يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

أيلول الذي لم يعد أسودَ بعد معادلة المقاومة الاسلامية
03/09/2019

أيلول الذي لم يعد أسودَ بعد معادلة المقاومة الاسلامية

أحمد فؤاد

شهر النكبات العربية لم يعد "أسودَ" كما يحلو للمثقفين العرب أن يلقبوه، بل صار شهرًا للثأر والفداء. انتقل حزب الله بالرد على الكيان الصهيوني إلى "عمق العمق". الكلمة بالغة الدلالة التي حملها خطاب سماحة السيد حسن نصر الله الاثنين 2 أيلول، تحدثت عن عملية غير مسبوقة بضرب الكيان الصهيوني من داخل أرض فلسطين المحتلة، وتحقيق إصابات مباشرة، والتوثيق -للتاريخ والمحبين- ثم الانسحاب بسلام، رغم حالة استنفار صهيونية وصلت ذروتها، وأكدها السيد في خطاب السبت الماضي، عن حتمية الرد على الكيان.

تحدى السيد بإعلان أن الحزب سيرد، وتحدى بأن الرد من لبنان، وعلى امتداد الحدود وقال للعدو انتظرنا، ورغم اليقين -لدى العدو قبل الصديق- بصدق السيد، والاستعداد الصهيوني الواصل لدرجة جنونية، من وضع دمى إلى أهداف زائفة، فإن العملية تمت جهارًا نهارًا، ووجهت رسائل جمة، وجاءت في استعراض للقدرة واضح قاطع بأن تاريخ 1 أيلول 2019 بالنسبة للمنطقة ليس كما قبله، ولن يكون القادم إلا أعظم وأكبر.

تكلم السيد ووضع كل نقاط الفهم على حروف الفعل المجيد لرجال المقاومة. ثبت معادلة الردع مع الكيان الصهيوني، وفق أسس جديدة تمامًا، وكنس أوهام "نتنياهو" إلى صحراء النسيان، بعد أن أراد الصهاينة كسر الوضع القائم منذ انتصار تموز 2006، والاندفاع بفعل تأييد أميركي أعمى، وحلف من عرب بقلوب عبرية، قبلوا في هوان ومذلة أن يخرج قرارهم الرسمي من تل أبيب، ومن الموساد.

الهزيمة الصهيونية المتحققة، بقبول الصفعة المدوية، والصمت، تركت الحلف العبري بقيادة خونة الأمة العربية في العراء

العملية البطولية وإن كانت موجهة إلى قلب العدو الصهيوني، فيما يعتبره الخط الأحمر الأهم له، إلا أن توابعها لم تقتصر عليه، ولم تتوقف عنده، والمتابع العادي للإعلام الخليجي وبعض الاعلام المصري، أمس واليوم، سيذهل من التطابق المخزي بين عناوين التقارير الصحفية العربية والعبرية، بل ووصل الأمر حد ترجمة بيانات وأخبار، تحمل وجهة نظر الصهاينة إلى القارئ العربي، وفي مصر بالذات، والتي حملت فيها إحدى الصحف اسم كاتبة مغمورة على تقرير صهيوني، نُشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت".

الصحف المصرية، بشكل عام، والتي تخضع لملكية واحدة، لم تتعامل مع الحدث الهائل، بما يستحقه. وربما هذا مفهوم في ظل خيارات القيادة المصرية الحالية، لكنها في المقابل أهانت ما تبقى من دور مصري في المنطقة، إذ صورتها كتابع للإعلام الخليجي، تابع منسحق تمامًا، ينتظر ردود الفعل السعودية والإماراتية ليبدأ عزفه الشاذ وطنيًا، المدان والملعون شعبيًا. ولعل أهم الصور التي تظهر بجلاء، وبغير اللجوء لتحليلات قد تصيب أو تخطئ، مشهد جنازة والدة رئيس وزراء المخلوع مبارك، إذ لم يحضر للصلاة وحمل نعش المتوفاة، سوى أفراد قلائل، في مشهد استنساخي لصور جنازة السادات، صاحب خيانة كامب دايفيد، والتي لم يحضرها سوى أصدقاؤه الصهاينة، بينما غاب الشعب المصري عنها تمامًا.

الهزيمة الصهيونية المتحققة، بقبول الصفعة المدوية، والصمت، تركت الحلف العبري بقيادة خونة الأمة العربية في العراء. صمت ثم ذهول، وأخيرًا تلقفت أبواقهم الإعلامية الرواية الصهيونية البائسة، كقشة يتعلقون بها أمام عملية لن يجرؤ أي منهم على تخيل نتائجها بالنسبة إلى عرشه أو كرسيه، وهي حبكة مضحكة، تشبه سيناريو أحد أفلام الخيال العلمي الهوليوودية الرخيصة.

الأنظمة الخليجية، ومن قبلها مصر كامب دايفيد، سلمت مقاليد أمورها لنتنياهو، وكيلًا عن "ترمب"، وباتت كمن راهن بكل أمواله على العصر الصهيوني الجديد، الممثل في "صفقة القرن"، والعملية أصابت أكبادهم قبل قلب العدو الصهيوني، وخاصة مع اتباع الكيان لخيار إذاعة كل اختراقاته للدول العربية، وتسريب اجتماعاته مع المسؤولين، وآخرها إعلانه المتبجح بمشاركة عسكرييه في الحرب على اليمن، ودخوله في حلف يُراد تكوينه لحراسة السفن في مضيق هرمز بالخليج الفارسي.

السعودية -كمثال- تريد الحصول على منظومة القبة الحديدية الصهيونية، كوسيلة يراها محمد بن سلمان لمواجهة الصواريخ اليمنية، التي تضرب ما شاء لها "أنصار الله" والجيش اليمني أن تضرب، وتقف الدفاعات الأميركية "الباتريوت" أمامها بلا حول ولا قوة، تاركة المملكة بالكامل عارية أمام الهجمات اليمنية، سواء بالصواريخ أو الطائرات المسيرة.

وإذا وضعنا العملية البطولية لحزب الله في مواجهة الرغبة السعودية بالتعاون مع الكيان، سيقفز للذهن، مباشرة، سؤال: "وإذا كان الكيان عاجزًا عن الدفاع عن نفسه، فلماذا ستشتري السعودية منظوماتها الوهمية؟"، وإذا كان الكيان بكل هذا الضعف والهوان، الذي سمح للأبطال بتنفيذ عملية -سبق الإعلان عنها- في وضح النهار، والانسحاب سالمين، لماذا يتعاون معه النظام المصري في سيناء، وهو العاجز عن حماية جنوده؟

الصخب الإعلامي البترودولاري كان مقصودًا، كمحاولة للتغطية بأي -وكل- شكل على الإنجاز المتحقق، وهو سابقة لا تترك لأحد مجالًا للتفكير في مستقبل للكيان على الأرض العربية، التي تلفظه، ويلفظه أبناؤها الأبطال، وهو الترجمة الأمينة لسيد الوعد الصادق، بأنه من الجيل الذي سيصلي في القدس.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل