معركة أولي البأس

 

طوفان الأقصى

كلاكما.. هل اكتفيتما؟
27/03/2024

كلاكما.. هل اكتفيتما؟

‏يا أيها الذين اغترفوا من مستقعات العار حتّى تضلّعوا.. هل اكتفيتم؟ حكامًا وملوكًا وجمهورًا مهزومين، كيف تجدون طعم الذل على موائد الإفطار، أستمرأتموه؟ أكان لذيذًا حقًا؟ وهل كان حلوًا أم مالحًا أم له طعم الحنظل؟ وهل تميّزون أصلًا بين الخبيث والطيب؟ وكيف تميّزون وقد نما لحمكم من سحت العبودية، يا أيها الجمهور القرفصاء.

‏حين تسامرون أنفسكم متكئين على الأرائك، وتتقعرون بألفاظ الوعي والحنكة، وتتوصلون لنتائج مبهرة مُفحمة، بأنّ سبب تقاعس حكامكم أنّهم يخشون أميركا، ألّا يدلكم وعيكم وحنكتكم بأنّ سبب تقاعسكم أيضًا هو خشيتكم من حكامكم، فأميركا تذلهم وهم يذلونكم، فلا تأخذون عليهم ما ابتليتم به إن كنتم تفقهون.

‏ستة أشهر من مذبحةٍ مفتوحة، تشاهدونها بأعينٍ من زجاج، وسحنات من رخام، وفي عواصمكم ترفرف رايات القتلة، ثمّ تقفون أمام المرآة كلّ يوم، فلا تلاحظون المسوخ، وأنّ القردة الخاسئين ذات سبتٍ قد عقَّبوا، فهل اكتفيتم من اغتراف العار وارتشاف الذلّ؟ أم تصرّون على الذهاب بعيدًا في غيابة الهزيمة لتصبحوا يهود التاريخ؟

‏في غزّة؛ وجوه عوابس وأجساد نواحل وأطفال وئدت، أمهات ثواكل وآباء عواجز وعائلات أبيدت، وأنت خارجها ما زلت لم تفهم أنك التالي، وأنّ غزّة حائط الصدّ وآخر جدرانك، فغزّة لا تستغيثك لنجدتها بل لتنجد نفسك، لأنّ هذا الكيان ليس عدو غزّة فقط، هو عدو الضاد أينما حلّت وحيثما وجدث، غزّة تريدك ألّا تُساق للمسلخ كنعجة بن جاسم، تريد لك أن تكون ندًا، وإن كان لا بدّ من الموت، فالموت وقوفًا لا خروفًا.

‏وهذا خطأ فادح فلسطينيًا وعربيًا، تصوير الأمر كأنّه حرب غزّة، وأنّ غزّة تستجدي العرب نجدتها، بل هي حرب الكيان على كلّ الأمة وكلّ المنطقة، وغزّة تطوعت لتكون أول من يحارب وأول من يدافع عنك وعن بلادك وحتّى عن بلادتك، وأول من يموت في سبيل ذلك، لأنّ كلّ ما تعانيه في بلدك وداخل حدودك، مهما كان شكل هذه المعاناة، سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية، فلا أسباب لها سوى وجود الكيان، وإن كُسرت غزّة ولن تُكسر، ستتفاقم معاناتك أضعافًا، ولن تعرف أنّ هذا بسبب صمتك الذليل، حيث أصبح الكيان سيدك وأنت عبده، فهل اكتفيت؟

‏أمّا الطرف الثاني بعد الطرف الأول، والذي لمّا يكتفِّ بعد، هو الذي يولوّل ولولة النساء المنفجعة مهما أوتي من شوارب، ولا ينفك يولول كلما انشقت شفتاه، يا ويلنا ويا ويلتاه علينا والويل لنا، ويريد من ولولته أن تصبح مدرسة حياة، بل ويريدها أغلبهم استراتيجية تحرير، حيث قاعدة لا قِبل لنا اليوم بجالوت وجنوده.

‏وبدلًا من تحويل جرائم العدوّ إلى طاقة غضب تطلب الثأر وتسعى إليه ولو بالأظافر والأسنان، يريدون تحويلها إلى رغبةٍ عارمةٍ في الاستسلام، استسلامٌ يحاكي بالضبط ما قاله حمد بن جاسم، بأنّ العرب نعاج في وجه ذئب"إسرائيل"، وهؤلاء ليسوا بالضرورة من المستفيدين الذين يدفع لهم النفط ليتنعجوا وينعِّجوا أقوامهم ومجتمعاتهم، بل قد يكونوا من الهلوعين الذين أثرت بهم دعاية المتخاذلين الراغبين بالعيش كنعاج، فأصبحوا لا يميزون بين ثمن الحرية وأثمان الخنوع.

‏والسؤال يبقى لكليهما، هل اكتفيا؟ الصامتون والمولولون، ولكن الإجابة التي ليست صادمة، لا، لم يكتفوا ولن يكتفوا، وسنضطر للتعايش معهما شئنا أم أبينا، ومهما كانت بيارق الحرية لامعة خفاقة، لن يروها، لأنهم اعتادوا طأطأة الرؤوس، والحرية ليست كائنًا زاحفًا ليلاحظوه تحت أنوفهم، هي طائر يحلق عاليًا، ولو أرادوا رفع رؤوسهم لرؤيته ستُكسر رقابهم، لأنها اعتادت الانحناء.

‏أمّا سياسيًا؛ فنعيش الآن مرحلة عضّ أصابع، إذ قال بايدن لن نسمح لحماس بأن تنتصر، وكذلك قال عبده وإمّعته نتنياهو، لن نتوقف حتّى كسر حماس، وحماس هنا تعنى المقاومة بكلّ أطيافها داخل غزّة وخارجها، في المقابل قال سماحة السيد حسن نصر الله ستنتصر حماس، أي ستنتصر المقاومة بكلّ ساحاتها في الداخل والخارج، واليقين أنّ النصر حليف حماس وغزّة ومحورها، والفشل مصير بايدن وإمّعاته من صهاينة يهود وصهاينة عرب. وهذا ليس شعرًا أو أمنيات في فلاة، هذه وقائع تدعمها محطات التاريخ القريب، فهذه المقاومة خُلقت لتنتصر، ولتراكم الانتصارات ولتحرر. وكلّ ما دون ذلك وعداه، هي أحلام في فراغ، وأضغاث أحلام، والمسألة فقط مسألة وقت.

إقرأ المزيد في: طوفان الأقصى