ramadan2024

آراء وتحليلات

مصر: لا تكافل ولا كرامة في ظل توصيات البنك الدولي
03/01/2019

مصر: لا تكافل ولا كرامة في ظل توصيات البنك الدولي

أحمد فؤاد

في مطلع عام جديد، تغوص مصر فيه إلى أعماق المجهول، مع اعتماد حكوماتها على برنامج إصلاح اقتصادي موضوع من قِبل صندوق النقد الدولي، خرج بعض وزراء الحكومة ببشرى استكمال خطط الإصلاح، ليحملوا المزيد من ملح المعاناة إلى جروح نازفة بفعل أزمة اقتصادية خانقة، تأخذ بالعقول والقلوب، ولم تترك مكانًا بعد للمزيد من قدرة التحمل والصبر على الأوضاع الحالية.

وإذا كان العقد الثاني من الألفية الجديدة، الذي بدأ في مصر والعالم العربي، بثورات الربيع، حقبة صعبة، فإن القادم، الغارق في دوامات الحسابات السياسية، الضائع أمام رغبة الحكومة بتطبيق توصيات البنك الدولي، وأماني المعارضة في انقلاب الأوضاع ولو بتدخل قدري، أصعب وأمرّ من الماضي بكل آلامه، ومع عدم امتلاك أي طرف الإيمان واليقين في بلوغ أي مستقبل، فإن سحب الكراهية واليأس والإحساس بمرارة الهزيمة الداخلية هي التي تسود وجه البلد في اللحظة المفصلية الآنية.

سيشهد العام 2019 تطبيق جملة من الإجراءات الاقتصادية، التي تأتي على منوال ما سبقها من قرارات، تستهدف كما تقول الحكومة المصرية عمليات "إصلاح اقتصادي" ويراها المواطن العادي عملية "قتل بطيء"، مع زيادة الأعباء المعيشية شهرًا بعد الآخر، وخروج المزيد من المصريين من مظلة رعاية الدولة أو "الدعم".

برنامج "تكافل وكرامة"، الذي أعلنت عنه الحكومة مع بداية تطبيق الإصلاح، أي منذ نحو 3 أعوام، كعملية حماية اجتماعية لمن هم دون خط الفقر، ويشمل الآن نحو 10 ملايين مواطن ـ طبقًا للأرقام المعلنة من وزارة التضامن الاجتماعي ـ أو 2.2 مليون أسرة، طبقًا لأحاديث رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ويستهدف برنامج "تكافل" الأسر الفقيرة التي لا تملك حيازات زراعية أو أراضيَ تزيد مساحتها على نصف فدان، والتي لديها على الأقل طفل واحد من سن الميلاد وحتى 18 عامًا. فيما يستهدف برنامج "كرامة" كبار السن وذوي الإعاقة.. ويبدو انه سيسقط.

فقد أعلن "مدبولي" أن حكومته تستهدف ترشيد الدعم، وإخراج عدد المواليد الزائد عن طفلين لكل أسرة من مظلة "تكافل وكرامة"، رغم إقراره بأن "برنامج الدعمِ النقدي المشروط جاء استجابة لتوجه الحكومة المصرية نحو سياسات العدالة الاجتماعية، ولتخفيف وطأة الضغوط الحياتيةِ التي تتأثر بها الأسر تحت خط الفقر، نتيجة إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تتبناها الدولة في السنوات الأخيرة"!.

أي أن الفقراء مطالبون، اليوم، ومن جديد، بدفع أثمان عمليات الإصلاح الجارية، وبغض النظر عن أنهم لم يشاركوا في الاستفادة من النهب المنظم الذي جرى في مصر، ولم يكونوا جزءاً من عمليات اتخاذ القرار، التي ترتب عليهم تبعات فشل السياسات، وبالتالي تستوجب دفع أثمان مضاعفة لعمليات إصلاح ما جرى ويجري.

فقد تسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بحوالي النصف عقب تحرير سعر الصرف في تسارع معدلات التضخم في أسعار المستهلكين، لتصل إلى أعلى مستوى تاريخي لها في يوليو 2017 عند 34.2%. وفي تلك الفترة كانت سلة الغذاء هي الأكثر تأثرًا بارتفاع الأسعار فتخطت الزيادة فيها 40% على أساس سنوي، وهي سلع لا يملك الفقراء التقليل منها أو الاستغناء عنها، في ظل تراجع مؤشرات الأمن الغذائي، حيث كشف مؤشر الجوع العالمي، للعام الماضي 2018، الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية "أيفبري"، عن احتلال مصر للمرتبة التاسعة عربيًا والـ 61 عالميًا في المؤشر، خلف لبنان والأردن وسلطنة عمان، فيما كانت المراكز الأولى من نصيب دول الخليج الغنية.

وزارة التضامن الاجتماعي، المنوط بها تطبيق خطط الحكومة في دعم الأسر الأكثر فقرًا، أعلنت بلا مواربة، وبلا حياء، أنها تستهدف خروج ما لا يقل عن 500 ألف أسرة من برامج الحماية الاجتماعية، بواقع 300 ألف أسرة من الضمان الاجتماعي و200 ألف ببرنامج الدعم النقدي المشروط تكافل وكرامة، قبل نهاية العام المالي الجاري 2018 ـ 2019، بحجة التركيز على الأسر الأكثر احتياجاً فقط.

وبالتزامن مع الإعلان الحكومي، رفض صندوق النقد الدولي، آخر أيام العام المنقضي، صرف الشريحة الخامسة من القرض، بقيمة ملياري دولار، بعد إتمام المراجعة الرابعة، وتأجيل النظر في صرفها إلى منتصف شهر كانون الثاني/يناير الجاري، إلى حين التزام الحكومة المصرية بتطبيق الإجراءات كافة، الواردة بخطة الإصلاح الاقتصادي.

الإجراءات التي أخرت الحكومة المصرية تنفيذها تتعلق أساسًا برفع الدعم تمامًا عن الوقود، مع تطبيق آلية مؤشر أسعار الوقود لمعظم منتجات الوقود، بالإضافة إلى بيع البقية الباقية من شركات القطاع العام في البورصة، والتي يسميها المسؤولون المصريون طرح الشركات بالبورصة، وكأنها مطروحة للعرض لا البيع.

مع زيادة أسعار الوقود، فإن كل السلع بالسوق المصرية من المتوقع أن ترتفع لأرقام قياسية جديدة، في ظل حقيقة أن أسعار النقل تمثل نحو 20 إلى 40% من أسعار السلع الزراعية، كمثال واحد على تأثيرها الهائل، وبالتالي فإننا بانتظار عام جديد من المعاناة، لن ينجو منه أحد، سواء بالصمت أو بالتبرير.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات