يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

جرأة ايرانية ترعب
09/11/2019

جرأة ايرانية ترعب "تل أبيب"

جهاد حيدر

 تركت خطوة ايران النووية الرابعة أصداء مُقلقة في كيان العدو عبّر عنها معلقون وخبراء ومسؤولون على رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي كرر تهديداته وتحذيراته من السياسات الايرانية. كشفت هذه الخطوة التي شكلت وفق المنظور الاسرائيلي انتقالا الى مرحلة أكثر حساسية في الوعي الغربي، عن عزم ايران مواصلة ردها التدرجي الذي وضع "تل ابيب" أمام مسار مغاير تمامًا لما كانت تخطط وتسعى الى تحقيقه.

 أتت هذه الخطوة التي تمثلت باستئناف التخصيب في منشأة فوردو وتفعيل عدد من أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطورًا، بعد أكثر من سنة ونصف على خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وانتهاج سياسة العقوبات القصوى ازاء ايران، بهدف اسقاط النظام الاسلامي أو اخضاعه. وهو ما شكّل ترجمة لفشل الخيار الأميركي وتجسيدًا عمليًا لتغير المعادلة التي كانت تسعى ادارة دونالد ترامب الى فرضها. ومع هذا الفشل سقط ايضًا الرهان الاسرائيلي على امكانية اخضاع ايران، واعادة انتاج بيئة اقليمية مغايرة لما هي عليه الان.

 مع فشل هذا الرهان سقطت عقيدة نتنياهو الأمنية تجاه ايران، التي كانت ترتكز الى سياسة الضغوط التي انتهجها ترامب ضد الجمهورية الاسلامية. وبات هذا السقوط يحضر في الأدبيات الاسرائيلية حيث كان النضال ضد الاتفاق النووي الأهم في سياسة نتنياهو في العقد الأخير. وقد بذل كل ما بوسعه من أجل محاربة الرئيس (باراك) أوباما، وفي المقابل حصل على اتفاق سيئ رغمًا عن أنفه، ودفع الرئيس ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق النووي. لكن الذي حصل عليه نتنياهو أن ايران عادت الى مسارها النووي التصاعدي. ويعترف من في "تل أبيب" بأن وضع "إسرائيل" أصبح أكثر سوءًا مقابل الجمهورية الاسلامية. وبالقياس الى رؤية المؤسسة الامنية فإن الاتفاق النووي وإن كان سيئا بالنسبة لـ"اسرائيل"، إلا أنها كانت ترى أن البديل عنه في ظل الظروف السياسية وموازين القوى القائمة، سيكون أشد خطراً وأكثر كلفة. لكن الذي حصل أن نتنياهو غامر بمحاولة صناعة خيار بديل ثالث، إلا أنه فشل في هذه المهمة، وقد يغادر الحلبة السياسية.

لم يقتصر المستجد الذي أرعب المؤسستين الامنية والسياسية في "تل ابيب"، على عدم خضوع ايران، بفعل العقوبات القصوى المتواصلة، بل تمثل ايضا في الارتقاء الى مرحلة الضغط التصاعدي، وما الخطوة النووية الرابعة إلا أحد أهم تجلياتها. انعكس ذلك في "تل أبيب" على مستوى الرؤية والتقدير وعبَّر عنهما المعلق العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، بأن ما جرى يشكل تعبيراً عن "تزايد ثقة إيران بنفسها وانتهاج خط عدواني، على ضوء الانسحاب الأميركي من المنطقة وانعدام رغبة واضح من جانب إدارة ترامب بمواجهتها".

 الأكثر اقلاقًا في "تل أبيب"، هو أن هذه الخطوة تزامنت مع مخاوف تسكن المؤسسة السياسية والامنية من امكانية تعرض "اسرائيل" لرد ايراني قاس على ضربات نفذتها "اسرائيل" في سوريا و العراق. تعززت هذه المخاوف نتيجة الرسائل التي انطوت عليها ضربة ارامكو لجهة كونها مؤشرًا كاشفًا على امتلاك ايران الارادة والقدرة العسكرية والتشغيلية، التي تمكّنها من توجيه ضربات قاسية لـ"اسرائيل" وفق تكتيكات وأدوات أقرت أنها لا تملك القدرة على احباطها واعتراضها.

 الملفت أن حالة الرعب التي يمكن تلمس معالمها في الاعلام الاسرائيلي وعلى ألسنة مسؤولين سياسيين وأمنيين، بلغت درجة دفعت أحد أبرز المعلقين العسكريين في الكيان الاسرائيلي، الون بن ديفيد، إلى وصف المشهد الاسرائيلي (معاريف/ 8/11/2019)  وفق التالي "إسرائيل موجودة منذ أسابيع في حالة انتظار عملية إيرانية... والآن إسرائيل تنتظر قاسم سليماني الذي يملي، منذ عدة أسابيع، اتخاذ القرارات في إسرائيل".  لم يتبلور هذا الانطباع عبثًا بل أتى على خلفية ما رأته "تل ابيب" من جرأة ايرانية في مواجهة الولايات المتحدة، وتحدٍ لادارة ترامب. وهو ما أدى الى نشوء حالة رعب حقيقية دفعت العديدين في "اسرائيل" الى عدم استبعاد أن يتعرضوا لضربة مشابهة لارامكو.

 يتم التركيز في "اسرائيل" على أن سبب تقدم ايران وحلفائها يعود الى الانكفاء الاميركي عن خيار المواجهة العسكرية المباشرة. وفي ذلك تجاهل لعوامل أخرى أساسية ساهمت ايضا في كبح ادارة ترامب التي لم تتبلور خياراتها بعيدا عن قراءتها لمعادلات القوة في المنطقة. وهو ما لفت اليه ايضا، أحد الخبراء السياسيين ممن لهم تاريخ عسكري واسع في جيش العدو اللواء "غرشون هكوهين". رأى هكوهين أن التغيير الذي شهدته البيئة الاقليمية "لم يحدث فقط نتيجة التبدل في سياسة البيت الأبيض، بل هو مرتبط كثيراً بالتغييرات التي طرأت على ساحات القتال". وأورد في هذا السياق مثالًا على هذه التغييرات تمثلت بـ"ظهور وسائل قتال متطورة، بكميات كبيرة وفي متناول كل من يريد، أضر جداً بتفوق القوة العسكرية الأميركية... وبالتأكيد لدى الإيرانيين". مع ذلك، تبقى حقيقة أخرى غابت ايضا عن هكوهين، وهي أن امتلاك القدرات وحدها لا يكفي لتغيير المعادلات بل لا بد أن يقترن ذلك بشجاعة القيادة في اتخاذ القرار، خاصة عندما يكون في مواجهة دولة عظمى كالولايات المتحدة لجهة ما تمتلكه من قدرات تدميرية وتكنولوجية وعسكرية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات