اختصاص الغرفة الابتدائية  
المبدأ أن الغرفة تُعتبر المحكمة العادية ذات الاختصاص الشامل في القضايا المدنية والتجارية، ولا يخرج عن هذا الاختصاص إلا ما كان متروكا بنص خاص إلى محكمة أخرى.
بمعنى أنّ الغرفة الابتدائية هي مُختصّة للنظر في الدعاوى غير المعيّنة القيمة وفي الدعاوى المعيّنة القيمة التي تتجاوز قيمتها المئة مليون ليرة لبنانية، باستثناء ما كان منها داخلاً بحسب ماهيّته ضمن اختصاص القاضي المنفرد أو ضمن اختصاص محكمة خاصة.

-اختصاص القاضي المنفرد  
ينظر القاضي المنفرد على وجه الحصر في القضايا المدنية والتجارية التالية:
الدعاوى الشخصية والدعاوى المتعلقة بمنقول أو غير منقول التي لا تزيد قيمتها على مئة مليون ليرة لبنانية، دعاوى النفوس باستثناء ما يتعلق بالجنسية، طلبات حصر الارث ما لم يعترضها نزاع حول تعيين الورثة أو تحديد الأنصبة الارثية، الدعاوى المتعلقة بعقود إيجار المنقول وغير المنقول والإدارة الحرّة مهما كانت قيمة البدل والدعاوى المتعلّقة بالاشغال مع جميع الطلبات والدفوع الملازمة لهذه الدعاوى، دعاوى قضاء الأمور المستعجلة، دعاوى الحيازة...

ثانياً: محاكم الاستئناف

-تشكيل محاكم الاستئناف

تتألّف محكمة الاستئناف من رئيس ومستشارَين، ويكون مركزها مبدئياً في مركز المحافظة.
لا يجوز أن يُعيّن رئيس غرفة لدى محكمة الاستئناف إلاّ قاضٍ من الدرجة السادسة فما فوق.
لا يجوز أن يُعيّن مستشارًا لدى محكمة الاستئناف إلا قاضٍ من الدرجة الرابعة فما فوق. 
والاستئناف هو طريق من طرق الطعن العادية، يُقدّم إلى محكمة الدرجة الثانية بقصد إبطال أو تعديل حكم صادر عن محكمة  الدرجة الأولى. والاستئناف هو تطبيق لمبدأ التقاضي على درجتين، ويترتب على تقديمه تعليق تنفيذ الحكم الابتدائي المستأنَف وذلك طيلة فترة النظر فيه، بالإضافة إلى أن مهلة الاستئناف توقف بحدّ ذاتها تنفيذ الحكم الابتدائي، وذلك ما لم يكن الحكم المُستأنف معجل التنفيذ.

-اختصاصها

تنظر محكمة الاستئناف في الطعن بالأحكام والقرارات القابلة للاستئناف والصادرة ضمن منطقتها، وذلك عن المراجع التالية:

عن محاكم الدرجة الأولى في القضايا المدنية والتجارية. 
عن دوائر التنفيذ واللجان والمجالس الخاصة في الأحوال التي ينص عليها القانون.
كما تنظر في طلبات ردّ قضاة محاكم الدرجة الأولى عن النظر في الدعاوى وفي أي طلب أو طعن آخر يوليها القانون النظر فيه.

ويطرح الاستئناف مجدّدا القضية المحكوم بها أمام محكمة الاستئناف للفصل فيها من جديد في الواقع وفي القانون، وهذا هو المفعول الناشر للاستئناف.

-الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف

لكل محكمة استئناف رئيس أول، يرأس عادةً الغرفة الأولى.
لا يجوز أن يُعيّن رئيسًا أولَ لدى محاكم الاستئناف إلا قاضٍ من الدرجة العاشرة فما فوق.
هو يسهر على حسن سير الأعمال في الدوائر التابعة له وتصريف الأعمال بصورة طبيعية. ويُطلع عند الاقتضاء رئيس مجلس القضاء الأعلى على الصعوبات التي تعترضه بهذا الشأن كما يحيطه علمًا بالقضايا الهامة الطارئة.

ثالثاً: محكمة التمييز

هي المحكمة العليا، التي تأتي على رأس المحاكم العدلية، ومركزها بيروت. تتألف من غرف حُدِّد عددها وعدد قضاتها وقضاة النيابة العامة لديها في الجدول الثالث الذي أُلحق بالمرسوم الاشتراعي رقم 150/1983.
تتألف كل غرفة من رئيس ومستشارَين اثنين. لا يجوز أن يُعيّن رئيس غرفة لدى محكمة التمييز إلاّ قاضٍ من الدرجة العاشرة فما فوق. ولا يجوز أن يُعيّن مستشارًا لدى محكمة التمييز إلاّ قاضٍ من الدرجة الثامنة فما فوق.

-اختصاصها

تنظر الغرفة المدنية في القضايا المدنية والتجارية التالية:
-طلبات تمييز الأحكام القطعية الصادرة عن محاكم الاستئناف في المواد المدنية والتجارية.
-طلبات نقل الدعوى من محكمة إلى محكمة أخرى من درجتها إذا تعذر تشكيل هيئة المحكمة لعدم وجود العدد الكافي من القضاة أو لاستحالة قيام المحكمة بأعمالها بسبب القوة القاهرة، أو إذا كان بين أحد الخصوم وبين القاضي المنفرد أو قاضيين ممن تتألف منهم المحكمة أو رئيسها قرابة أو مصاهرة من جهة عمود النسب أو من الحاشية لغاية الدرجة الرابعة أو لوجود سبب يبرر الارتياب بحياد المحكمة أو للمحافظة على الأمن العام.

يجوز الطعن بطريق التمييز للأسباب التالية:    
-مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تفسيره.
-مخالفة قواعد الاختصاص الوظيفي أو النوعي.
-التناقض في الفقرة الحكمية للقرار الواحد بحيث يستحيل تنفيذه.
-إغفال الفصل في أحد المطالب.
-الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه.
-فقدان الأساس القانوني للقرار المطعون فيه بحيث جاءت أسبابه الواقعية غير كافية أو غير واضحة لإسناد الحل القانوني المقرر فيه.
-تشويه مضمون المستندات بذكر وقائع خلافًا لما وردت عليه فيها أو بمناقضة المعنى الواضح والصريح لنصوصها.
-التناقض بين حكمين صادرين بالدرجة الأخيرة في ذات الدعوى عن محكمتين مختلفتين أو عن محكمة واحدة.

-الرئيس الاول لمحكمة التمييز
يرأس محكمة التمييز رئيس أول، يُعيّن بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل.
ولا يجوز أن يُعيّن رئيسًا أوّلَ لدى محكمة التمييز إلاّ قاضٍ من الدرجة الرابعة عشرة فما فوق.
وهو يرأس حكمًا مجلس القضاء الأعلى والمجلس العدلي والهيئة العامة لمحكمة التمييز والمجلس التأديبي للقضاة والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء ويتولى بالتناوب مع رئيس مجلس شورى الدولة رئاسة محكمة حلّ الخلافات، كما يمارس في ما خص محكمة التمييز الصلاحيات المالية والإدارية التي تنيطها القوانين والأنظمة بالوزير باستثناء الصلاحيات الدستورية.

 

*موقع وزارة العدل

إقرأ المزيد في: خاص العهد