طوفان الأقصى

خاص العهد

القرى السبع والهوية اللبنانية الضائعة‎
10/10/2019

القرى السبع والهوية اللبنانية الضائعة‎

سامر الحاج علي

 

أواخر العام 2015 أقر مجلس النواب اللبناني قانون استعادة الجنسية اللبنانية لكل من يرغب من المتحدرين من أصول لبنانية بالحصول عليها، متحدرون حُرموا منها في السابق طوعاً أو قسراً، قد يكونوا مهاجرين تَرَك اجدادهم لبنان نتيجة للحروب والأزمات قبل ومع بداية القرن الماضي أو قد يكونوا كما يقول البعض "مهاجرون" فوق أرض الوطن.

لأهالي القرى السبع المحتلة معاناة طويلة مع الجنسية اللبنانية، هم لبنانيون كانت قراهم تتبع أقضية صور وبنت جبيل ومرجعيون قبل أن تُسلخ عن لبنان لصالح الإنتداب البريطاني على فلسطين وفقاً لإتفاقية بوليه نيوكومب، لتبقى أسماؤهم مسلجة لدى دوائر الاحوال الشخصية في دولة لبنان الكبير في العام 1924 تاريخ الإحصاء السكاني الموجود لدى وزارة الداخلية والبلديات اليوم إضافة إلى إحصاء عام 1921، وهذه الصيغة وحدها إذا اقترنت بمستندات تثبتها _وفق قانون استعادة الجنسية اللبنانية الجديد_ كفيلة باستعادة الجنسية لمن إسمه او اسم أحد أصوله الذكور لأبيه أو أقاربه الذكور لأبيه حتى الدرجة الثانية مدرج عليها. فلماذا المماطلة في القضية إلى اليوم؟ يسأل أحد أهالي طربيخا..

القرى السبع والهوية اللبنانية الضائعة‎

حتى العام 1926 كانت القرى السبع تتبع لبنان، ومنها طربيخا التي كانت في ذلك الوقت ضمن لواء لبنان الجنوبي في قضاء صور وكان أهلها يحملون صكوكا تبرهن انهم تابعون للحكومة اللبنانية إلا أنهم هجروها كلياً عام النكبة بعد اجتياح العدو الإسرائيلي لأراضيها، ليستعيد جزء منهم _ثلث السكان تقريبا_ جنسيته اللبنانية عام 1960 بموجب قرارات صادرة عن المحاكم اللبنانية، بينما ظل البقية رهينة الإنتظار حتى صدور مرسوم التجنيس رقم 5247 في حزيران 1994 الذي شمل أفراداً منهم.

مرسوم يرى محمود حوراني المتحدر من إحدى هذه القرى أنه جاء منقوصاً حيث لم يُعتبر مَن شملهم التجنيس مستعيدون للجنسية بل "طارئين عليها" وبذلك اعتُبِروا كأيّ أجنبي دخل إلى الأراضي اللبناني واستطاع الحصول على الجنسية وبقوا لمدة عشر سنوات يَنتخبون ولا يُنتَخبون في حين كان يجب أن يتم التجنيس على أساس الإستعادة فهم لبنانيوا الأصل والهوية، مشيراً إلى أن عشرات العائلات سقطت من هذا المرسوم ولا زالت ملفاتها عالقة في الأدراج إلى اليوم، مع العلم أنها تتمتع بالشروط نفسها التي على أساسها استعيدت الجنسية لبقية الأهالي.

القرى السبع والهوية اللبنانية الضائعة‎

وما يطرح العديد من التساؤلات هو مجرد الإطلاع على لوائح المجنسين في ذلك المرسوم، إذ لا وجود في الخانات المخصصة لمحل القيد أو الإقامة للمجنسين أي من أسماء القرى السبع "هونين وإبل القمح وصلحا وطربيخا وغيرها" فقد جرى تجنيس الأفراد على أساس مكان إقامتهم الحالية وليس بلداتهم الأصلية وهو ما يعد ربما تنازلاً عن حق لبنان في هذه الأراضي التي لا زال أهلها يملكون عقود أملاكهم فيها إلى اليوم ناهيك عن أن العدو الإسرائيلي انسحب عام 2000 من أجزاء منها، هذه الأجزاء المحررة والتي يقر العدو بلبنانيتها لا تقر الدولة اللبنانية بلبنانية بعض ملّاكيها.

ويسأل خليل كرشت وهو من أبناء هذه القرى التي يعتقد أن غالبية السياسيين اللبنانيين يعتقدون بلبنانيتها، لماذا تصر دوائر القانون في لبنان على اعتبار من تبقى من أهالي هذه القرى غير لبنانيين مع العلم أنهم وفق قانون التجنيس الصادر عام 2015 يستوفون شروط استعادة الجنسية خاصة وأن أجداد الجميع مسجلون في سجلات إحصاء 1921 و 1924 وقد أثبتنا ذلك من خلال الملفات التي تقدمنا بها إلى وزارة الداخلية والبلديات.
وإذا يعتبر كرشت أن هناك ظلم واضح يلحق بهم، يقول "في الوقت الذي تطلب فيه الدولة من كل من هو من أصول لبنانية بالعودة لاستعادة الجنسية نتقدم نحن بملفاتنا الكاملة دون أن نحصل على شيء إلى الآن" ثم يضيف: تخيّلوا أن هناك عائلة مؤلفة من والدين وأربعة أبناء، حصل الوالدان وثلاثة من الأبناء على الجنسية اللبنانية في مرسوم العام 1994 وبقي واحد منهم بدون جنسية، فكيف يحصل ذلك ؟

القرى السبع والهوية اللبنانية الضائعة‎

قضية الأهالي هنا لا تتوقف عند الحصول على بطاقات الهوية وممارسة حقوقهم السياسية في لبنان، بل إن المسألة أكبر من ذلك. فوفق ما هو معلوم، لا يحق لغير اللبنانيين بالتقدم للوظائف العامة في لبنان أو الإستفادة مثلا من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. كما أن هؤلاء محرومون من العمل في عدد من الوظائف والمجالات كالطب والهندسة والصيدلة والمحاماة ناهيك عن الإنخراط في الأسلاك العسكرية والأمنية وعدم التملّك وغيرها حتى يُحكم على جلّهم إما بالهجرة إلى خارج وطن يعيشون فيه غرباء أو بالعمل في الزراعة وبعض الوظائف الخاصة. وهو ما تحدث عنه ابراهيم حيدر الذي يشير إلى أنهم يعيشون في دوامة من الظلم منذ سنوات، فهم مظلومون في الأرض والهوية وأبناؤهم مظلومون بعدم إعطائهم الحق في العمل بعد سنوات طويلة من الدراسة والتعب، حسب تعبيره.

ويشير ابراهيم إلى أنهم كأهالي يحق لهم التقدم لاستعادة الجنسية وفق القانون، تقدموا بملفات كاملة وجرى التحقيق معهم من قبل الأمن العام اللبناني إلا أن لا نتيجة لكل ذلك إلى الآن، ويضيف "راجعنا اللجنة المختصة وقالت أنها أحالت الملفات إلى هيئة التشريع في وزارة الخارجية لإبداء الرأي ولا زالنا ننتظر إلى اليوم".

القرى السبع والهوية اللبنانية الضائعة‎

وفي مطالعة أخيرة ربما تعيد تصويب الأمور في مسارها، فإن القانون رقم 41 والصادر عن المجلس النيابي بتاريخ 24 تشرين الثاني 2015 بإسم "قانون تحديد شروط استعادة الجنسية اللبنانية" والذي تقدّم الأهالي بملفاتهم على أساس بنوده، ينص على الحق في استعادة الجنسية اللبنانية لكل شخص إذا كان اسم أحد أصوله الذكور لأبيه أو أقاربه الذكور لأبيه حتى الدرجة الثانية مدرجاً على سجلات الاحصاء التي أجريت بعد إعلان دولة لبنان الكبير أي سجلات أعوام 1921 و 1924 مقيمين ومهاجرين وسجل عام 1932 مهاجرين الموجودة لدى دوائر الأحوال الشخصية في وزارة الداخلية والبلديات، شرط أن لا يكون هؤلاء قد مارسوا حقهم باختيار الجنسية وألا يكون المدرج اسمه على السجلات قد اختار صراحة أو ضمناً تابعية إحدى الدول التي انفصلت عن السلطنة العثمانية.

وانطلاقاً من قاعدة ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، تستمر معركة أهالي القرى السبع من أجل الحصول على جنسية بلاد قدموا الكثير من التضحيات على طريق تحريرها لا سيما الشهداء، حتى بات يقال عند مقدمة بيوتاتهم: هؤلاء هم من قدّموا دماً من أجل بلاد، تبخل عليهم بحبر وورقة يطلق عليها إسم "هوية" .

إقرأ المزيد في: خاص العهد