يوميات عدوان نيسان 1996

خاص العهد

القاضية عون لـ
29/10/2019

القاضية عون لـ"العهد": أناشد السلطة السياسية بأن ترفع يدها عن القضاء للبت بملفات الفساد

فاطمة سلامة

كثيراً ما يؤخذ على السلطة القضائية في لبنان ارتهانها للسلطة السياسية. هذه المقولة لا تحتمل الشك، بل باتت "أمراً واقعاً" فرضته الحمايات السياسية وما أكثرها. على الدوام، وكلما فُتح ملف فساد، نسمع عن تدخلات تقطع الطريق على المحاسبة. وهنا علّة العلل، التي فتحت أبواب التجرؤ على مخالفة القوانين على مصاريعها، وجعلت بعض الأحكام بمثابة ضرب من "الجنون" أو "المغامرة"، لمنع أي محاسبة. اليوم، يبدو أن المشهد المذكور بدأ يتغيّر، مع الحديث عن توجه أكثر حدة لبسط يد القضاء، خصوصاً بعدما بات الفساد قاعدة وما عداه استثناء. فهل يمثل الادعاء الذي قدّمته النائب العام لدى محكمة الاستئناف في جبل لبنان القاضية غادة عون بحق رئيس حكومة لبنان الأسبق نجيب ميقاتي، وأفراد من عائلته بجرم "الإثراء غير المشروع عبر الحصول على قروض سكنية مدعومة من مصرف لبنان" خطوة ناقصة أم خطوة في الاتجاه الصحيح؟ . 

في حديث لموقع "العهد" الإخباري، تُشدّد القاضية عون على أنّ ملف القروض السكنية كبير جداً، ولا زالت تستكمله، موضحةً أنّها اتخذت مبادرة الادعاء بمفردها عكس الاتهامات التي تقول إنّ فريقاً سياسياً طلب ذلك منها. تقول: "في الأيام الأولى على الحراك الشعبي الذي شاهدته، وجدتُ نفسي متأثرةً مع الناس، فاتخذت الخطوة بمعزل عن السياسة". وتلفت عون الى أنّ هناك الكثير من الشركات والأشخاص الذين أخذوا قروضاً مدعومة، ولا يحق لهم، وكلهم سيأتي دورهم. برأيها فإنّ القرض المدعوم خُصّص للفقراء وليس للشركات التجارية التي تستثمر، ما انعكس سلباً على قروض الاسكان التي توقفت بسبب هؤلاء المستثمرين. 

وتكشف القاضية عون عن تطور حدث في الآونة الأخيرة تمثّل في خطوتين تصفهما بـ"الخطيرتين" على عمل القضاء، الأولى تمثّلت في التعميم الذي أصدره رئيس الحكومة سعد الحريري في 26 أيلول/ سبتمبر الماضي والذي طلب فيه إلى "جميع الإدارات العامة والمؤسسات والبلديات "احترام" أصول التخاطب لناحية مراسلة قضاة النيابات العامة من خلال النائب العام لدى محكمة التمييز حصراً، والثانية تمثّلت في تعميم مدعي عام التمييز  القاضي غسان عويدات الذي ينص على طلب الاذن منه شخصياً لملاحقة أياً كان. هاتان الخطوتان برأي عون سيعرقلان عمل القضاء. ولحسن الحظ تقول النائب العام لدى محكمة الاستئناف في جبل لبنان أنّ الادعاء على ميقاتي لم يكن بحاجة الى طلب إذن من مسؤول لأنّه يأتي في إطار قانون "الاثراء غير المشروع"، وبنك عودة ذات الأمر. 

تناشد القاضية عون الرئيس الحريري عبر "العهد" الرجوع عن التعميم لأنه غير دستوري، وتحث وزير العدل ألبرت سرحان على الطلب من مدعي عام التمييز الرجوع عن قرار "الاذونات" وعدم حصر كل شيء عنده. كما تشدّد على أنّ "القانون منحني صلاحيات، وهكذا نوع من التعاميم يعتبر تعدياً على صلاحيات النيابات العامة لأنه يحصر الصلاحيات بشخص، ما يخالف القانون وبالتحديد المادة (24) من أصول المحاكمات الجزائية والتي تعطي الحق للنيابات العامة التحقيق مباشرة مع الادارات وهذا يشل عملنا بالمطلق". 

تشدّد عون على أنّ هناك قانوناً يجب أن نطبقه، وليس من حق أحد التدخل في عمل السلطة القضائية. وتؤكّد أن "التعاميم تمنعني من ممارسة عملي كما يجب، فعلى سبيل المثال إذا أردت أن أتكلّم مع محافظ جبل لبنان، سيقول لي إن التعميم يحتم عليّ التحدث فقط مع مدعي عام التمييز". وتضيف "أنا أقوم بواجبي ولكن عملي سيتوقّف عند تحرك مدعي عام التمييز، فكل اذن بالملاحقة سيمر عبره، وهذا الأمر غير مقبول".  

وتلفت عون الى أنّ "بعض القضايا تتعرّض لعرقلة رهيبة، فبعض القرارات تتدخّل بموجبها السلطة السياسية بعمل القضاء وتخالف القوانين. بهذه الطريقة "تموت" القضايا 
ونحمي الفساد. تبدي عون تعاطفها مع العديد من القضاة، فلا يجب أن نوجّه اللوم إليهم، فلو أن هناك استقلالية للقضاء وتُرك القاضي لعمله لم نكن لنصل الى هنا. لكُنا حاسبنا الجميع، ولكن هناك مساومات سياسية، وهناك بعض الشخصيات الخائفة على رأسها.

وتقول عون "أقوم بواجبي وهناك نوايا صادقة لمكافحة الفساد، لكن الأمر يحتاج الى "ورشة" وتضافر جهود، والغاء بعض التعاميم لتسهيل عملنا". وفي هذا الصدد، تشدّد على ضرورة إصدار قانون رفع الحصانات الذي ينادي به رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لنتمكّن من القيام بعملنا بلا عرقلة. تعطي مثالاً على العرقلة التي تتعرّض لها في عملها نتيجة هذه الحصانات. ففي "النافعة" مثلاً حيث يستشري الفساد مُنعت من القيام بعملي وجرى اتهامي باستهداف طائفة معينة، ومنعوني حتى من استجواب "ه. س" كشاهدة، ومن هنا ضرورة رفع الحصانات قبل كل شيء، تضيف عون. 

وفي الختام، تناشد القاضية عون السلطة السياسية أن ترفع يدها عن القضاء وتترك القضاء للبت بملفات الفساد ومحاربته عبر القانون، "فليتركونا وليوقفوا الحمايات السياسية ويكفوا أيديهم عن القضاء".
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد