طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

أي
04/10/2019

أي "إسرائيل" ما بعد الانتخابات ؟

سركيس أبوزيد

خسر بنيامين نتنياھو جولة الانتخابات لمجرد أنه أخفق في الحلول في المرتبة الأولى التي آلت الى حزب الجنرالات "أزرق - أبيض"، ولكنه أفلت من الھزيمة ولم يخرج من الحلبة . بالمقابل، ربح بيني غانتس وتقدم "حسابيا"، ولكنه لم ينتصر سياسيًا لمجرد أنه لم ينجح في حسم رئاسة الحكومة له وفي الوصول الى أكثرية الـ 61 صوتا (النصف زائد واحد في الكنيست). لا بل حصلت مفاجأة حيث تقدم نتنياھو على غانتس في مشاورات التكليف بحصوله على 55 صوتًا ھو مجموع معسكر اليمين مقابل 54 صوتا لـ"غانتس" ھو مجموع أصوات معسكر الوسط واليسار.

فقد كان من المفترض أن يكون غانتس متقدما، ولكن 3 نواب من القائمة العربية المشتركة سحبوا تأييدھم له. وما حصل أن غانتس لم يتوجه لـ"القائمة العربية المشتركة" بطلب دعمه ورفض التفاوض الرسمي معھا حول مطالب المجتمع العربي، وأصدر بيانات تنفي قبول أي من شروطھا، في وقت كان مسؤولون في حزبه يبلغون وسائل إعلامية أنھم ليسوا مرتاحين لقرار القائمة العربية بتأييد غانتس كرئيس حكومة، لأن ھذا التأييد أضرّ بھم شعبيًا، وبالتالي يعتبرون أنھم غير معنيين بھذا الدعم وبالاستجابة لشروط "القائمة العربية".

كما أظهرت الانتخابات أيضًا أن حزب "إسرائيل بيتنا" غيّر قواعد اللعبة السياسية والانتخابية في" إسرائيل"، وأن زعيمه ليبرمان أنتج مكوّنا سياسيًا جديدًا ھو خليط من اليمين غير المتشدد ومن اليمين العلماني ومن الجيل الأول للمھاجرين اليھود من دول الاتحاد السوفياتي. فقد أراد ليبرمان أن يشكل قوة سياسية تفرض شروطها على القوتين الأكبر، وھو يدفع منذ إقفال صناديق الاقتراع الى حكومة وحدة تضم نتنياھو وغانتس وليبرمان بأكثرية 72 ليكون بذلك قد حقق إبعاد العرب حلفاء غانتس و"الحريديم" حلفاء نتنياھو.

في المقابل دلت وقائع ما بعد الانتخابات أن غانتس تنقصه الخبرة السياسية عندما تصرف على أساس أن المعركة حُسمت وانتھت، وتسرّع في رفض دعوة نتنياھو الى حكومة وحدة، مؤكدًا أنه ھو من سيشكل الحكومة. وذھب الى أكثر من ذلك بأن ربط إمكانية التوجه الى حكومة وحدة مع "الليكود" بأن لا يكون نتنياھو على رأس الحزب. ولكن نتنياھو أصرّ على التصرف والتحدث بوصفه الرئيس الثابت لـ"الليكود"، بل لمعسكر اليمين الذي يتعذر من دونه تشكيل الحكومة العتيدة، مع تشديده على ضرورة أن تكون برئاسته وإن بالتناوب مع غانتس.

وهنا يبرز سؤال، لماذا كلف الرئيس الإسرائيلي بنيامين نتنياھو بتأليف الحكومة مع أن الجنرال بيني غانتس في المرتبة الأولى ( 33 مقعدا مقابل 32)؟

رئيس كيان العدو رؤوبين رفلين قال عند تسلميه كتاب التكليف لنتنياھو إن أيًا من المرشحين لم يستطع جمع 61 نائبًا يؤيده في الحكومة. لذلك، أصبحت العصمة بيديه ھو وحده. فقرر أن يفحص من توجد له قاعدة راسخة وقريبة أكثر. فوجد أن لدى نتنياھو 55 نائبا يوصون عليه بلا تحفظ. بينما غانتس جلب 57 نائبا، لكن 3 منھم انسحبوا ، ويقصد هنا نواب حزب التجمع، في القائمة المشتركة، و 10 آخرين ھم بقية نواب المشتركة، الذين  قالوا إنھم يؤيدون أن يشكل غانتس الحكومة، ولكنھم يرفضون أن يكونوا جزءا منھا. وعليه، أصبح لدى غانتس إذا جمع نواب حزبه وحزبي العمل وميرتس، 44 نائبا.

وهنا نسأل عن الخيارات المتاحة أمام  نتنياھو. نتنياھو يشعر ويدرك أنه في وضع صعب وعند مفترق طرق حاسم ونھائي، فأمامه مھلة 28 يوما لتشكيل حكومة مع إمكانية تمديد المھلة لأسبوعين إضافيين، وفي حال أخفق في تحقيق ذلك، يمكن للرئيس الإسرائيلي أن يكلف شخصية أخرى.
وفي الخيارات المتاحة أمام بنيامين نتنياهو لتشكيل الحكومة:

1- حكومة وحدة وطنية: فما زال نتنياھو يأمل في تشكيلھا متحدثًا عن ضرورة تشكيل حكومة وحدة موسعة، لأن "إسرائيل" تمر بتحديات صعبة أھمھا التحدي الأمني. وأما موقف غانتس، فإنه توقف الى حد بعيد على لوائح الاتھام التي ستصدر مطلع الشھر المقبل ضد نتنياھو في قضايا فساد وطبيعة ھذه الاتھامات وتأثيرھا.

2- حكومة يمينية ستكون في حاجة الى انضمام إفيغدور ليبرمان إليھا لتحصيل أكثرية، وإذا امتنع ليبرمان يمكن لنتنياھو أن يلجأ الى أحزاب أخرى صغيرة بما فيھا حزب "العمل".

فـ"إسرائيل" المنھمكة في نتائج انتخاباتھا وأزمة الحكومة الجديدة، تتابع عن كثب التطورات المتصلة بالملف الإيراني بعد ھجمات "أرامكو" التي شكلت نقطة تحوّل، وحيث ترى "إسرائيل" أن الضربة التي تلقتھا منشأتا "أرامكو" شرق السعودية، تتجاوز تداعياتھا، بالنسبة إلى" إسرائيل"، الضرر المادي المباشر اللاحق بالمملكة، إلى التأثير في مجمل المواجھة الدائرة بين طھران وأعدائھا في المنطقة، وعلى رأسھم "تل أبيب".

 وفيما يخص "صفقة القرن" فقد أكد السفير الأميركي في "إسرائيل" ديفيد فريدمان أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتسوية القضية الفلسطينية، سوف تعلن في وقت لاحق من العام 2019، عندما تكون "إسرائيل " جاھزة لذلك. وقال فريدمان، في لقاء مع صحيفة "جيروزاليم بوست" إن "الخطة ستجعل "إسرائيل" أقوى وأكثر أمنا"، وتابع: "وأنا أعتقد بأن الولايات المتحدة ستعترف بضم الأغوار وشمال البحر الميت، كما فعلت مع موضوعي الجولان والقدس".

عين "إسرائيل "على إيران والخليج، والكرة التي استقرت في الملعب الأميركي، كما تنتظر قرار واشنطن بشأن "صفقة القرن" والإعلان عنها، وعين نتنياھو على حكومته الجديدة ومصيره السياسي. بالإضافة إلى قلق حقيقي في قيادة الجيش وغيره من أجھزة الأمن، من أن يسعى نتنياھو الآن إلى "تسخين" الأوضاع الأمنية، وإعطاء أوامر للجيش للقيام بعملية عسكرية واسعة أو حرب، في الشمال أو الجنوب، فهو يعيش في حالة ھوس ھستيري بسبب شعوره بقرب خسارته الحكم، ويدرك أن تركه منصب رئيس الحكومة يعني محاكمته بتھم الفساد ودخوله إلى السجن، ولذلك ليس عنده ھمّ اليوم سوى إيجاد وسيلة تبقيه في الحكم.

نتنياهو، وبعد انتخابات غير حاسمة، يواجه مھمة غير واضحة المعالم، والمسألة ليست أزمة تكليف وإنما أزمة تأليف، وأمام أزمة حكومية جديدة يتأكد وجود مأزق شديد في النظام السياسي الإسرائيلي يدفع أولا في اتجاه سن قانون جديد أو تعديل القانون الحالي، ويدفع ثانيا في اتجاه التخلص من أوضاع يكون فيھا مجال لانتخاب رئيس حكومة والسماح له بأداء مھامه حتى لو كانت ھناك لائحة إتھام موجھة ضده.

ففي الخلفية، تتعالى طوال الوقت دقات الساعة الأمنية، وفيما لا يزال التوتر الأمني مستمرا، فإن ثمة خطرا أن يستخدم الأمن ذريعة، وأن "تسخينا متعمدا" لإحدى الجبھات في الشمال أو قطاع غزة، يمكن أن يخلط أوراق المفاوضات بشكل يسرع تشكيل حكومة طوارئ برئاسة نتنياھو، حتى في سيناريو متطرف، يتم استغلاله لتبرير إنضمام فارّين معدودين من "كحول لفان" أو حزب "العمل". فظروف أمنية طارئة شكلت أكثر من مرة سياقاً مريحاً لتشكيل ائتلافات غير متوقعة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل