يوميات عدوان نيسان 1996

آراء وتحليلات

معادلة حزب الله للطيران المسير... أبعادها في الصراع وتداعياتها على العدو
27/08/2019

معادلة حزب الله للطيران المسير... أبعادها في الصراع وتداعياتها على العدو

شارل ابي نادر

بعد أن تحددت  بشكل واضح القدرات التدميرية التي كانت مجهزة بها طائرتا العدو الاسرائيلي المسيرتين، واللتان سقطتا (بطريقة ما) فوق الضاحية الجنوبية لبيروت ليل السبت ـ الاحد الماضي، وبعد أن انكشفت أهدافُهما التخريبية ـ الارهابية، والتي هي (عملية او عمليتا) اغتيال لقادة او لكوادر من حزب الله، اكتملت وتثبتت عناصر المعادلة التي ارساها امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله على خلفية الاعتداء، والتي تلخصت بأن المقاومة سوف تعمل منذ الآن وصاعدا على منع دخول الطائرات المسيرة العدوة في الأجواء اللبنانية.
 
حتى الان، من غير الواضح طريقة او وسيلة او محور وصول الطائرتين المسيرتين الى اجواء الضاحية الجنوبية، وبالتحديد فوق احد مراكز حزب الله الاعلامية، كما ان المُستهدف عبرها لم يُعرف، على الاقل بالنسبة للراي العام او الخاص، وربما الوحيد الذي يعلم ذلك هو قيادة حزب الله، وفي الوقت الذي يدور فيه التساؤل عن طريقة الوصول الغامضة، حيث مدى عمل تلك الطائرات بالمبدأ، لا يتجاوز البضعة كيلومترات ليصل الى العشرة منها حدا اقصى، فمن غير المستبعد ان تكون قد أطلقت من منطقة قريبة عبر احد العملاء او رجال الموساد مباشرة، كما انه من غير المستبعد ايضاً أن تكون قد اطلقت وبطريقة خاصة، من احدى القاذفات العدوة التي كانت حينها تنشط في اجواء لبنان البرية والبحرية، حيث كانت تنفذ اعتداءً واسعاً بالصواريخ البعيدة المدى على جنوب العاصمة السورية دمشق.

لقد كان سماحة السيد دقيقا وواقعيا عندما قال ما حرفيته: "سنعمل على إسقاطها"، بمعنى انه لم يؤكد اننا سوف نسقطها لانه يعلم جيدا أن العدو يملك قدرات كبيرة في سلاحه الجوي وبالاخص في الطائرات المسيرة، من كافة الأنواع المتطورة  والامكانيات في التسلل وفي الارتفاع وفي التخفي ، بل ترك هامشا للاحتمالات الممكنة والواردة بأنها قد لا تسقط جميعها، ولكنه كان في نفس الوقت ـ وكعادته ـ حازما وواثقا من معادلته التي ارساها بجملة بسيطة مختصرة كما جاءت. فماذا تعني هذه المعادلة من النواحي العسكرية والإستراتيجية ؟ وكيف ستكون تداعياتها على مسار الصراع مع العدو بشكل عام؟

إن إسقاط الطائرات المسيرة، مهما اختلفت أنواعها ومهماتها وقدراتها، يحتاج إلى سلاح دفاع جوي مضاد ومتخصص والى منظومة صاروخية متعددة المستويات، الأمر الذي يُنهي جدلا او تساؤلا طالما كان لدى العدو ولدى قسم كبير من الأصدقاء، عن حقيقة امتلاك حزب الله منظومة دفاع جوي، وهذا يعني بالمفهوم العسكري وبمعطيات المواجهة مع العدو نقطتين:

الاولى: ان مناورة العدو الاستعلامية، والتي تعتبر عنصرا اساسيا في معركته الواسعة، سوف تصبح بعد اليوم ناقصة ومقيدة، على الاقل لناحية المعلومات التي كانت تؤمنها لها طائرات الاستطلاع والرصد المسيرة، والتي لطالما كانت ناشطة في الأجواء اللبنانية وخاصة فوق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من بيروت.

الثانية: أن عمليات الاستهداف الخاصة او الاغتيالات الحساسة والتي يمكن تنفيذها عبر هذه الطائرات، حيث ليس فقط العدو الاسرائيلي يقوم بها، بل تقوم بها اغلب الجيوش والاجهزة الامنية الدولية، أصبحت فوق لبنان محظورة وتحمل الكثير من الصعوبات، اذا لم نقل انها اصبحت من الماضي بالنسبة للعدو.

الثالثة: أن سلاح جو العدو، والذي لطالما كان الذراع الأقوى والأكثر حسما لمعركته، سوف تصبح قدراته بعد اليوم مقيدة الى حد ما، بوجود خشية وخوف لدى طياريه من وجود امكانية مرتفعة لتعرض قاذفاتهم لصواريخ أرض جو، غامضة القدرات والامكانيات، الامر الذي سوف يخفض بنسبة غير بسيطة الغارات الجوية الفاعلة، وعلى الاقل سوف يدفع  العدو لتغيير مناورته الجوية لناحية اللجوء الى الاستهداف البعيد غير الدقيق .

من ناحية اخرى، يمكن بعد اليوم لحزب الله ان يضيف عنصرا آخر  الى معادلة الردع التي خلقها بفضل صواريخه الاستراتيجية البعيدة المدى والدقيقة، لا يقل اهمية وفعالية عن العناصر الاخرى، وهو عنصر الدفاع الجوي، غير الواضحة قدراته حتى الان، ولكنها حتما لن تكون باقل من مستوى وقدرات ما يملكه الجيش واللجان الشعبية اليمنية، والتي تفرض نفسها في معركة الدفاع عن اليمن، بطريقة تصاعدية ولافتة، وبمواجهة قدرات جوية غربية غير سهلة.
 
واخيرا، قد يكون اهم ما قدمته معادلة منع طيران العدو الاسرائيلي المسير فوق لبنان، هو انها استهدفت سلاحا او ذراعا،  كان حتى الامس يعتبره العدو من المحرمات التي لا يمكن لاي جهة او دولة او حزب مقاربتها او تقييد عملها، فاصبح على هذا العدو بعد اليوم، ان يبني استراتيجية معركته وحروبه واعتداءاته على عناصر ومعادلات اخرى، لا يكون فيها وكما تعود في تاريخه العدواني حتى الان، للطيران القاذف او المسير خانة "التفوق الجوي مؤمن وغير مقيد".

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات