ramadan2024

نقاط على الحروف

لتحكم المصلحة اقتصادنا
14/11/2019

لتحكم المصلحة اقتصادنا

يوسف الريّس

يقف لبنان أمام واقع اقتصادي متأزم يتسوّل استراتيجية اقتصادية جديدة لا تغرقه بدين عام جديد أو بمأزق الإفلاس. لا خيارات جوهرية أمام هذا الشعب الذي استفاق من سبات دام ثلاثين عامًا على وقع أزمة الدولار. الأزمة لم تنحل حتى الآن، فالتخبط هو حال المسؤولين. ما بين غياب رؤية اقتصادية عند بعض أطراف السلطة وما بين أرباب السياسة القائمة التي فشلت وتودي بلبنان إلى التهلكة، لم يعد لدى اللبنانيين خيارات كثيرة.

خرجت استراتيجية كانت محصورة في عقول الاقتصاديين وأساتذة الجيوسياسة إلى العلن عبر خطاب ألقاه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله نهار الاثنين المنصرم: لنتجه نحو الشرق ونفتح أبواب لبنان للاستثمارات الصينية. الفكرة الأساسية القابعة وراء هذا الطرح هي اهتمام الصين بمفاصل العالم التجارية.

الصين حاليًا أعلنت تبنيها لاستراتيجية واضحة تحت مسمى "BRI" أي الحزام والطريق. بنت الصين اهتمامها على أساس طرق التجارة التاريخية ما بين أوروبا وآسيا معتبرة بذلك أنها ستعيد مركزية العالم إلى الشرق. ومن هنا تتضح أهداف الصين ومصالحها بعائدات تجارية للاستثمارات التي ستضخها في الأسواق عوضًا عن النفوذ العالمي الذي ستحصل عليه كنتيجة لدورها التجاري العالمي.

تظهر خرائط طريق الحرير اهتمام الصين بالشرق الأوسط وخاصة بشرقي البحر الأبيض المتوسط. فالطريق المتجهة إلى محيط لبنان تمرّ من أفغانستان، ايران، العراق، دمشق لتصل إلى صور وتبحر بسلعها إلى أوروبا وتحديدًا ايطاليا. ما تظهره خرائط أخرى هو مضيها أيضًا من طهران إلى اسطنبول لتصل إلى أوروبا.

يشير تقرير صادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الى أن اهتمام الصين بالشرق الأوسط قد ارتفع في العقد الأخير حتى أصبحت أكبر شريك تجاري ومستثمر خارجي في الشرق الأوسط رغم حرصها على محدودية مواجهتها للولايات المتحدة الأميركية. ويرى الباحثون الأوروبيون بحسب هذا التقرير أن الاستثمار الصيني في الشرق الأوسط يخدم مصالح أوروبا وبالتالي ضرورة تعاون الأوروبيين مع الصين في الشرق الأوسط.

ترجمت الصين اهتمامها بالمنطقة حيث باتت المستورد الأكبر للنفط السعودي. فتستورد الصين سنويا من السعودية بما يقدّر بـ29 مليار دولار أما الولايات المتحدة الأميركية فتستورد بما يقدر بـ17 مليار دولار. فيما خصصت هبات للفلسطينيين، وهبات أخرى لإعادة الإعمار والنمو الاقتصادي في سوريا ولبنان واليمن والأردن.

أما لبنانيا، فالخيار بفتح أبواب الاستثمار للشركات الصينية يعني مواجهة واضحة وصارخة للولايات المتحدة الأميركية. فقد اتجهت شركات صينية في السنوات السابقة إلى الاستثمار في سهل البقاع تحت عنوان مشاريع إعادة إعمار سوريا إلا أن العراقيل اللبنانية الداخلية التي واجهتها جعلت هذه الشركات تتنحى.

في دراسة أولوية للواقع اللبناني، فإن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة الأميركية جهلت من لبنان بلداً مرتهنا للخارج، يطلب التمويل الخارجي الدائم عبر قروض قد أنهكت الهيكل، حتى بات الآن على حافة الانهيار الذي يجعل لبنان كمتسول على أبواب الأثرياء. الفساد قد استشرى والقضاء مطالب بالنهوض. ولكن ما الرؤية الاقتصادية التي تسمح ببناء دولة إنتاجية؟ لا يمكن للبنان أن يكون بلدًا إنتاجًيا ضخمًا أو صاحب قوة اقتصادية ضخمة نظرا لمحدودية مساحته والمواد الأولية فيه، الا أن كفاءة اليد العاملة اللبنانية مقارنة بدول المنطقة مع موقعه الجغرافي كنقطة وصل بين آسيا وأوروبا هما فرصته للنهوض بالاقتصاد.

لا يمكن النظر للصين على أنها منقذ، لا منقذ بالاقتصاد فالمصالح هي التي تحكم علاقات الدول. إلا أن المصالح المشتركة مع هذه الدولة العظمى تجعل الاتجاه شرقا فرصة. كما تظهر الخرائط، أن اسطنبول هي الوجهة الثانية أو البديل في حال رفض لبنان التعاون. لا يمكن أن تتخلى اسطنبول عن دور تجاري كهذا، فلماذا يتخلى لبنان؟ الصين ستدرس مصالحها في المنطقة مع الأخذ بعين الاعتبار قدرات الولايات المتحدة الأميركية، فبات من المطلوب أن يدرس لبنان خياراته بمسؤولية مبنية على المصلحة الوطنية بعيدا عن المناكفات والاصطفافات العالمية.

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف