طوفان الأقصى

آراء وتحليلات

دور دبلوماسي فرنسي جديد باتجاه روسيا وأميركا وايران
30/08/2019

دور دبلوماسي فرنسي جديد باتجاه روسيا وأميركا وايران

سركيس أبوزيد

ما زالت باريس مثابرة على إتصالاتھا بشأن الملف النووي الإيراني والتوتر في الخليج، رغم التغريدتين اللتين صدرتا عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي ذكر في إحداھا الرئيس الفرانس ايمانويل ماكرون بالاسم، منبّھا إلى أن أي أحد لا يحق له التكلم باسم الولايات المتحدة الأميركية. ومع إقتراب بريطانيا، منذ وصول بوريس جونسون إلى رئاسة الحكومة، أكثر فأكثر من مواقف واشنطن وسياساتھا وآخر ما صدر عنھا الإنضمام إلى المبادرة الأميركية الساعية إلى إقامة تحالف بحري يضمن حرية الملاحة في مضيق ھرمز. فإن باريس تسعى إلى الوصول إلى حل هذه الأزمة دبلوماسيًا، ولا تخفي المصادر الدبلوماسية في باريس أن فرنسا ترى أن الخروج من أزمة الخليج لا يتم من غير خطوات متوازية، بمعنى أنه يتعين على كل طرف القيام بخطوات تجاه الطرف الآخر. وھذه الفلسفة تتعارض تمامًا مع المقاربة الأميركية. رغم أن واشنطن أعربت أكثر من مرة عن رغبتھا في الحوار مع طھران، ولكن من غير شروط أي مع بقاء العقوبات، بينما تطالب طھران برفع العقوبات للجلوس إلى طاولة التفاوض.

لكن باريس، وكما تقول مصادر دبلوماسية أوروبية، تحتاج إلى حلفاء، وروسيا يمكن أن تكون حليفًا. ذلك أن باريس وموسكو، وكلتاھما موقّعتان على الإتفاق النووي ومتمسكة به، تسعيان للمحافظة عليه من خلال تمكين طھران من الإستمرار في الإستفادة مما وفّره لھا ومساعدتھا على الإلتفاف على العقوبات الأميركية. لذلك فإن الرئيس إيمانويل ماكرون ماضٍ في دور الوسيط بين طھران وواشنطن، ويشعر أن لا أحد غيره في الميدان يستطيع القيام بھذا الدور لتلافي التصعيد وتبريد الأجواء في الخليج.

هذا الأمر ترجمته باريس من خلال لقاء القمة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في المنتجع الصيفي لماكرون المسمّى "حصن بريغونسون". وقبيل قمة مجموعة السبع" التي عقدت بين 24 و 26 آب في منتجع "بياريتز" المطل على مياه الأطلسي.

يؤشر استقبال بوتين في حصن بريغونسون إلى رغبة فرنسية في المحافظة على إستقلالية السياسة والقرار السيادي الفرنسي

 في الواقع، ثمة صلة زمنية وسياسية بين القمتين، حيث تحمل دعوة بوتين الى فرنسا، وتحديدًا إلى منتجع ماكرون الصيفي، قبل 5 أيام فقط من قمة مجموعة السبع، أكثر من رسالة، خصوصًا باتجاه الولايات المتحدة الأميركية. ذلك أن روسيا أخرجت من مجموعة الثماني التي تحولت إلى مجموعة السبع وفرضت عليھا عقوبات أميركية وأوروبية في عام 2014 بسبب الحرب في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم.  لذلك، فإن اختيار موعد زيارة الرئيس الروسي يمكن إعتباره بمثابة "إعادة تأھيل" جزئي لموسكو، كما تأتي أھمية قمة ماكرون -  بوتين، أنھا تناولت الأزمات نفسھا التي طُرحت على قادة الدول السبع الكبار. من ھنا، فإن ماكرون لعب دور صلة الوصل بحيث استطاع أن ينقل للقادة الآخرين حقيقة مواقف بوتين من الأزمات المشتعلة، كالوضع في شرق أوكرانيا، وملفات إيران، وأمن الخليج، وسوريا، وليبيا، وترى باريس أن لروسيا تأثيرًا كبيرًا، ويمكن أن تلعب دورًا حاسمًا في تناول ھذه الملفات كافة.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤشر استقبال بوتين في حصن بريغونسون إلى رغبة فرنسية في المحافظة على إستقلالية السياسة والقرار السيادي الفرنسي. وتذھب مصادر الرئاسة الفرنسية أبعد من ذلك بتأكيدھا لصحيفة "جي دي دي" الأسبوعية أن ما تريده باريس ھو إبراز الرغبة في الخروج من الإصطفاف وراء واشنطن "لأن ھذه ميزة الدبلوماسية الفرنسية"، ويوحي ھذا الكلام برغبة فرنسا في إستعادة بعض "الخط السياسي الديغولي"، أي إستقلالية القرار عن واشنطن.

في الملف الإيراني، ثمة تقارب بين باريس وموسكو، وما تريده الأولى من الثانية المساعدة في الضغط على طھران من أجل خفض التصعيد في مياه الخليج ووقف إنتھاكاتھا للإتفاق النووي رغم خروج واشنطن منه. من ھنا، يأتي أھمية أن يلعب بوتين دورًا، وفق باريس، في دفع الجانب الإيراني إلى وضع حد لتخليه عن بنود الإتفاق وتجميد الإجراءات التي اتخذھا، وھدف باريس ھو العودة بالملف إلى بداياته، وتوفير الظروف التي تسھل جمع الطرفين إلى طاولة المفاوضات.

مقترحات ماكرون تقوم على الطلب من واشنطن تجميد فرض عقوبات إضافية على طھران والسماح لھا بتصدير كميات محدودة من نفطھا

وهذا الأمر تجلى في توصيف قمة مجموعة الدول السبع في منتجع بياريتز الفرنسي بأنها كانت قمة الملف الإيراني و"قمة المفاجآت، فوصول وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف الى أرض القمة في ما يشبه عملية "إنزال دبلوماسي" شكل مفاجأة ومؤشرا الى وجود تغيير في مسار الأزمة الإيرانية -  الأميركية، والى نجاح الوساطة الفرنسية التي قادھا الرئيس إيمانويل ماكرون. تأكد ھذا الإنطباع مع تفاؤل ماكرون وترامب، حيث أكد الأول أن محادثات قمة السبع ھيأت ظروفًا لعقد إجتماع، وبالتالي إتفاق بين الرئيسين الأميركي والإيراني. بينما وصف الثاني إحتمال حدوث ھذا اللقاء بأنه "إحتمال واقعي"، ملمحًا الى إمكانية أن يُعقد خلال أسابيع إذا كانت الظروف مناسبة، في إشارة الى إمكانية حصول اللقاء بين روحاني وترامب في نيويورك الشھر المقبل على ھامش إجتماعات الأمم المتحدة، وفق معلومات تداولتھا وسائل إعلام أميركية.

ھذا إنجاز مھم للرئيس إيمانويل ماكرون، الوسيط الفرنسي نجح حيث فشل الوسيطان الآخران الياباني والألماني. وماكرون ھو الوحيد المتواجد في ميدان التفاوض وقام بجھود مركزة لتليين مواقف الإيرانيين والأميركيين.

فمقترحات ماكرون تقوم على الطلب من واشنطن تجميد فرض عقوبات إضافية على طھران في إطار سياسة الضغوط القصوى والسماح بتصدير كميات محدودة من النفط الايراني. ومن الأفكار الفرنسية المطروحة إدخال الكميات النفطية المطلوبة في إطار الآلية المالية المعروفة باسم "إينستكس" والتي تسعى البلدان الأوروبية الثلاثة لتشغيلھا.

قمة مجموعة السبع شكلت فرصة سانحة لـ"ماكرون" كي يطرح نفسه وسيطًا عالميًا في الملف الإيراني، أولًا لخفض التصعيد في الخليج ودفع إيران للبقاء داخل الإتفاق النووي، وثانيًا لإقناع الولايات المتحدة والدول السبع بالتوافق على استراتيجية واحدة للتعاطي مع إيران.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات