ramadan2024

خاص العهد

لماذا لا تستعيد الدولة اللبنانية حصريّتها في استيراد النفط؟
01/10/2019

لماذا لا تستعيد الدولة اللبنانية حصريّتها في استيراد النفط؟

ياسمين مصطفى

تتعدد السبل وتتفرّع عند الحديث عن أبواب لإثراء الخزينة وزيادة وارداتها، ولعلّ أبرزها قطاع الطاقة وتحديدًا النفط. إنه الذهب الأسود بمختلف مشتقاته. يشكل اليوم العمود الفقري لاستمرار الدول، لكن في لبنان، لا تبدو الدولة مكترثة للاستفادة من هذا المرفق أو تفعيله. عند البحث عن الأسباب، تتكشف الموانع وتتجلى بغياب القرار السياسي، لصالح شركات محلّية تختبئ خلفها أسماء سياسيين لبنانيين، شكّلوا "كارتيل" (تكتل) نفطي للاستحواذ على ملايين الدولارات.

يرزح لبنان تحت هذا الواقع المأساوي منذ عقود، تحديدا منذ العام 1989، حين تخلّت الدولة عن مسؤوليتها ورعايتها لقطاع الطاقة، بعدما كانت في الثمانينيات والسبعينيات والستينيات المستورد الوحيد للمشتقات النفطية، أما اليوم فالأمر مختلف. بحسب الخبير في الصناعة النفطية المهندس ربيع ياغي، يُعتبر "كارتيل" النفط هو الوسيط الوحيد في ملف استيراد النفط بين الدول والمستهلك اللبناني، ما عدا منشأتي تخزين النفط في كل من الزهراني وطرابلس، اللتين تخضعان لإدارة الدولة، والتي تشغلهما عبر مناقصات لجلب الديزل و"الفيول أويل"، أما باقي ما تبقى من المشتقات النفطية مثل المازوت والبنزين ووقود الطائرات والغاز المنزلي فإن عقود استيرادها هي حصرا تحت سطوة شركات خاصة غير خاضعة للمناقصات.

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يسهب ياغي في تفنيد عمل "كارتيل" النفط، ويقول: "تمتلك هذه الشركات حقوق تخزين المشتقات النفطية في الدورة وعمشيت، هذه الشركات أنشأت "كارتيل" في ما بينها لاستيراد بواخر النفط، وبيعها في لبنان بالسعر الذي تريد، يتم الاستيراد بالدولار، وعلى أساس سعر السوق. 

"سحب البساط" من تحت شركات "كارتيل" النفط ليس مستحيلًا

في المقابل، ينعى ياغي عمل القيّمين الحكوميين  على القطاع النفطي، ويقول: "هم يحرمون الدولة من حقها في الاستيراد المباشر لمشتقات النفط لحساب الشركات الخاصة.. نعم يمكن للدولة استيراد النفط وإثراء الخزينة، لكن الواقع أن هذه الشركات تحتكر هذا المرفق في التعاملات مع دول آسيا وأوروبا، لقاء عمولات عالية، ناهيك عن أرباح أقل ما يقال عنها إنها "خيالية"".

وفي إجابة على سؤال حول إمكانية تغيير واقع استيراد النفط في لبنان وحصره بالدولة، يؤكد ياغي أن الدولة قادرة على تفعيل طاقة تخزينية كبرى من مشتقات النفط في منشآت الزهراني أو ما يعرف بـ"STORAGE FOROM"، وكذلك في طرابلس، عبر توسعة خزانات التخزين لتصبح مؤهلة بالتالي لاستقبال الشحنات التي يحتاجها السوق المحلي.

مخزون استراتيجي

ويلفت ياغي في حديثه إلى أنه ثمة ما يسمى في الدول "المخزون الاستراتيجي من المشتقات النفطية"، ويوضح أنه مخزون ضروري لكل دولة، يُسعفها في حال حدوث أي طارئ من قبيل انقطاع إمدادات النفط من الخارج بشكل يسمح للبلد أن يستمر بالعمل حتى شهر ونصف الشهر في أقل تقدير، وهو بالطبع ما يفتقر إليه لبنان، حتى اليوم.

تلاعبٌ بالنوعية والأسعار

لا يستبعد ياغي وجود تلاعب في نوعية النفط المستورد وكمياته وبورصة أسعاره، وإذ يوضح أن للبنان الرسمي عقدًا مع كل من الكويت والجزائر، تحت عنوان تبادل بين دولة لدولة لاستيراد "الديزل" والـ"فيول أويل"، يلفت إلى أن هاتين الدولتين لا تعطيان لبنان "الديزل" و"الفيول أويل" مباشرة لكن عبر وسيط هو الشركات الأجنبية، ويضيف: "لأسباب تقنية كثيرة فإن نوعية الـ"فيول" الجزائري الذي لديها أهم من نوعية ما تصدّره إلينا، هي تعطينا من الأسواق العالمية "فيول" بأسعار متدنية وترسله عن طريق شركات عالمية خاصة.

أما الرقابة على استيراد النفط، فينعاه ياغي هو الآخر، مشيرًا إلى أن "الرقابة الحكومية غائبة"، سواء من حيث نوعية النفط المستورد أو كمياته التي تدخل إلى لبنان أو تركيبة أسعاره، في حين أن الوحيد الذي يدفع ثمن كل هذه الفوضى هو-بحسب المهندس ياغي-المواطن اللبناني.

الأمن "الطاقوي" مفقود

يؤكد ياغي أن الدور الكبير في هذا القطاع الاستراتيجي من المفترض أن يكون للدولة، ويقول:"هناك ما يسمونه في بلاد العالم بـ "الأمن الطاقوي"، بمعنى أن يكون للدولة الكلمة الفصل واليد الطولى في هذا القطاع، أما في لبنان فالعكس هو الصحيح".

موظفو المديرية العامة للنفط .. بلا وظيفة؟

يلفت ياغي إلى أنه في لبنان ما يسمى بالمديرية العامة للنفط، يسأل عن وظيفتهم في حين أن لا مصافي نفط في لبنان!

ويؤكد ياغي أن هذا المرفق، كما سائر مرافق الدولة، بحاجة ماسة لإعادة تأهيل، ما يعني بالدرجة الأولى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب بمعزل عن الاعتبارات الطائفية والحزبية وزواريب السياسة الضيقة، ويشير الى ضرورة تدريب الكوادر على أساليب التفاوض مع الدول المصدرة للنفط، ويسأل:"المحروقات قطاع استراتيجي..لدينا دولة قائمة بذاتها ولدينا وزارة طاقة، فما المانع من توقيعها عقودا لاستيراد النفط- مع تحييد "كارتيلات" النفط الخاصة- مع دول المتوسط، على كثرتها؟، فهل نشهد في يوم من الأيام في لبنان، مثالا يحتذى في الأمن الطاقوي.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل