طوفان الأقصى

لبنان

الحريري يلتف على الاستشارات النيابية في الشارع
31/10/2019

الحريري يلتف على الاستشارات النيابية في الشارع

ركّزت الصحف اللبنانية الصادرة صبيحة اليوم من بيروت على تداعيات إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، إذ تحول الهدوء الذي شهدته ساحات الاعتصام إلى توتّر تولاه تيار المستقبل بقطع الطرقات في كل المناطق، ساعياً إلى الالتفاف على الاستشارات النيابية.

"الأخبار":الحكومة: الحريري يسعى إلى حكومة تكنوقراط لإبعاد باسيل وحزب الله

بداية مع صحيفة "الأخبار" التي رأت أنه في ساعات، تحول الهدوء الذي شهدته ساحات الاعتصام بعد استقالة الرئيس سعد الحريري، إلى توتّر تولاه أنصاره. تيار المستقبل قطع الطرقات في كل المناطق، ساعياً إلى الالتفاف على الاستشارات النيابية: لا رئيس للحكومة سوى الحريري. وهو ما لم تحسمه قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر، انطلاقاً من ضرورة الاتفاق على صورة الحكومة قبل الخوض في اسم رئيسها.

بعدما فُتحت كل الطرقات خلال النهار، وانكفأ المتظاهرون إلى ساحات الاعتصام في وسط بيروت وصيدا وطرابلس، تولّى تيار المستقبل إثارة البلبلة في معظم المناطق، بعد أن قطع مساء، بشكل مفاجئ، طرقات رئيسية عديدة في البقاعين الأوسط والغربي وفي طرابلس والمنية والعبدة والساحل الجنوبي. أما في العاصمة، فجابت الدراجات النارية أكثر من منطقة، دعماً للحريري، ورفضاً للأصوات التي تدعو إلى عدم تسميته مجدداً لرئاسة الحكومة. ومع محاولة الجيش فتح الطرقات في أكثر من مكان، شهدت ساحة العبدة في عكار وقوع ستة جرحى من المدنيين. وأدى ذلك إلى توسيع دائرة قطع الطرقات الرئيسية شمالاً وجنوباً وبقاعاً. كما كان لافتاً انتقال أحد وجوه اعتصام طرابلس إلى بيروت، عامداً إلى إقناع عدد من المعتصمين بضرورة التوجه إلى جسر الرينغ لقطعه، تضامناً مع جرحى الشمال، إلا أنه سرعان ما استغل المنبر ليطالب بإعادة تكليف الحريري رئاسة الحكومة، لأنه «ظلم من الجميع». وكان لافتاً أن قطع الطريق طال جل الديب والزوق أيضاً.

الأحداث المتسارعة أدت إلى تراجع وزير التربية عن قرار استئناف الدراسة، وتركه لمديري المدارس اتخاذ القرار المناسب بالنظر إلى الأوضاع المحيطة.
وفيما طرح استعمال الحريري لورقة الشارع أكثر من علامة استفهام، خاصة أنها أتت بعد يوم واحد فقط من استقالته، جزمت مصادر قريبة منه أنه كان ممتعضاً من هذه التحركات، وطلب من القوى الأمنية منع قطع الطرقات، قبل أن يصدر، مساءً، بياناً يدعو فيه جمهور المستقبل إلى «الامتناع عن العراضات في الشوارع والتزام التعاون مع الجيش وقوى الأمن الداخلي».

لكن بيان الحريري لم يساهم في ضبط الأوضاع، وسط شكوك عن أسباب وضعه ورقة الشارع على طاولة المفاوضات الحكومية سريعاً. وهو ما عبّر عنه النائب السابق وليد جنبلاط صراحة، عبر تغريدة حذّر فيها من «استغلال الشارع لأسباب غير التي رفعها الحراك». أضاف: «لست لأعطي دروساً لكن أدين أي حراك آخر الذي يريد سرقة الحراك وإدخاله في لعبة السياسات الضيقة والانتهازية».

في سياق متصل، يحتفل رئيس الجمهورية ميشال عون اليوم بمرور ثلاثة أعوام على انتخابه رئيساً، في 31 تشرين الأول 2016، في ظل حكومة مستقيلة، طلب منها أمس تصريف الأعمال، ريثما تتشكل حكومة جديدة. وهو إذ سيخرج على اللبنانيين، عند الثامنة من مساء اليوم في رسالة تتناول التطورات الراهنة، أكدت مصادر مطلعة أن عون سيتمهّل في الدعوة إلى الاستشارات النيابية الملزمة، ريثما تتضح مآلات التأليف، على قاعدة «الاتفاق على التأليف، أو معالمه، قبل التكليف»، علماً أن هذه المصادر توقعت أن يدعو عون إلى الاستشارات بين نهاية الاسبوع وبداية الاسبوع المقبل. وتلقى عون امس جرعة دعم من مجلس المطارنة الموارنة الذي دعا إلى «الالتفاف حول رئيس الجمهورية».

ولذلك، بدأت، بخلاف ما يشاع عن جمود في التواصل السياسي، الاتصالات على أكثر من جهة لاستشراف المرحلة المقبلة، إن كان اسم المكلّف أو معايير التكليف. وعملياً، لا تجد مصادر معنية في حسم مسألة تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة مجدداً أمراً عاجلاً، كما لا يريد أحد أن يُكرر تجربة الأشهر التسعة للتأليف، ولذلك فإن الجهد سينصبّ على التوافق أولاً على التأليف، ولو بخطوطه العريضة، بما يسهّل مهمة الرئيس المكلّف.

لكن تلك المسألة تحديداً هي بيت القصيد في المعركة الحكومية. الحريري يسوّق لحكومة تكنوقراط، يهدف منها عملياً إلى الوصول إلى استبعاد جبران باسيل، الذي لا يريده شريكاً في الحكومة، واستبعاد حزب الله بحجة الضغط الدولي. وبحسب مصادر متابعة للمشاورات، فإن ما يُقلق الحريري ودفعه إلى استخدام ورقة الشارع ليل أمس، هو أن حزب الله وحركة أمل وتكتل لبنان القوي، لم يفصحوا بعد عن نيتهم بشأن مرشحهم لرئاسة الحكومة، علماً بأن الخيار ليس سهلاً بالنسبة إليهم. فاختيار شخصية غير الحريري سيواجَه بالشارع، فيما الحريري نفسه يستقوي بالشارع لإخراج الأكثرية النيابية من مجلس الوزراء، أو على الأقل، «تقليم أظافرها». وقد نقلت وكالة رويترز عن «مسؤول بارز مطلع»، أن الحريري «مستعد لتولي رئاسة الوزراء في حكومة لبنانية جديدة بشرط أن تضم تكنوقراطا قادرين على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة سريعاً لتجنّب انهيار اقتصادي». وذهب المسؤول إلى اعتبار أن «الحكومة الجديدة يجب أن تكون خالية من مجموعة من الساسة البارزين الذين شملتهم الحكومة المستقيلة» من دون أن يذكر أسماء، قبل أن تنفي مصادر الحريري أن يكون قد وضع شروطاً لقبول تولي رئاسة الحكومة.

لكن على المقلب الآخر، ثمة سؤال أساسي يتعلق بشخص الحريري: هل تنطبق عليه صفة التكنوقراط؟ وعليه، تشير مصادر في 8 آذار إلى أن الأولى بمن يريد فعلاً تشكيل حكومة تكنوقراط أن يبدأ بنفسه، لا أن يفرض الشرط على الأفرقاء الآخرين حصراً. وجرى التداول أمس بمجموعة من الأسماء التي يمكن أن تتولى رئاسة حكومة تكنوقراط، كالوزير السابق بهيج طبارة ورئيس مجلس إدارة مصرف «فرنسبنك» نديم القصار.

في هذا الوقت، كان نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي يلتقي الحريري، في زيارة كانت مقررة قبل الاستقالة وأُجّلت إلى الأمس بسببها. وفيما تردد أن الفرزلي زار الحريري بصفته الشخصية، يصعب فصل هذه الزيارة عن علاقة الفرزلي الوثيقة بكل من رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي. وكان كلام الفرزلي واضحاً في اللقاء لناحية التأكيد أن «الحريري هو المرشح الأول، لأسباب عديدة منها أنه الأكثر تمثيلاً في طائفته والأكثر قدرة على مخاطبة المجتمع الدولي، وبالتالي فإن اختيار اسم آخر، لن يكون ممكناً من دون موافقة الحريري، ما يجعل من وجود الأصيل على رأس الحكومة أفضل من أي بديل حتى لو اختاره بنفسه». كذلك قال الفرزلي إن «الحريري هو أحد أسباب المناعة للتحديات الخارجية»، مشيراً إلى أنه «لا يوجد خلاف في العمق اليوم حيال ما إذا كان الرئيس الحريري هو الذي يجب ان يكلف او لا، لأنه هو صمام أمان للمسألة المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية، الى جانب أشقائه في السلطة ممثلي المكونات، فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس النواب». أضاف: «المسألة ليست مسألة ترف في التسمية، بل القضية هي مصلحة وطن».

بومبيو: للإسراع في تشكيل الحكومة

دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو القادة السياسيين في لبنان إلى «الإسراع» في تشكيل حكومة جديدة إثر استقالة رئيس الحكومة اللبنانية. وقال بومبيو في بيان: «تدعو الولايات المتحدة الزعماء السياسيين في لبنان الى الإسراع في تسهيل تشكيل حكومة جديدة يمكنها بناء لبنان مستقر ومزدهر وآمن يلبي احتياجات مواطنيه». وأضاف «وجّهت التظاهرات السلمية والتعبيرات عن الوحدة الوطنية في الأيام الـ13 الماضية رسالة واضحة. الشعب اللبناني يريد حكومة كفوءة وفعّالة واصلاحاً اقتصادياً ووضع حد للفساد المستشري». وأكد أن «أي أعمال عنف أو تصرفات استفزازية ينبغي أن تتوقف، ونحن ندعو الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية إلى مواصلة ضمان حقوق وسلامة المتظاهرين».

"النهار": سنة رابعة للعهد في ذروة التأزم :هل يعود الحريري؟ انهيار "الهدنة " وقطع الطرق يتجول بين المناطق

بدورها صحيفة "النهار"، اعتبرت أنه قد تكون جوانب من المشهد "الميداني" الموزع بين مناطق عدة ليل أمس أفضل تعبير عن الواقع الغامض الذي تجتازه البلاد غداة اعلان رئيس الحكومة سعد الحريري استقالة حكومته ومع طلب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون منها تصريف الأعمال وقبيل اعلان الرئاسة الاولى موعد اجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس لحكومة جديدة. ذلك أن الانتفاضة التي استجاب بعضها نهاراً لبيان قيادة الجيش بفتح الطرق ولم يستجب بعضها الآخر مما دفع بالجيش الى فتح طرق رئيسية بنفسه، عادت ليل أمس لتثير تساؤلات عما اذا كانت الايام الطالعة ستشهد "هدنة" من أجل تمرير المراحل الأولى الأساسية من انطلاق عملية التكليف وتأليف الحكومة، أم أن الهدنة لن تكون واردة في ظل اتجاهات لدى الانتفاضة للمضي في التصعيد بمنع فتح المدراس والجامعات على الأقل؟

وقد ارتسمت هذه الشكوك وعادت تسابق بل تستبق الاتصالات والمساعي السياسية الجارية لاطلاق المرحلة التالية من استحقاق التغيير الحكومي من خلال تحركات كثيفة عادت الى شوارع عدة ليل امس من أبرزها انطلاقة لافتة للشارع المؤيّد للرئيس الحريري و"تيار المستقبل" عبر مسيرات سيارة وبالدراجات في شوارع وأحياء من بيروت، كما عبر تجمعات وتظاهرات مؤيدة للحريري ومنادية بعودته الى رئاسة الحكومة في عكار وطرابلس وبعض مناطق البقاع وسواها من المناطق، ونادى المتظاهرون بشعار "كلن يعني كلن" رفضا لاقتصار الاستقالة على الرئيس الحريري وحده. وفي موازاة ذلك شهدت ساحة النور في طرابلس اعتصاماً حاشداً أطلقت من خلاله دعوات الى استمرار الانتفاضة والامتناع عن اعادة الحياة الطبيعية اليومية والاستمرار في قطع الطرق كما لاقت هذه الدعوات استجابة من بعض المنتفضين في مناطق أخرى في بيروت وصيدا والبقاع الشمالي من غير أن تخلص الى قرار موحد.

ومنع الجيش ليلاً قطع الطرق عند مستديرة العبدة في عكار بعد مواجهة مع المتظاهرين الذين حاولوا اقفالها وسقط عدد من الجرحى خلالها. كما حصلت مواجهة مماثلة في صيدا وأعيد ليلاً قطع بعض الطرق في مناطق الشمال والبقاع، ومن ثم تمددت عمليات قطع الطرق الى جسر "الرينغ" في وسط بيروت. وتسبب التوتر بتراجع عديد من المدارس عن قرار معاودة الدراسة اليوم.

وفي المقابل، يستعد "التيار الوطني الحر" لاقامة مهرجان حاشد في بعبدا الاحد المقبل احياء للذكرى الثالثة لانتخاب الرئيس ميشال عون، علماً أن اليوم هو الذي يصادف الذكرى وسيوجه رئيس الجمهورية كلمة في المناسبة الى اللبنانيين في الثامنة مساءً.

"البناء": الاستشارات النيابية تطرح على الكتل النيابية إشكالية التناقض بين حكومة تكنوقراط ورئاسة الحريري

أما صحيفة "البناء"، لفتت الى أن رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري يّمسك بيد بمشروع تحريك شارعه وضمّه إلى الحراك وإعادة إنعاش حلفه مع شريكيه في قوى 14 آذار القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، وبيد أخرى كونه عنوان المساهمات المالية من مؤتمر سيدر، ويتقدّم بمشروع إعادة تسميته لرئاسة الحكومة الجديدة، بصفتها حكومة تكنوقراط، وهذا يعني عملياً أولاً سقوط التسوية الرئاسية عبر اصطفاف الحريري مع حلفائه السابقين في 14 آذار، واشتراك جمهوره في ساحات الحراك بتوجيه الشتائم لكل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، كما حدث في ساحات طرابلس وصيدا وبرجا، ويعني ثانياً تعقيد فرص إعادة تسميته بإرباك الكتل النيابية في التعامل مع تسميته رئيساً لحكومة تنوقراط، ما يعني عملياً إبعاد القوى السياسية وقادة الطوائف عن القرار السياسي لصالح تيار المستقبل وما يمثل طائفياً، لأن مفهوم حكومة تكنوقراط يعني الابتعاد عن قاعدة التمثيل السياسي، ووجود رئيس بحجم الحريري وتمثيله السياسي والطائفي لحكومة تكنوقراط لن يعني إلا إخلالاً خطيراً بالتوازنات السياسية والطائفية، ستجد الكتل النيابية نفسها معنية بأخذه بالاعتبار.

بالتوازي كان مشهد أمس، مليئاً بالإشارات لجهة غياب القرار السياسي بتوفير الدعم والمساندة للجيش في مهمة فتح الطرقات، حيث برزت شوارع الأطراف المنضوية في قوى 14 آذار بين نمطين، نمط مثّلته الشوارع التي تسيطر القوات اللبنانية على قرارها، وقد استجابت لدعوة قيادة الجيش صباحاً، وعادت لتتحدّث عن مهلة 48 ساعة لتشكيل الحكومة الجديدة تحت التهديد بالعودة لإقفال الطرق، ومعلوم حجم التعجيز بوضع هذه المهلة، التي تشكل عملياً قراراً ضمنياً بإقفال الطرق، وتقديم هدنة 48 ساعة فقط، وبينما كان شارع الحزب التقدمي الاشتراكي ميالاً للترقب، ظهر شارع الرئيس الحريري صدامياً في كل مناطق انتشاره، حيث سارع للتقدم كجزء من الحراك، وقام مناصرو تيار المستقبل بقطع الطرق في البقاع والشمال والجبل والجنوب، وترافق هذا التصعيد مع خطاب مذهبي، نسف كل حديث عن لاطائفية المنحى الذي افتتحه الحراك.

فتح الطرق سيكون التحدّي الرئيسي أمام الجيش اليوم ترجمة لبيانه، في ظروف تبدو أشدّ صعوبة مع المشهد السياسي المتداخل مع الحراك والقادر على استخدام ساحاته، بينما تراجع وزير التربية عن دعوته لفتح المدارس تاركاً لمدرائها تقدير وضع مناطقهم، وبقيت دعوة جمعية المصارف لفتح الأبواب أمام الزبائن يوم غد الجمعة، أهم الامتحانات لمساكنة سليمة بين الشارع والسياسة، تتم خلالها مناقشة الملف الحكومي في ظل بروز مشاريع لدعوات تصعيدية نحو المطالبة باستقالة رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس النواب، وظهور مواقف أميركية وأممية داعمة للحراك، متجاهلة دور العقوبات الأميركية على لبنان في التسبّب باختناقه الاقتصادي والمالي ودور تمسك الأمم المتحدة برفض عودة النازحين السوريين في التسبّب بمزيد من الضغوط على الاقتصاد.

وإن كان المتوقع من استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري احتواء الشارع وتهدئته تمهيداً لإعادة الحياة الاقتصادية الى طبيعتها والبدء بالاستشارات النيابية لتكليف رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة كمطلب علني للمتظاهرين، بدا أن الاستقالة ليست سوى حلقة ثانية من مخطط تفجير الشارع لتحقيق أهداف سياسية متعددة في إطار إعادة السيطرة على السلطة وحصار المقاومة.

إقرأ المزيد في: لبنان