طوفان الأقصى

نقاط على الحروف

تحية لروحَي قائدين ممن صنعوا عيد المقاومة والتحرير
24/05/2024

تحية لروحَي قائدين ممن صنعوا عيد المقاومة والتحرير

في مناسبة عيد التحرير والمقاومة، والذكرى الثامنة لاستشهاد القائد المقاوم السيد مصطفى بدر الدين "ذو الفقار"، وهو الذي عرفت شكيمته ساحات عدة، وفيها من الأسرار الكثير، الذي لم يحن الوقت بعد لتظهيره، مع ما يجيش في الصدر، ومن كوة الانصاف، لا بد من الإضاءة على جوانب لا تخدش سرًّا.

لقد تصارعت ونفسي على مدى كلّ ذكرى، إذا ما كان يجوز لي أن أخالف عقدي مع نفسي على عدم البوح، وإن حفزني أحيانًا الحس الصحفي، رغم أني آليت على نفسي منذ العام 1982، ألا أكتب ولو تلميحًا، عن سر يتعلق بمقاوم، ولو كان ذاك السر معروفًا، وأيضًا المقاوم، لدى بعض الفئات، رغم أن بعض الأسرار، ربما تداولتها مع من يعنيهم الأمر للاستزادة عن مرحلة ما، أو ضمن حلقة ضيقة من الأصدقاء الحرّاص على كتم السر، أي الذين يمتلكون المقدرة على عدم إفشاء الأحاديث، كي لا تصبح الأمانة في مهب الريح. وكأن اتّفاقًا بيننا معقود على الثقة والحرص والأخلاق والانتماء.

التقيت السيد ذو الفقار، بعد 15 عامًا من آخر لقاء معه، وكان القائد العسكري في اللقاء الجديد، وكان اللقاء مشحونًا بذكريات لم يبح أيّ منّا بها، إلا عبر ابتسامة هنا، أو غمزة هناك يكشفها كرسي الخد، من خلف النظارة شبه المعتمة، والسبب، ربما، وجود شخص آخر معي حينذاك، لتسجيل أول حديث صحفي علني، مع القائد العسكري، في أعقاب عدوان نيسان 1996 الذي أطلق عليه جيش الاحتلال، مسمّى "عناقيد الغضب " وكان فشله كبيرًا.

في الحقيقة، لم اكن مسبقًا أعرف من هو القائد العسكري الذي سأقابله حين تقدمت بطلب إجراء المقابلة، والهدف منها الإضاءة على إنجازات، لا يجوز أن تهمل، ولا يدرك الجمهور أهميتها في معركة في سياق الحرب المفتوحة، وكان هذا يقيني الذي أتمسك بكلّ تفاصيله.

لقد عرفت ذو الفقار عام 1980 بعد سنتين من معرفتي بصديقه الأقرب، الفتى صاحب الوجه الذي يفيض بالإيمان، والجسد ذي الحركة النارية، الذي أصبح لاحقًا القائد الفذ الحاج رضوان، وهو من أطلقنا عليه، ونحن ثلة من الذين اختاروا البندقية سبيلًا للصراع من الكيان الصهيوني، الحاج عماد مغنية.

 انتقلت عائلتنا إلى الشياح بعد معاناة التهجير لمرتين، من مرجعيون، الى الخيام أولًا، ومن الخيام إلى بيروت تاليًا، متنقلة بين الأحياء بحثًا عن سقف، ولو كانت الجدران مخلعة الشبابيك، وبلا أي بنية تحتية، حتّى استقر الحال بنا في الشياح، بينما الأب في معتقل "تل النحاس" وهو أول سجن يقيمه الاحتلال على الأرض اللبنانية، وتلاه معتقل الخيام الذي ذاع صيته في العالم جراء عمليات التعذيب للمعتقلين والأسرى، من شباب وبنات وشيب من النساء والرجال.

في الشياح، وكانت تسمّى مدينة البطولة، جمعنا الانتماء مع ثلة من الشبان، ومن بينهم الشهيد الكبير لاحقًا، الحاج رضوان، وكان في ذاك الزمن معروفًا باسمه الحقيقي عماد مغنية.

عماد، عاشق الفلسفة، لا تراه، إلا وبيده أحد المؤلفَين للعلامة الشهيد محمد باقر الصدر، "فلسفتنا" أو "اقتصادنا". يختار ركنًا، وينكبّ على القراءة بعيون تغزل الكلمات، مصحوبة بتمتمة عميقة، من حين لآخر، دائم الاستماع لنشيدين "أنا يا أخي آمنت بالشعب المضيّع والمكبّل، وحملت رشاشي، لتحمل بعدنا الأجيال منجل"، والمقصود الشعب الفلسطيني، و"طل سلاحي من جراحي، يا ثورتنا طل سلاحي"، ومن خلاله كانت معرفتي بمصطفى بدر الدين الذي لم أعرفه منتميًا لفصيل مقاتل، قبل العام 1982، وإنما لمجموعة طلابية كانت تعرف باتحاد الطلبة المسلمين، وفق الذاكرة.

بعد مجزرتي مخيمي صبرا وشاتيلا في 17 أيلول 1982، وكنت تعافيت نسبيًّا من جراء إصابة كادت تكون قاتلة، وكنا نقطن في بناية معوض الشهيرة جراء ما نالت من قصف أثناء الحرب الأهلية، وإذ بالحاج عماد يطل ومعه شخص آخر، ومن دون مقدمات، كان السؤال: أين صارت قوات شارون - أي وزير الحرب الصهيوني آنذاك الذي ارتبط اسمه بالمجازر، في مقدمة المرتكبين من قوات سعد حداد والقوات اللبنانية. وكان الجواب: لا زالوا قرب السفارة الكويتية، وهناك مجزرة ضحاياها مئات من الفلسطينيين واللبنانيين.

بادر الحاج عماد بعبارة أقرب إلى القرار من السؤال: والآن ما العمل؟ وكان الجواب: وهل لدينا خيارات؟ إلى السلاح، إلى السلاح.

لم تكن معركة مستديرة جسر المطار مع القوات "الإسرائيلية" الغازية، في الصدام المباشر أثناء الاجتياح، يتيمة خلال الأشهر الثلاثة التي مضت على الاجتياح والمجازر، فقد كان لمعركة خلدة صداها الكبير، وكذلك بعض العمليات خلف خطوط القوات الغازية، لكن معركة مستديرة جسر المطار كانت بداية التأسيس لانطلاقة عمل، وأنموذجًا جديدًا  في المقاومة، اثنان من أركانه الحاج رضوان والسيد ذو الفقار.

مرات ومرات التقيت بالحاج عماد، تارة في البقاع، وتارة في بيروت، نجول في الأوضاع، ونركز على سبل تأمين وسائل العمل، وخصوصًا ما يتيسر من سلاح مخزون في أمكنة متفرقة من العاصمة، وفي مرة كان استخراج السلاح من أحد المخازن في العاصمة أشبه بمعجزة، جرى التخطيط لها بعناية بالغة، لأن الحمولة ليست قليلة ومتنوعة، وبوجود القوات المتعددة الجنسية على كلّ مداخل المنطقة حيث المخزن – الثروة، يوم عز السلاح.

في عيد المقاومة والتحرير الذي زرعت الطريق إليه بتضحيات جسام مكللة بدماء شهداء بالآلاف روت أرض لبنان، وحررت جنوبه والبقاع الغربي بعد طرد الاحتلال من بيروت إلى صيدا حتّى الشريط الذي كان محتلًّا، تحية من كلمات بخفر، لاثنين من كبار رواد صناعة المقاومة حتّى الشهادة، السيد ذو الفقار، والحاج رضوان.

عماد مغنيةمصطفى بدر الدين

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف