يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

تقرير
06/11/2019

تقرير "موديز".. سياسي لا تقني توقيتاً ومضموناً

فاطمة سلامة

كثيراً ما نسمع عن تقارير تُصدرها وكالات التصنيف العالمية تُحدّد فيها تصنيف لبنان الائتماني. تلك الوكالات كثيرة حول العالم، ولعلّ أشهرها ثلاث: "ستاندرد آند بورز"، "موديز" و"فيتش"، وكلها شركات أميركية المنشأ. يتلخّص عمل تلك الشركات بشكل عام في تقييم المخاطر المتعلقة باصدارات الدين سواء للحكومات أو الشركات. وتعد قدرة الجهة المصنَّفة على الوفاء بتسديد فوائد الدين والأقساط المترتبة عليها أحد أهم مؤشرات الجدارة الائتمانية، والمقاييس التي تُدرَج على أساسها التصنيفات. أمس الثلاثاء، أصدرت وكالة "موديز" تصنيفاً جديداً خفّضت فيه تصنيف لبنان من Caa1 إلى Caa2 مع إبقاء الوكالة نظرتها المستقبلية تجاه التصنيف سلبية. ماذا يعني ذلك؟. بحسب تقرير الوكالة، فإنّ تخفيض التصنيف يعني أنّ لبنان سيشهد إعادة جدولة لديونه أو التأخر في سداد بعض مستحقاته في توقيتها. الأمر الذي يترجم إمكانية أن يتعثر لبنان في سداد ديونه، وفي ذلك مخاطرة عالية. فكيف يمكن قراءة تقرير "موديز" المذكور؟. 

قبل الإجابة عن هذا السؤال، يحاول الكاتب والباحث الاقتصادي الأستاذ زياد ناصرالدين، التعريف بهوية شركة "موديز" وتاريخها. يوضح ناصر الدين أنّ تلك الشركة يهودية أميركية لا تملك تاريخاً مشرفاً، فهي شركة "فاشلة" تقنياً، تعتمد في تصنيفاتها على السياسة، أكثر من اعتمادها على الأمور العلمية، خاصةً أنّ "موديز" تابعة لغرفة موجودة في الرياض تنسّق عملها مع العقوبات الأميركية. يسأل ناصر الدين عن التوقيت المشبوه الذي صدر فيه التقرير، مستنداً إلى المدة الفاصلة بين التصنيف الحالي والسابق لـ"موديز"، والتي يجب أن تكون ستة أشهر. آخر تقرير أصدرته وكالة "موديز" كان في تموز/يوليو، أي من المفترض أن لا يصدر التقرير المقبل قبل نهاية العام. مسارعة "موديز" لإصدار التقرير ما هو -برأي ناصر الدين- سوى تماه مع الضغوطات الأميركية خاصة بعد حجب المساعدات العسكرية الأميركية عن الجيش اللبناني. 

ويرى ناصر الدين أنّ "موديز" بتقريرها المذكور تبدو شريكة في الضغط السياسي الأميركي لتأليف حكومة لا تضم القوى الوطنية المقاوِمة التي تريد أن تفرض نظاماً اقتصادياً ومالياً جديداً لانقاذ البلد من أجل التمديد لمنظومة الفساد. يضرب المتحدّث مثالاً على عدم مهنية هذه الشركة حين صنّفت عام 2008 بنوكاً أميركية على أنها ذات أهمية، وبعد نحو أسبوع أفلست تلك البنوك. بهذا المعنى، يرى ناصر الدين أننا لا نستطيع أن نعتمد على تصنيف شركة "فاشلة" غير كفوءة دون المستوى التقني المطلوب، تتعاطى فقط بنَفس سياسي ضاغط وتسوّق لسياسة "اسرائيل" في المنطقة، وبالنسبة لنا من المعروف أن هذه الشركات هي عدوة للاقتصاد والنظام المالي الداخلي اللبناني. لذلك، فهو تقرير سياسي لا يمت للتقنية بصلة. 

ولا يفصل المتحدّث بين تقرير "موديز" واستهداف الورقة الاصلاحية. التصنيف الجديد يصب في خانة التصويب على هذه الورقة، بعد أن تمكّنت من إشراك المصارف في الانقاذ، وبالتالي هناك محاولات لافشال هذه الخطوة الاصلاحية، في حال كان هناك خيار غير الخيارات الأميركية في تشكيل الحكومة. وفي هذا الاطار، يُشدّد ناصرالدين على أنّ أكثر من نصف الشعب اللبناني ضد الخيار الأميركي، وبالتالي من المفترض تشكيل حكومة ضد هذا الخيار. 

لا ينكر ناصر الدين أنّ للتقرير تداعيات على الاقتصاد اللبناني، حتى ولو كان "مشبوها". وفق حساباته، سيعمل التقرير على رفع كلفة التأمين على سندات الخزينة ويقلل من ثقة المستثمرين في لبنان، تماماً كما سيقلّل من ثقة المودعين، ويساهم في زيادة "هروب" الرساميل ونسبة "الدولرة". وهنا يشير الكاتب والباحث الاقتصادي الى أنّ لدى بعض الدول العربية -التي تدّعي أنها تحب ان تساعد لبنان- "أطماعاً" بالحصول على الودائع الاجنبية الموجودة لدينا، ما سيؤثر سلباً علينا.  

ما المطلوب من الدولة اللبنانية إذاً؟. يؤكّد ناصر الدين أنّنا في أمس الحاجة الى اجراءات تشكّل صدمات اجتماعية حقيقية، واجراءات عاجلة عبر تشكيل حكومة سياسية مع وزراء يمتلكون كفاءات عالية في الملفات الحساسة. كما يشدد على أنّ الوضع يستدعي تشكيل هيئة لادارة الدين العام، وإعادة النظر بملف الفوائد المرتفعة جداً.   

خلاصة القول يقول ناصرالدين: نتعرض لعدوان اقتصادي بموازاة فوضى اقتصادية واجتماعية، وحصار وعقوبات، ما يدفعنا الى السؤال عن دور الدولة.

إقرأ المزيد في: خاص العهد