طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

استهداف
13/11/2019

استهداف "الجهاد الاسلامي": السياق والرهانات والأهداف

جهاد حيدر

 

لوهلة قد تبدو جريمة جيش العدو باغتيال القيادي في حركة "الجهاد الاسلامي" بهاء أبو العطاء في قطاع غزة، والاستهداف الموازي في دمشق، مفاجئة بالقياس الى تقديرات محدّدة تتصل بمعادلات الصراع. لكن الواقع أن عدوان جيش العدو خيار أصيل في مواجهة فصائل المقاومة، وأي خيار بديل ناتج عن عوامل كابحة تتصل بالردع وبالاولويات.

ما يُميّز هذا العدوان أن العدو كان في موقع المبادرة، وهو ما يطرح تساؤلات حول خلفياته وفي هذا التوقيت بالذات. وللتذكير بما يساعد على بلورة صورة أدق، سبق لجيش العدو أن كبح نتنياهو عن المبادرة الى خيار عدواني عشية الانتخابات ولمصالح ذاتية. من جهة أخرى، يتعارض هذا الخيار ايضا مع الاعتبارات التي حكمت اداء قيادة العدو خلال المرحلة السابقة عندما كانت تلجأ الى محاولة احتواء أي تدحرج ناتج عن تبادل ضربات، بهدف تجنب الوصول الى مواجهة واسعة تضعها أمام خيار الاضطرار الى الاقتحام البري الذي ستترتب عليه خسائر بشرية كبيرة، وسيضع "اسرائيل" أمام استحقاق اليوم الذي يلي. اضافة الى أن "اسرائيل" لم تكن تريد، وما زالت، الانشغال بجبهة غزة على حساب الاستعداد لتحديات وتهديدات الجبهة الشمالية والاستحقاقات التي تترقبها بفعل تطورات الصراع الاميركي - الايراني.

المستجد الموضوعي الذي يبدو أنه حضر لدى قيادة العدو تمثل بأن قطاع غزة شكل تحدياً للقيادتين السياسية والامنية، حتى بدا ندا لكيان العدو، وكمن يملي وتيرة أي تصعيد ويحدد معالم المعادلات التي تحكم الصراع. وبحسب التقارير الاسرائيلية، لوحظ خلال المرحلة الماضية أن هامش المبادرة قد اتسع لدى حركة "الجهاد الاسلامي" في الرد على اعتداءات العدو. وهو ما شكَّل عامل ضغط على القيادة الاسرائيلية.

يبدو أن المؤسسة الاسرائيلية بشقيها السياسي والأمني، وجدت نفسها ايضا أمام مسار ينطوي على مخاطر متصاعدة، نتيجة اداء حركة الجهاد الاسلامي بشكل خاص. ورأت أن استمرار المسار الحالي، سوف يضع "اسرائيل" أمام استحقاقات تؤدي الى تعزيز قدرة الردع الفلسطينية، وهو ما قد يضعها لاحقاً أمام استحقاق يفرض عليها تقديم تسهيلات تتصل بالحصار المفروض على القطاع، في مرحلة لاحقة، وربما ايضا ما هو أخطر من ذلك.

بالموازاة يواجه نتنياهو استحقاقًا داخليًا يتمثل بتحديد هوية رئيس الحكومة وتشكيلها، ويحدد مستقبله السياسي والشخصي. في المقابل، تم حتى الان استنفاد أغلب الخيارات التي أظهرت أن التجاذبات الداخلية تدفع نحو انتخابات ثالثة، وهو ما لا تريده كل الأطراف، اجمالاً. لكن ما قد يحول دون ذلك، حصول تطورات استثنائية، وعلى رأسها التطور الأمني الذي قد يشكل سلماً للبعض، من أجل القبول بصيغة حكومية ما برئاسة نتنياهو، فيما لو توفرت الارادة لذلك. تبقى مسألة هنا، قد يتم التصويب عليها في المرحلة المقبلة، وهي أن الجيش والأجهزة الأمنية بدوا كما لو أنهم ينفذون أجندة امنية لمصالح سياسية لنتنياهو. في المقابل، سيتم الرد على هذا الادعاء بأن التقاطع بين متطلبات أمنية وبين مصالح سياسية داخلية لا يعني أن الثانية تتحكم بالاولى بالضرورة.

في كل الأحوال هَدَفَ العدو من وراء عملية الاغتيال الى فرض معادلة جديدة تقوم على استهداف الكوادر والقادة مقابل أي استهداف يطال مستوطنات وجنود العدو. وهو ما سيضع فصائل المقاومة أمام تحدٍّ مفصلي في بلورة المعادلات التي تحكم الواقع مع القطاع وفي داخله. وتريد قيادة العدو ايضا، أن تفرض "واقعاً تهدوياً" مع القطاع، تكون يدها فيه هي العليا، ويسمح لها بالتفرغ من أجل مواجهة تحديات الجبهة الشمالية.  

يرتبط توقيت عملية الاغتيال بأكثر من بعد ميداني وسياسي داخلي وخارجي. بالتأكيد العامل الاساسي الذي تحكم بتوقيت الاغتيال مرتبط بالدرجة الأولى بتوفر الفرصة الميدانية وهو أمر مرهون بالنشاط الأمني، وايضا بالسياق الداخلي وبتطور المواجهة مع قطاع غزة. وفي هذا السياق لجأ العدو الى هذا الخيار بعدما استنفد خيار توجيه الرسائل التهويلية والوسائل السياسية. ولا يخفى أن لهذه المواجهة صلتها المتبادلة - على مستوى النتائج - بتطورات البيئة الإقليمية.

أرادت "اسرائيل" من خلال الاغتيال، وأسلوبه الصارخ، ايصال رسالة توحي من خلالها أنها على استعداد للذهاب بعيدا في ردودها في حال تجاوز الرد سقفاً محدداً. وبذلك تكون "اسرائيل" – بتقديرها – نجحت في فرض المعادلة التي تطمح اليها. ولتحقيق هدفها اتبعت خطة سياسية اعلامية أمنية متكاملة. فألقت مسؤولية أي تدهور نحو مواجهة واسعة على حركة الجهاد الاسلامي، وأعلنت أنها غير معنية بالتصعيد بعدما صعدت ونفذت عملية الاغتيال، ووجهت رسائل تهويل، وعمدت حتى الان إلى تحييد حركة "حماس"، في رهان - فاشل - منها على شق صفوف المقاومة الفلسطينية، على خلفية الموقف من الرد وسقوفه.

تبقى حقيقة ينبغي عدم تجاهلها وهي أن التزامن بين اعتداء دمشق واغتيال القيادي ابو العطا، ينطوي على أكثر من رسالة. من جهة، أرادت قيادة العدو توجيه رسالة الى قيادة حركة الجهاد بأن أي رد تصعيدي سوف يؤدي الى توسيع نطاق الاستهداف ليطال قياداتها في الخارج، وهدفت من جهة ثانية، الى تسليط الضوء على أن معركتها مع قطاع غزة هي امتداد للمعركة مع ايران ومحور المقاومة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات