يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

تل أبيب تستفيق من حلم ترامب: صمت رسمي تفادياً للأسوأ
17/10/2019

تل أبيب تستفيق من حلم ترامب: صمت رسمي تفادياً للأسوأ

جهاد حيدر
شكَّل قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالانسحاب من شمال سوريا، محطة اضافية في سلسلة المواقف التي أحدثت سلسلة هزات تركت بصماتها على مواقف المؤسستين السياسية والأمنية في تل أبيب. تتجاوز القراءة الاسرائيلية للقرار الاميركي من مجرد كونه انسحابا من بقعة جغرافية محدّدة. إلى كونه جزءًا من سياق له ما قبله وما بعده، وترجمة لخيار استراتيجي تتبناه ادارة ترامب ازاء منطقة الشرق الاوسط، وهو مستجد يلقي بظلاله على صانع القرار الاسرائيلي ويساهم في اعادة صياغة الرؤية الاسرائيلية لمجمل الوضع في المنطقة، وبلورة خياراتها تجاه تعاظم التهديدات المحدقة بالامن القومي الاسرائيلي.

لو أن قرار ترامب بالانسحاب من شمال سوريا كان معزولا عن العديد من السياقات التي تتسع لتشمل المنطقة بأكملها، لكان بامكان تل أبيب أن تكون أكثر هدوءًا وأقل قلقاً. لكن ما سبقه أبلغ دلالة من حيث الرسائل والمؤشرات. خطورة هذا المشهد في وعي صناع القرار السياسي والامني في تل أبيب، أنه مؤشر على مزيد من الانكفاء الاميركي عن التورط في المنطقة. ومع أن نتائجه المباشرة والفورية تتصل مباشرة بالجماعات الكردية إلا أن تداعياتها تتصل بمجمل الساحة السورية والاقليمية.

حجم التطورات، واتصالها المباشر بالأمن القومي الاسرائيلي، وخطورة الرسائل الكامنة فيها، دفعت وزير الخارجية الاميركية لزيارة متأخرة من حيث التوقيت الى الكيان الاسرائيلي. ليس من الصعوبة التكهن بأهداف هذه الزيارة وعلاقتها بالتطورات، وهو ما كشفته قناة "كان" في التلفزيون الاسرائيلي، بالقول إنها "قبل كل شيء انها زيارة طمأنة. تهدف الى طمأنة المخاوف الإسرائيلية الكبيرة من الخطوات الأخيرة التي قام بها ترامب في الشرق الأوسط، وبشكل محدد بخصوص الموضوع السوري". ولفتت القناة ايضا الى أن "اسرائيل" معنية بأن تسمع من الولايات المتحدة أمرين، أولا، أن صراعها ضد ايران لا يزال مستمرًا بكامل زخمه، وأيضا اذا اردنا أن نكون أكثر تحديداً فيما يتعلق بالنشاطات الأميركية في قاعدة واحدة محددة على الحدود السورية العراقية الأردنية، وهي قاعدة "التنف" واكدت القناة أن المطلب الاسرائيلي خلال هذه الزيارة هو ابقاء تواجد أميركي في هذه القاعدة.

في السياق نفسه، لفت المعلق السياسي في قناة (13)، "باراك رابيد"، الى أن الزيارة تهدف ايضا الى "السيطرة على الاضرار بعد الصدمة في إسرائيل من خطوة ترامب في سوريا، ومن الشعور ان الولايات المتحدة تتخلى ليس فقط عن حلفائها الكرد بل ربما قد تفعل نفس الامر مع إسرائيل في المستقبل. بومبيو معني بتمرير رسائل طمأنة تماما في هذا الموضوع، وهو بحاجة إلى التقاط صورة مع نتنياهو للإيحاء ان الولايات المتحدة لم تتخلَّ عن حليفتها الأساسية في المنطقة". لكنه اوضح ايضا مسألة جوهرية جداً وهي أن المحاثات التي سيجريها بومبيو مع المسؤولين الاسرائيليين، كان يفترض أن تجري قبل اتخاذ قرار دراماتيكي من قبل الرئيس (بخصوص الانسحاب من سوريا)". لكنها الان تجري بعد البدء بتنفيذ القرار، مضيفا أنها تأتي بعد شهر كامل لم يتحدث فيه ترامب ونتنياهو عبر الهاتف، ولا حتى في الشأن السوري الذي يشكل موضوعًا حساسًا جدًا بالنسبة لإسرائيل".

المشكلة بالنسبة لتل ابيب، أن ما يجري في شمال سوريا، لا يقتصر في رسائله ومفاعيله على تلك البقعة الجغرافية، بل يشمل مجمل الساحتين السورية والاقليمية. من هنا ليس مبالغة القول إن القلق هو السائد في مؤسسات القرار في تل أبيب. وبدلا من محاولة حشد المؤشرات الدالة على ذلك، يكفي اقتباس ما حدده بدقة مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى في حديثٍ مع موقع "المونيتور"، "ميزان القوى الاستراتيجي يتغيّر أمام أعيننا، كل الأشرار انتصروا والأخيار يرحلون. إسرائيل عليها ان تتعامل وحدها تقريباً مع المحور التركي ـ الروسي ـ الإيراني البالغ القوة". ما يفاقم المخاطر من هذه الخطوة، أنها جزء من سياق يؤدي بحسب الموقع نفسه الى "تغيير استراتيجي في المنطقة، وهو ما يفرض على اسرائيل تغيير خطط، وشد براغي المؤسسة الأمنية، والاستعداد لسيناريوهات وُضعت في الدرج منذ زمن".

الخلاصة الاولية لهذا المسار، أن "اسرائيل" لم يعد بامكانها التعمية على حقيقة أنها ليست في الجانب المنتصر في المعركة التي شهدتها المنطقة، وما زالت. بل تترسخ قناعة في تل ابيب، أنها ممن تلقوا الهزيمة على أكثر من مسار اقليمي.

بخصوص انعكاسات هذه المسارات على الداخل الاسرائيلي، من الواضح أنهم في تل أبيب يبدون كمن استفاقوا من حلم تخيلوا فيه أن ترامب هو المخلص لـ"دولة اسرائيل". لكن الذي حصل أنه اتخذ أحد أهم القرارات بالنسبة لـ"اسرائيل"، بعيدا عن المشاورات المفترض أن يجريها رئيس أميركي بخصوص خطوات لها اثار مباشرة على الامن القومي الاسرائيلي. ونتيجة الاحراج الشديد الذي يشعر به قياديو حزب الليكود فإنهم "يلفون ويدورون" عندما توجه اليهم أسئلة عن القرارات الاميركية التي تتصل بالساحتين السورية والاقليمية.

بالرغم من قساوة وخطورة القرارات التي اتخذها ترامب في أكثر من قضية ومسار، إلا أنهم يفضلون في تل أبيب التزام الصمت الرسمي على توجيه الانتقادات، والسبب بكل وضوح تفادياً لردود فعل قد تكون تداعياتها أشد عليهم. والى حين الاستفاقة الكاملة من الوهم الذي روَّجه نتنياهو خلال السنوات الاخيرة، يذهب بعض المعلقين الى القول إنه "قريباً جداً، لن يكون نتنياهو هنا من أجل محاولة اعادة تصحيح ما تمت بعثرته في العقد الماضي".

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات