يوميات عدوان نيسان 1996

نقاط على الحروف

قطع الطرقات: لا تسترد الحقوق بالاذلال
26/10/2019

قطع الطرقات: لا تسترد الحقوق بالاذلال

علي رباح*

انطلق الحراك في لبنان على خلفية أزمات معيشية بالدرجة الاولى، وبغض النظر عن مسار هذا الحراك وتدخل الغرف السوداء التي تسعى الى حرفه عن أهدافه الأساسية باتجاهات مختلفة ترتبط بتصفية حسابات سياسية مع العهد وكل حلفائه، تظهر اليوم مشكلة قطع الطرق التي عانى منها اللبنانيون سابقاً مع كل فورة احتجاجية. واليوم تتبين الأزمة بحجمها الكبير مع تقطيع أوصال البلد عبر قطع الشرايين الاساسية له.

إن بناء دولة قانون عادلة ومستقلة لا بد أن يتخذ المسارات القانونية الوطنية ليزرع في نفوس المواطنين الافكار والسلوكيات السوية لبناء الدولة، وهذا يتعارض مع فكرة قطع الطرقات بالقوة على الناس، علماً أن القانون يُعلن صراحة في المادة 37 (قانون 67 تنظيم السير) الفقرة أ أنه: " يُحظر ايقاف أو ترك مركبة أو حيوان على الطريق العام إذا كان ذلك يُشكل اساءة استعمال الطريق" وفي المادة 50 من نفس القانون : "يُحظر على أي كان أن يرمي أو يترك على الطريق العام ما من شأنه أن يُعيق حركة السير أو يُسبب أخطاراً كالنفايات والتراب والحجارة ومواد البناء وغيرها" ولم يعطِ القانون اي استثناء لقطع الطرقات أثناء الاحتجاجات بهذا الشكل الذي نعيشه اليوم.

أن يقول أحدهم إن "الشعب هو من يقطع الطريق، ليُعبّر عن سخطه وتمرده على السلطة"، لكن ما هو المعيار المتخذ لقياس رأي الشعب؟ مع أننا نرى أن الاعداد التي تقطع الطريق لا تؤهلهم ديمقراطياً للتعبير عن رأي الاكثرية، فهذا مرتبط بالقيام باستفتاء حول رأي الشرائح الاجتماعية في قطع الطرقات، وفي حال استحصلنا على نتيجة مرضية فليكن.

 التأثيرات السلبية لقطع الطرقات تستهدف مباشرةً الناس، وبالاخص الفقراء منهم، الذين يجوبون الطرقات طلباً للرزق، كالموظفين، والسائقين، والبائعين المتجولين و... بالاضافة الى انقطاع المواد الاساسية التموينية التي يعيش عليها الناس، ولا يستطيع الفقراء تموينها بعكس الاغنياء. كما تطال التأثيرات السلبية الحالات الطارئة والخاصة، كنقل المرضى وتنقل الاطباء.

فهل قطع الطرقات إذًا تعبير عنفي أو لا عنفي؟

إن احتجاز حرية الناس في مناطق أشبه بالمعتقلات هو تعبير عنفي بكل ما للكلمة من معنى، وجواب من يقول إن هؤلاء يريدون استرداد حرية الشعب، هو أن الحرية لا تسترد بالاستعباد.

وفي خضم هذه المعمعة، وحق الشعب في تحصيل المطالب، لا بد من التأكيد على حق الشعب في استخدام الوسائل المشروعة واستنفاذها، والمؤثرة بشكل مباشر على السلطة، وذلك وفق منهج تصاعدي مدروس، والمطلوب أن يتبلور من هذا الحراك قيادة يتم اختيارها وفق معايير أخلاقية ووطنية من ذوي الخبرات والكفاءات، تكون متيقظة لعدم استخدام قطع الطرقات في لعبة التصفيات والنزاعات السياسية، وتعمل على:

1. وضع برنامج اصلاحي واضح وواقعي تضغط التحركات الشعبية لتنفيذه.

2. استخدام الوسائل المشروعة والضاغطة من قبيل التجمع أمام بيوت المسؤولين المتهمين بالفساد.

3. تلقف المبادرات الاصلاحية والتجاوب معها خصوصاً التي طرحها رئيس الجمهورية.

4. اختيار لجنة من المتخصصين في الشؤون القانونية والاقتصادية والاجتماعية تمثل الحراك، وتعمل على مراقبة تنفيذ الحكومة لوعودها وللمقررات.

اضافة الى أفكار كثيرة يمكن استخدامها وذلك على قاعدة المشروعية والواقعية، وأن تتم موازنة هذه التحركات بحيث تضغط على السلطة من جهة وأن تُراعى مصالح الشعب فيها، تحديداً الفقراء منهم، فليس من المعقول أن نطالب باستنقاذ أهلنا من الجوع والفقر من جهة، ومن جهةٍ أخرى نضعهم في خيارات صعبة أقلها كفرهم بالحراك، لأن قدرة الناس على التحمل ليست كبيرة، كما قدرة البلد على التحمل في هذه الظروف لا تُبشر بالخير، فنحن في هذه الفترة كباصٍ ينزل مسرعاً الى الهاوية، والمطلوب أن يُبادر ذوو الكفاءة والخبرة الى مساعدة السائق ليُحسن استخدام الفرامل، فالمجال لا يتسع لتغيير هذا السائق، وعندما يتوقف الباص أو تتراجع سرعة انحداره، نبادر حينها الى تغيير السائق ووجهة الباص.

*باحث سياسي

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف