يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

العراقُ بينَ ثورةٍ اجتماعيّةٍ وهجمةٍ أمريكيّة
27/10/2019

العراقُ بينَ ثورةٍ اجتماعيّةٍ وهجمةٍ أمريكيّة

شوقي عواضة(*)

عندما يُعلنُ مهندسُ السّياسة الخارجيّةِ هنري كيسنجر أنّ  "السّياسةَ الأمريكيّة الحالية تقتضي أن يبقى العراقُ لسنواتٍ طويلةٍ قادمةٍ تحتَ سيطرتِنا الكاملةِ المباشرة والغير مباشرة سياسياً وعسكرياً وأنّ أهمَّ إنجازٍ نجحنا بتأسيسه ونعملُ على إبقائه هو أنّنا جعلنا من العراقِ دولةً مُنقسمةً طائفياً وقومياً لدرجةِ أنّه لا يمكنُها أن تكونَ دولةً قويةً وبالتالي ستبقى عُرضةً  للتحكُّمِ فيها وتفجيرِها متى نشاءُ"، وبتلك الكلماتِ يكون حدّد أهدافَ أمريكا في العراق من خلال محاولةِ إخضاعِه للهيمنةِ الأمركيّة وسياساتِها الرّاميةِ إلى تطويقِ إيران أولا وفصل العراق عن سوريا ولبنان.
وعلى أساس ذلك عملت الإدارةُ الأمريكيّةُ على تعزيزِ تلك السّياساتِ من خلال إيفادِ مسؤولينَ أمريكيينَ إلى العراق قبلَ فترةٍ واللّقاء برئيسِ الوزراء عادل عبد المهدي حاملةً مطالبَ الادارةِ الأمريكيّة وهي وقفُ جميع التّبادلاتِ الاقتصاديّةِ والتّجاريّة والماليّة مع إيرانَ وبالتالي تشديد الحصارِ عليها إضافةً إلى طلبِ حلّ الحشدِ الشّعبي الذي كانَ له الدّورُ الأكبرُ في مواجهةِ وصدِّ الإرهابِ وتحريرِ معظم المناطقِ التي احتلّتها داعش.

طلبانِ من ضمن جملةِ مطالبَ رفضت حكومةُ عبد المهدي تنفيذَها كي لا يكونَ العراقُ جزءاً من الحصارِ على إيرانَ وحتى لا يستباحَ العراقُ أمامَ الإرهابِ و"داعش" من جديدٍ من خلال حلِّ الحشدِ الشّعبيّ . وعلى أثر رفضِ الحكومةِ العراقيّة للطلباتِ الأمريكيّة سرعانَ ما جاء الرّدُّ باستهدافِ بعض مواقعِ ومخازنِ الحشدِ الشّعبي بغاراتٍ لطائراتٍ (اسرائيليّة) وأصبحت حكومةُ عادل عبد المهدي هدفاً يجبُ إسقاطُه من قبل أمريكا وحلفائها من السّعودية والإمارات والكيانِ الصّهيونيّ بشتّى الطّرقِ والوسائلِ وبدأ العملُ على تحقيقِ الهدفِ من خلال تحريكِ مجموعاتها وخلاياها في كلِّ المحافظاتِ من أجل القيامِ بثورةٍ مطلبيّةٍ اجتماعيّةٍ وتحت هذا العنوانِ بدأت حربٌ جديدة ضدَّ الحكومة.

عمّت المسيراتٌ بغداد ومختلف المدنِ الجنوبيّةِ وبين 1 و 6 تشرين الأول/أكتوبر خرجت تحتَ عنوانِ إسقاطِ الحكومةِ والنّظام منذُ اليوم الأوّلِ دونَ المطالبةِ بأيّةِ إصلاحاتٍ، هذه المسيراتُ سقطَ فيها العديدُ من الضحايا لتسارعَ الإدارةُ الأمريكيّةُ وحلفاؤها إلى استثمارِ الدّم العراقيّ من خلال تأجيجِ الوضعِ ودعمِ المتظاهرينَ غير المعلنِ بكلّ الإمكانات الماديّة والإعلاميّة من أجل إسقاطِ الحكومةِ وفرضِ الشّروطِ الأمريكيّةِ التي تمّ رفضُها . بالتّزامنِ مع تحرّكِ المنظّماتِ الأمريكيّة (الحقوقيّة) التي حمّلَتِ الحكومةَ والحرسَ الثّوريّ الإسلامي وفصائلَ الحشدِ الشّعبيّ مسؤوليّةَ مواجهةِ المتظاهرينَ وقمعِهم والتّصدي لهم بإطلاقِ النّارِ عليهم علماً أنّ ما جرى على أرضِ الواقع يؤكّدُ أنّ العديد من الذين قتلوا على أيدي القوى الأمنيّةِ العراقية كانوا يتسلّحون بقنابلِ المولوتوف وبادروا للهجومِ على مراكزِ الشّرطة والقوى الأمنيّة وقاموا بحرقِ بعض المؤسّساتِ الرّسميّة وقتلِ العديدِ من عناصرِ الأمنِ العراقيّ .وبعد مفاوضاتٍ عادت الأمورُ إلى الهدوءِ على أمل العودةِ إلى الشّارعِ في الخامس والعشرين من الشّهرِ الحالي.

وفي مؤشّرٍ على أهميّة المتابعةِ الامريكيّة للوضعِ في العراقِ استبق "مايكل نايتس" الذي يعملُ في برنامجِ "ليفر" في معهد واشنطن ومقره في بوسطن، وهو متخصّصٌ في الشّؤونِ العسكريّة والأمنيّةِ للعراق وإيران ودول الخليج. مستبقا عودةَ المتظاهرين إلى الشّارع بخطّةٍ ممنهجةٍ قدّمها بتاريخ 22-10-2019 عارضاً قائمةَ أسماء (قادة الميليشيات) التي تقمعُ المتظاهرينَ والمقصود بها قادة فصائلِ الحشدِ الشّعبي لا سيّما تلك الفصائل المؤثّرة التي واجهت الاحتلالَ الأمريكيّ وتعتبر قوّة من قوى محورِ المقاومةِ في مواجهة الكيانِ الصّهيونيّ مطالباً بفرض عقوباتٍ عليهم ومن ثمّ محاكمتِهم. وقد وضع نايتس توصياتٍ في مجال السّياسةِ العامّة في العراق تضمنت:

1 ـ فرضُ عقوباتٍ على مسؤولينَ بارزين بتهم جرائمِ انتهاكِ حقوقِ الإنسان.

2 ـ مراقبةُ انتهاكاتِ حقوقِ الإنسانِ عن كثبٍ بعد إحياء الأربعين.

3 ـ تسليطُ الضّوءِ على دورِ القوّات الإيرانيّة.

4 ـ إعادةُ الترّكيزِ على عمليّات الاعتقالِ التي تنفّذُها ـكتائب حزب الله"

وبناءً على تلك التّوصيات بدأت خلايا وأدواتُ التّخريبِ الأمريكيّ المتسلّلة بين المتظاهرينَ تعملُ على تطبيقِ التّوصيات. وشهدنا ما شهدناه بالأمسِ من عملياتِ أحراقِ بعض مقرّاتِ فصائلِ الحشد التي أشار إليها تقريرُ نايتس فتمَّ حرقُ مكاتبَ لعصائبِ أهل الحقّ في ستِّ محافظاتٍ إضافةً إلى حرقِ مراكزَ لكتائب حزب الله وكتائب سيّدِ الشّهداء وغيرها من الفصائلِ عدا عن استهدافِ بعض القياداتِ منها قتل القيادي في عصائبِ أهل الحقِّ أو جعفر العيلاوي وهو جريح حيثُ تمَّ الإجهازُ عليه مع أخيه في الإسعاف وكلّ من بداخلها بطريقةٍ وحشيّةٍ تشبه عمليّاتِ داعش ونظام صدام البائد. وأيّ من كان يقفُ وراء َتلك العمليّات التّخريبيّة فإنّه لا يخدمُ سوى أمريكا والسّعودية والكيانِ الصّهيونيّ بعلمٍ أو بغير علمٍ لا سيّما في ظلِّ انسحابِ القوّاتِ الأمريكيّةِ إلى داخل العراق وفي ظلِّ الحديثِ عن محاولة إدخالِ عدد ٍكبيرٍ من قادة وعناصرِ داعش الإرهابيّ بتنسيقٍ أمريكيّ في محاولةٍ لاستباحة السّاحةِ العراقيّة وإعادة الفوضى . فأيّة ثورةٍ التي يتحدّثون عنها وهل ما حصل يعتبر انجازاً للثّورة التي يدّعونها أم أنّه تحقيقٌ للأجندةِ الأمريكيّة الصّهيونيّةِ السّعوديّةِ .
(*) محامي وإعلامي لبناني

السعوديةالارهاب

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية



 

مقالات مرتبطة