طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

نتائج السياسة النقدية: الليرة تتأرجح
27/09/2019

نتائج السياسة النقدية: الليرة تتأرجح

يوسف الريّس

عمد مصرف لبنان إلى نكران أزمة سعر الصرف المتغيّر في الأسواق عبر تصريحات حاكمه كمحاولة تطمينية لبث الارتياح في الأسواق. إلا أن أزمتي القمح والمحروقات اللتين تلوحان في الأفق أجبرتا المصرف المركزي على الاعتراف بالأزمة عبر وعده بحلّها بتعميم يوم الثلاثاء القادم. اعتراف لم يلجم البلبلة حول أزمة المحروقات في لبنان.

الواقع الاقتصادي يشير إلى أن أزمة سعر صرف الليرة في السوق تتفاقم. فرغم التزام المصرف المركزي بتسعيرة صرف الليرة وإبقائها بين هامشي الـ1507 والـ1515 مقابل الدولار الواحد، إلا أن المصارف اتخذت تدابير أبرزها عدم التصريف عبر الصرّاف الآلي كذلك الامتناع عن تصريف الودائع أو حتى الإفراج عن الودائع بالدولار. أما أسعار الصّرافين فلا تزال تعلو حيث حققت أعلى سعر صرف بالأمس لتصل إلى الـ1680 ليرة في مقابل الدولار الواحد وإن كان السعر الأكثر رواجًا هو الـ1620 ليرة. وبذلك يكون قد ارتفع سعر الصرف بنسبة 6% عن الحد الأقصى لسعر العملة الثابتة.

الواقع الاقتصادي يشير إلى أن أزمة سعر صرف الليرة في السوق تتفاقم

يعبّر القطاع المصرفي عن تدابيره بأنها حمائية ضد المضاربات. فمخاوف المصارف من الطلب على الدولار بغية الربح من الفارق بالسعر ما بين المصرف التجاري والصرافين. وتعود هذه الخطوات للهدف الأساسي بامتصاص الدولارات من الأسواق نظرا لشح الدولارات في لبنان. فالمصرف المركزي يعتمد سياسة حماية أموال المودعين أولاً.

تعود أسباب شحّ الدولار إلى العجز في ميزان المدفوعات المتمثل بحساب التجاري وحساب الرساميل والذي يحقق عجزًا بحوالي 5.2 مليار دولار بحدود أيار/ مايو من السنة الحالية بعد أن حقق فائضاً عام 2018 بـ430 مليون دولار لغاية أيار/ مايو 2018. فالحساب التجاري اللبناني سلبي على مدى سنوات حيث يسجل عجزًا سنويًا مقدّرًا بحوالي الـ18 مليار دولار سنويا. في حين انخفضت نسبة استيراد المنتجات غير النفطية بحوالي 13.7% اي بما يقارب الـ5.7 مليار دولار في أيار/ مايو 2019 كاستجابة لخطة الحكومة التقشفية. وقد طال هذا الانخفاض السيارات والملابس والأقمشة. كذلك، فقد انخفضت نسبة استيراد المعادن كالالمنيوم والحديد بنسبة 26.3% كنتيجة لوقف دعم قطاع العقارات. إلا أن الاستيراد لجهة مؤسسة كهرباء لبنان من منتجات نفطية قد ارتفع مساهمًا بذلك بارتفاع بالعجز بالحساب التجاري بنسبة 10.2% خلال الأشهر الخمسة الاولى من السنة الحالية.

أما على صعيد التصدير، فقد حقق لبنان ارتفاعا بنسبة 9.2% بسببب انفراج الحدود مع سوريا وخاصة في صناعة الأدوية بحيث ارتفعت صادراتها بنسبة 32% حتى شهر أيار/ مايو من العام الحالي. وبالتالي امتص القطاع النفطي التحسّن في الميزان التجاري الذي سعت الحكومة إلى تحقيقه من خلال خطتها التقشفية.

الإصلاح البنيوي هو الحل للاقتصاد الذي أنهكته التبعية الاقتصادية المحمية من سياسة نقدية تعتمد على منهجية تنفع لدورة اقتصادية واحدة

علاوة على ذلك، فقد أدى الارتياح الأمني إلى كثافة في السياحة التي عادت على لبنان بأكثر من 8 مليار دولار إلا أن توجه اللبنانيين إلى السياحة الخارجية امتص 6 مليار دولار مما جعل ميزان السياحة التجاري فائضاً بـ2 مليار دولار فقط. ليقارب العجز التجاري الـ2.13 مليار دولار في نهاية شهر أيار/ مايو.

أما على صعيد حركة رؤوس الأموال، فقد استمرت بالانخفاض، وحققت فائضًا بعام 2018 يقارب بـ1.55 مليار دولار بعد أن كانت 1.72 مليار دولار 2017 اي انخفاض بنسبة 9.55% وما تزال هذه الحركة بانخفاض.

على صعيد قطاع المصارف انخفض صافي الأصول الأجنبية لدى المصرف المركزي بمقدار 3 مليارات دولار بحلول أيار/ مايو 2019 ، في حين تراجعت أسعار صافي الأصول الخارجية للبنوك التجارية بمقدار 2.12 مليار دولار خلال نفس الفترة.

تجدر الإشارة إلى أنه في شهر أيار/ مايو وحده، سجل ميزان المدفوعات عجزا كبيرا بقيمة 1.88 مليار دولار. في الواقع، تقلص صافي الأصول الأجنبية في المصرف المركزي بمقدار 1.37 مليار دولار شهريًا ، ويمكن أن يعزى ذلك إلى دفع 650 مليون دولار من سندات اليورو المستحقة في 20/05/2019 ، بينما انخفضت أسعار صافي الأصول الخارجية للبنوك التجارية بمقدار 508.2 مليون دولار في أيار/ مايو 2019.

إن هذه الأرقام تشير إلى أسباب العجز الفاضح في ميزان المدفوعات رغم السياسة التقشفية الواضحة التي تعتمدها الحكومة اللبنانية بهدف خفض الاستيراد، إلا أن ما تقوم به لم يظهر نجاحاً، بل أدت إلى انكماش الأسواق وخاصة العقارية بحيث انخفضت التعاملات بهذا القطاع بنسبة 55%. هذا الانكماش، وفي ظل الحاجة الدائمة للاستيراد وعدم القدرة على التصدير بسبب ترهلّ القطاعات الإنتاجية جعل نقد لبنان عرضة لودائع غير المقيمين. بحيث إن اي انخفاض لحركة قدوم الرساميل بالدولار سيخلق أزمة لدى المصرف المركزي للاستحصال على الدولار. وهذا ما يعيشه لبنان اليوم.

الإصلاح البنيوي هو الحل للاقتصاد الذي أنهكته التبعية الاقتصادية المحمية من سياسة نقدية تعتمد على منهجية تنفع لدورة اقتصادية واحدة، وباتت هذه السياسة ثابتة والاقتصاد خادمها لمدة تعدت العشرين عامًا. أما في الوقت الحالي، فالمصرف المركزي أمام تحدّي ثبات الليرة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات